الأربعاء، 27 مارس 2013

هل يحرق نيرون مصر أرض الكنانة!؟/ أحمد الرواس



 هل يحرق نيرون مصر أرض الكنانة
تحكي كتب التاريخ  كيف أن نيرون الذي آل إليه حكم الإمبراطورية الرومانية و هو بعد لم يكمل السادسة عشرة من عمره  فعاث في شعبها فسادا و إذلالا و لم يسلم من بطشه حتى أمه التي قتلها و هي تلعنه، كما أنه قتل معلمه سينيكا" ، و في سنة 64 للميلاد بدا لهذا المجنون أن يقوم بإصلاحات جذرية في مدينة روما فأمر بإضرام النار في أحيائها، و بينما كانت النيران تلتهم أحياء روما و تتعالى أصوات المحترقين و تذوب أجسادهم حتى قتل منهم الآلاف كان هو يمسك بقيثارته ويجلس مترنما بأشعار هوميروس عن حرق حرب طروادة!
هذه السادية المرضية ترد إلى أذهاننا و نحن نرى مدينة عزيزة على كل عربي و كل مسلم هي القاهرة تحترق أحياؤها و تهدد الحرائق حتى أغلى كنز من كنوزها ألا و هو المتحف المصري ! إذ جاء في أكثر من مصدر إخباري أن مجموعة من البلطجية المزودين بقذائف المالوتوف و المحسوبون على النظام و أعوانه  قد حاولوا إضرام النار فيه، لولا أن بعض الشباب قد خاطروا بحياتهم و أطفأوا النيران.
لقد انتظر الشعب المصري خطاب مبارك ليرى مدى استجابته لمطلبه الأساسي في التنحي عن الرئاسة بعد أن أوصل البلاد إلى شفير الهاوية ، لكن خطابه جاء مخيبا لآمال كل  المصريين ما عدا زبانيته من اجهزة أمن الدولة و المخابرات و رجال الأعمال و البلطجية فقد استبشروا به و تجدد لديهم الأمل في عودة الفساد و استمراره، لقد خير مبارك الشعب ما ببين القبول بطرحه المخالف لإرادة الشعب واستمراره في الحكم مدة شهور أخرى تمكنه من ترتيب أموره على مهل سواء نحو التوريث –الذي تعمد ألا يجري له ذكرا- أو تثبيت دعائم نظام مكون أساسا من رموز الفساد السابقين من أعضاء الحزب الحاكم .خيره بين هذا أوالفوضى العارمة .
و ربما يبدو أن النظام ساءه كثيرا المستوى الحضاري الذي ظهر به الشعب المصري المطالب برحيله حيث اقتصر على المظاهرات السلمية رغم كل المضايقات و التجاهل الذي يواجه به فعمد إلى بث الفوضى في ميدان التحرير و في غيره  و في صباح اليوم التالي رآى العالم  الإنزال الذي قام به النظام حيث عمد إلى جيش منظم من قطاع الطرق الذين يحملون السيوف و السواطير و الزجاجات الحارقة و العصي و حتى بعض الأسلحة الأوتوماتيكية فقاموا رأسا بمهاجمة المعتصمين و محاولة طرد هم منه و إحلالهم مكانهم في محاولة يائسة لإعطاء صورة مزورة للعالم ، و لم يكد المرء يصدق ما تراه عينه و هو يرى مآت من قطاع الطرق المنحطين يلقون بالقنابل الحارقة على الآمنين و بوابل من الحجارة و القنينات الزجاجية دون أي اعتبار لمن تقع عليهم تلك الأشياء من أطفال صاحبوا آباءهم أو نساء صاحبوا أزواجهم،و أوقعوا في الأبرياء عشرات الجرحى و عدد من القتلى . و قد احتل البلطجية و رجال الأمن المتسترون بألبسة مدنية بعض العمارات السكنية القريبة من ميدان التحرير و أخذوا يقذفون بالحجارة و الزجاجات الحارقة على الآمنين. و في لحظة من لحظات محاولات اختراق دفاعات المعتصمين قام مجموعة من البلطجيين و رجال الأمن المتخفين بالهجوم على الصفوف الأولى للمعتصمين باستعمال الدواب من حمير و بغال و جمال و خيول  و عربات سياحية  تجرها الفرسان و كان ركابها يحملون الأسواط و السيوف و العصي بأيدهم وانطلقوا مسرعين نحو ميدان التحرير غير آبهين بمن تدوسه سنابك دوابهم، لكن الله رد كيدهم في نحورهم فما هي إلى أن توغلوا قليلا بين صفوف المعتصمين من الشباب حتى أسرع المعتصمون إليهم و أطاحوا بالكثير منهم من على صهوة خيولهم و جمالهم و أشبعوهم ضربا و رفسا و بعد تفتيشهم  وجد الشباب مع كثير منهم هوياتهم الأمنية، إضافة إلى السكاكين و شتى أنواع الأسلحة البيضاء.
