على خلفية قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران .
خلف قرار المغرب قطع علاقاته الدبلماسية مع إيران موجة من المناقشات و الجدالات الحادة و ردود الأفعال المتضاربة ما بين معارض لهذه الخطوة ، متهم للدبلماسية المغربية بالتسرع و عدم النضج و عدم مراعاة مصلحة البلد. و بين من أيد الخطوة واعتبرها خطوة شجاعة بسبب ما تعرض له موقف المغرب التضامني مع مملكة البحرين الشقيقة من استخفاف و إهانة و حملة غير مبررة في الإعلام الإيراني و كذلك بسبب نشاطات التشييع الذي تشرف عليه إيران و هيئتها الدبلماسية سواء في الرباط أو في بعض البلاد الأوروبية خصوصا في بلجيكا .و أكثر من أغاظتهم هذه الخطوة هم المتشيعون الجدد الذين أغلبهم يعيش في بلجيكا إذ فقدوا صوابهم، وأخذوا يكيلون السباب و الشتائم المجانية للمغرب و حكومته و تعدوها إلى الصحابة رضوان الله عليهم. و قد أخذ البعض دون وعي يتحسرون على فسخ هذه العلاقة وما سوف يلحق المملكة من خسارة اقتصادية فادحة!! فإيران في تصورهم قد بنت اقتصادا قويا و أصبحت تنافس الدول الصناعية باقتصادها القوي !! فهي في خيالهم من أنجح الدول اقتصاديا و أبناؤها جميعا يشتغلون، و لايموتون في قوارب الموت كما هو الحال في المغرب !.فما مدى صدق أو تافت هذه النظرة
نظرة عامة عن الاقتصاد لإيراني
الاقتصاد الإيراني إقتصاد ريعي كباقي دول النفط. فرغم ا لتصريحات التي أطلقها قادة الثورة كالخميني و كذلك الاقتصاديون الإيرانيون في بداية الثورة بأن إيران سوف تبني اقتصادا متينا و نموذجيا لا يعتمد على النفط، و أن النفط طاقة استراتجية يجب المحافظة عليها للأجيال القادمة، و عدم هدرها كما تفعل الدول النفطية الأخرى! وهذه التصريحات الحماسية لا تزال مستمرة حتى الآن ، فقبل أيام صرح أحمدي نجاد بأن الاقتصاد الإيراني لن يتأثر حتى لو نزل برميل النفط إلى5دولارات! إلا أنه و بعد مرور 30سنة من عمر الثورة الإيرانية فإن النفط و الغاز ما يزالا يشكلان 82% من الدخل المحلي الإيراني! و 88% من صادراتها!!
و عند الاقتراب أكثر من الصورة الهيكلية للاقتصاد الإيراني نلاحظ أن هناك ثلاث ركائز أساسية للإقتصاد الإيراني:
1/ القطاع العام 2/ و القطاع الخاص 3/ وما يسمى في إيران بالبوندات أو ما يشبه المؤسسات الخيرية و التي يسيطر عليها رجال الدين .
فلقد إتجهت حكومة الثورة منذ اليوم الأول إلى بناء اقتصاد موجه، فقامت بحملة مصادرة كل الأملاك المشتبه في انتمائها لما أسموه بأعوان النظام الشاهنشاهي و توسعت الدائرة فأصبحت تصادر بالشبهة، و أحدثت هذه الإجراءات و الحملات أوضاعا مشابهة لأوضاع روسيا بعد الثورة البلشفية ! فلم يبق أمام المستثمرين في القطاع الخاص سوى الخروج من البلد في أقرب فرصة .و كنتيجة لذلك فقد اكتسح القطاع العام المملوك للدولة معظم المرافق لاقتصادية ، وتقلص القطاع الخاص وانكمش إلى مادون عتبة 15 %.
و لقد توسعت دائرة البوندات فأصبحت تسيطر على مرافق عدة بحكم تنفذ الملالي . كما أن هذا القطاع يحظى بامتيازات عدة منها إعفاءه من الضرائب و المستحقات التي تثقل كاهل القطاع الخاص المحتضرمنذ مدة .و هناك مآت المؤسسات الدينية التي تنهب الاقتصاد تحت يافطات دينية طائفية مثل مؤسسة الشهيد، ومؤسسة أخبار المهدي، و مؤسسة المعصومة، و مؤسسة أمير المومنين، ومؤسسة الإمام المهدي، و مؤسسة أخبار المهدي، و مؤسسة صاحب الزمان ! و كل إمام من أئمة الشيعة المعصومين في زعمهم له مؤسسة أو مؤسسات.و القائمة طويلة، و تفخر هذه المؤسسات بأنها تعمل على توزيع المعونات على* المحرومين* و *المستضعفين*و *المقهورين* دون أن يكلفوا أنفسهم سؤالا بديهيا هو : من حرمهم؟ ومن قهرهم ؟و من استضعفهم ؟ للأسف ما تزال النظرة للاقتصاد عند ملالي إيران تحكمها عقلية ذر الحسنات و الصدقات على المحرومين حتى بعد 30سنة من وجودهم في الحكم.و هم لم يرتقوا في نظرتهم للا قتصاد إلى توفير الرفاه للشعب، و حفظ كرامته من أن يمد يده للإستجداء. وقبل أيام حدثني أحد المعجبين بإيران بأن الرئيس أحمدي نجاد عندما كان يزور إحدى الضواحي في طهران أمطره عشرات الناس بوابل من الأوراق كتبت فيها حاجاتهم، و قال لي بأن أحمدي نجاد يأمر أعوانه بجمع تلك الأوراق و يجيب عليها جميعا! قلت له لو كان الشعب الإيراني يجد الطريق سالكا للحصول على حقوقه، و حل مشاكله، لما احتاج إلى أن ينتظر زيارة أحمدي نجاد، أو مرشد الثورة حتى يمطرونه بطلباتهم.