تترد أنباء من خلال بعض اعترافات بعض المقبوض عليهم و من خلال مايقال عن تسرب بعض الوثائق أن رجال النظام من بعض الأمنيين و رجال الأعمال قامووا باستئجار مجموعة كبيرة من ذوي السوابق و البلطجية للقيام بمهمة إخلاء ميدان التحرير مقابل قدر من المال يحصلون عليه، ونفس الشيء بالنسبة لأصحاب العربات  و الدواب فقد استئجروا لهذا الغرض و أوتي بهم من منطقة الهرم و الجيزة مقابل وعد بمئتي دينار لكل صاحب دابة ! و لذلك فقد بدا أنهم مصرون على القيام بمهمته و إنجازها حتى يستحقوا المال الذي باعوا به ضمائرهم. ذلك المشهد يستدعي للذاكرة ما ترسخ في مخيلتنا من معارك الجاهلية ما قبل الإسلام .
لقد أظهرت تلك الأحداث مدى القعر الذي يمكن أن يصل إليه بعض المستبدين في تعاملهم مع شعوبهم. لقد ذا الشعب المصري الويلات من رجال نظام مبارك الذي أغرى بالشعب رجاله الأمنيين و أجهزة المخابرات و المرتزقة من قطاع الطرق و المجرمين و الذين أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الحملات الانتخابية لحزب مبارك الحاكم، فالحزب الوطني يدين بالكثير لأولئك المنحطين عديمي الضمير لأن الفضل يرجع إليهم في حصول حزب الاستبداد هذا على حصة الأسد في أية فريسة انتخابية تشريعية كانت أو رئاسية. إنهم أمسوا جزءا لا يتجزأ من الصورة الانتخاببية لحزب مبارك.
فيما كنت أتابع بعض القنوات الأجنبية لمعرفة الزاوية التي ينظرون بها إلى أحداث ليلة أمس وصباح اليوم الخميس، لفت نظري استجواب قامت به قناة ال BBC    مع أحد مستشاري مبارك السابقين حيث قال عن سبب عناد مبارك و إعراضه عن إرادة الشعب قال إن مبارك رجل عسكري و العسكري يرى في عدم إطلاق النار على خصمه خيانة تستوجب الإعدام، و بالتالي فإن مبارك ينظر إلى الأمر على أنه معركة عسكرية "
و هذا يعني أن مبارك يرى في الغالبية الغالبة من الشعب المصري التي تنادي برحيله كما لو أنها خصمه اللدود في معركة عسكرية، و بالتالي فكل من يعبر عن رأيه ضد حكم مبارك هو خصم يجب أن يهزم، و بالتالي لا اعتبار لمن يقتل في سببيل بقائه في السلطة فالقتلى بالنسبة إليه مجرد ضحايا في معركة حربية، و هذا ربما يفسر إعراضه التام عن ذكر الشهداء الذين أردتهم أجهزته الأمنية أو أعوان حزبه من البلطجية ، إذ وصل عددهم حين كان يلقي الخطاب إلى أكثر من 300 قتيلن و مع ذلك تجاهلهم تماما!
إن مبارك يحتاج إلى هذه الشهورالتي تفصله عن نهاية اللفترة الرئاسية، و هو ربما يرى أن هذه الشهور كفيلة بأن يرتب فيها مسألة التوريث التي تعمد عدم ذكرها في خطبته حتى لا يلتزم بشيء إن عاد إلى إدارة دفة حملتها، أو على الأقل صنع نظام موالي له و لحاشيته و يرعى امتداد مصالح رجال النظام و يضمن عدم محاكمته مستقبلا.
إن الشعب المصري اليوم على مفترق الطرق فإما مواصلة الاحتجاجات السلمية و عدم الرضوخ للمناورات التي يسوقها النظام من خلال مدير المخابرات العامة عمر سليمان الذي هدد عقب ذلك الخطاب المأزوم بعدم الحوار مع أي من القوى السياسية المعارضة ما لم يتم إنهاء الاعتصامات! و هذه عنجهية متكلفة، ذلك أن الشعب بعد لم يعترف به كنائب للرئيس لأنه ببساطة لم يعد يعترف بالرئيس رئيسا فكيف بمن نصبه نائبا!؟فإذا سقط الأصل فأي اعتبار للفرع؟
ما قام به النظام من حركات إجرامية دليل ضعف و تخبط شديدين، و هو يدل بوضوح تام على أن النظام يعيش أيامه الأخيرة فلا تهنوا و لا تحزنوا و النصر على الفساد و المفسدين قاب قوسين أو أدنى منكم، فما قام به أعوان النظام باطل و الباطل إلى زوال. ألا إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب. 

في 4 فبراير 2011


تعليق واحد على “هل يحرق نيرون مصر أرض الكنانة!؟/ أحمد الرواس”

  1. تحية طيبة أخ أحمد وأشكرك على المدونة الجميلة
    هناك سادية عند جميع الحكام أو أغلبهم
    فجاذبية الكرسي رهيبة ، وممكن يفرط في كل شيء مقابل الكرسي
    الحكام العرب لا يتعظون ، التاريخ ينضح بمآل الطغاة ولكن أين المعتبر
    عندما يعلو الرئيس على برجه العاجي وينسى ان تحته ملايين المسحوقين فهو يأذن بنهايته

0 التعليقات:

إرسال تعليق