و مما زاد الطين بلة دخول الحرس الثوري، أو ما يسمى بالباسداران على الخط، حيث أطلق النظام الإيراني يدهم في كل شئء تقريبا في مقابل توفير الأمن للنظام، و يقدر الباحث الاقتصادي نيكولا لامي في مركز الدراسات الاقتصادية في جامعة بول سيزان عدد الفاعلين الاقتصاديين من حرس الثورة ب12ألفا و ككل مجموعة ضغط، حول الباسداران دعمهم للثورة إلى امتيازات. إذ عُهد إليهمالأمن الداخلي و الخارجي و جميع الصناعات العسكرية و النفطية و الزراعية فأصبحوا يسيطرون على الاقتصاد بدون أي منافس. وشكل الباسداران في العديد من القطاعات التييسيطرون عليها اتحادات احتكارية، فأصبحوا بذلك المُسيرين الفعليين الجدد للاقتصاد الإيراني على حساب حرية ممارسة التجارة و ديناميكية السوق.و قد أصبحت المشاريع الكبرى تفوت إلى هذه المؤسسة بسهولة و يسر، مثل تطوير حقل بارس الجنوبي للغاز و التي بلغت تكلفته 2.10 مليار دولار.
و قد بالغ الملالي و ما يسمى بالمتشددين في إيران في التدخل في كل صغيرة و كبيرة ، مما جعل الحكومة السابقة التي كان يرأسها الإصلاحيون بزعامة خاتمي ، و التي كان الشعب الإيراني خصوصا الشباب منه يأمل أن تحل المشاكل الاقتصادية العويصة التي تتخبط فيها البلاد بأنها تقف عاجزة أما استحكام قبضة المتشددين على مفاتيح الاقتصاد الإيراني، مما حدا بالرئيس السابق محمد خاتمي أن يصرح مرارا بكونه لا يستطيع تنفيذ إصلاحاته الموعودة بسبب هيمنة المتشددين، في مقمتهم رجال الدين ،و الحرس الثوري على كل المرافق، و أنهم يعيقون كل خطواته الإصلاحية! و يبدوا أن الحكومة الإيرانية قد فطنت إلى هذا الخطإ الاستراتجي و ما يجره على الاقتصاد الإيراني فأخذت إتجاها ترقيعيا إتسم هو الآخر بالتسرع و المغالاة فقد توجهت الحكومة في الآونة الأخيرة إلى سياسة الخصخصة المفرطة ،بعد أن ألغت المادتين 42 و 43 من الدستور، و اللتين كانتا تحرمان الخصخصة! و اتجهت بشدة نحو بيع أكبر الشركات و المؤسسات التي كانت تملكها ،مثل قطاعات التجارة الخارجية والمصارف والتأمين، والاتصالات، والخدمات البريدية، والسكك الحديدية،والخطوط الجوية، والنقل البحري . غير أن الاستجابة كانت ضعيفة نظرا لعدم توفر شروط الاستثمار الجاد و المربح بسبب التخبط ،و العشوائية في القرارات السياسية والاقتصادية. .و سيطرة جماعات الضغط التي لها رجال دين متنفذين يسهرون على الدفاع عنها، سواء تحت قبة البرلمان، أو في مجلس صيانة الدستور،أو مجلس مصلحة النظام، أو محاكم الثورة، أو حتى لدى المرشد الأعلى أو غيرها من المؤسسات المتنفذة. و بهذا أصبحالاقتصاد الإيراني الحالي يعيش على الإعانات المالية الضخمة التي يقدمها النظام الحاكم لقطاعات غير منتجة، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم بشكل مهول يصل إلى 15% سنويا ، فرجل الأعمال الذي ينجح في إيران هو الذي يتلقى دعم الدولة. نحن أمام نظام مبني على الفساد، والبحث عن المكاسب المالية. و هذا اقتصاد غير قابل للتطور في ظل هذه الظروف.
و في المجال الفلاحي حاولت إيران أن تطوره، و أنفقت في ذلك أموالا طائلة من العائدات النفطية، و قد أحرزت إيران بعض النجاحات في الرفع من إنتاجية القطاع ، وصل إلى حد تأمين حاجاتها من بعض المزروعات مثل القمح في بعض السنوات إلا أنهاـ و نظرا لسوء التدبير، و ظروف طبيعية مثل الجفاف ـ فإن إيران تحتاج إلى استيراد 5 ـ 6 ملايين طن من القمح بنهاية العام المالي الحالي 2008 ـ 2009 على الرغم من أن القمح لا يشكل غذاء أساسيا على المائدة الإيرانية.
وفي مجال إنتاج الكهرباء عرف زيادة هائلة خلال السنوات الأخيرة إلا أن إيران ما تزال تعاني من عدم كفاية ما تنتجه من الكهرباء بل أعلن وزير الطاقة عن خطط لإطفاء الأنوار غير المهمة في العاصمة طهران، طالبا من المستهلكين تخفيض استخدام الكهرباء بنسبة 10 في المائة لتقليل الحاجة إلى اتخاذ إجراءات إطفاء الأنوار من قبل السلطات.
إقتصاد إيران ريعي بامتياز
و لتتضح الصورة أكثر فإن الناتج المحلي الخام لإيران لسنة 2008 هو 285مليار دولار. و هذا الرقم لا يعبر بصدق عن نماء و تطور الاقتصاد الإيراني لأن أغلبه ريع النفط و الغاز إذ تساهم فيه عائدات النفط و الغاز بأكثر من 82 في المئة ! كما أن الزيادة المهولة في أسعار النفط للسنة الماضية و التي تعدت 300في المئة ساهمت في رفعه أيضا.وإلا فإن الناتج المحلي لسنة 2004 مثلا لم يتجاوز 154 مليار! فلو خصمنا منه عائدات النفط و الغاز لما بقي في أيدينا سوى 31مليار دولار بالنسبة لسنة 2004 في مقابل أكثر من 60مليار في المغرب لنفس السنة!!. و 57 مليار دولار لسنة 2008 مقابل 75مليار دولار في المغرب لنفس السنة . و هذا الرقم هو الذي يفضح الفشل الذريع الذي يتخبط فيه النظام الإيراني ، ف57مليار دولار هي القوة الإنتاجية الحقيقية لشعب يتعدى تعداده 75 مليون نسمة !! و الباقي هو عائدات نفطية.تتعرض لتقلبات السوق. فلو قسمنا 57مليار على 75مليون نسمة لكان الرقم هو 760دولار. للفرد!! في مقابل 2250 دولار في بلد ضعيف اقتصاديا كالمغرب !! و هذا يعني أن الاقتصاد الإيراني هو اقتصاد ريعي بامتياز، و أن كل تلك الشعارات عن تحرير الاقتصاد من ربقة الريعية هي مجرد كلام فارغ كباقي الوعود الإيرانية المعهودة.فلقد وضع تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية ل2007/2008 إيران في المرتبة94.
و إذا ما قارنا ما بين إيران و دولة مسلمة مجاورة لها هي تركيا رأينا الفرق الهائل على جميع المستويات.فالناتج المحلي لتركيا وصل سنة 2008 إلى 657مليار دولار! و حوالي 950مليار حسب القدرة الشرائية. مع العلم أن تركيا ليست دولة نفطية ،و تستورد النفط و الغاز ! تشكل الصناعة في ناتجها المحلي أكثر من 28.6في المئة!
أما عن الصناعات الإيرانية فرغم أنها عرفت بعض التطور، إلا أنها بعيدة كل البعد عن التنافسية الدولية ،أو حتى الإقليمية، فإلى اليوم ما تزال إيران تحاول أن تصل إلى الجودة المعترف بها دوليا في صناعة السيارات و التي كانت قد بدأت بالتعاون مع الشركات الفرنسية في بداية السبعينات على عهد الشاه.فكل الصناعات الإيرانية بجميع الأنواع لا تشكل سوى نسبة قليلة لا تتعدى 15% من الناتج المحلي لإيران!
تقوم إيران بتخصيص مبالغ كبيرة من الناتج المحلي للإنفاق العسكري ، و قد استطاعت أن تنجح في تطوير صناعتها العسكرية، و لكن الملاحظ أن ذلك لا يتماشى بتوازن مع تطور قطاعاتها الاقتصادية الأخرى مما نتجت عنه أزمات اقتصادية مزمنة.
و الخلاصة هي أن الاقتصاد الإيراني يتخبط في مشاكل هيكلية و منهجية و تنظيمية لا يحسد عليها، رغم ثرواتها الطبيعية الهائلة ، و بالتالي فالذين يتحسرون على فوات الفرصة الاقتصادية للمغرب بقطعه لعلاقته بإيران يتحسرون على سراب .
أبريل 8th, 2010 at 1:28 م
وعدتك يا سيدة العالم ويا اقوى الدول واعظمها ان اكون داعمك الاول معنويا وها انا الآن اجدد ذلك الوعد.
أغسطس 21st, 2012 at 2:48 ص
محمد-تونس
أغسطس 21st, 2012 at 4:54 ص
المناقشة الموضوعية تتطلب رد الظن و التهمة بالحجة و ليس بمجرد كلام مرسل كالذي كتبته يا أخي …
إذا أردت أن تعرف واقع الاقتصاد الإيراني فقارن بينه و بين الاقتصاد التركي المجاور لتبدو لك فداحة التخلف و التخبط الذي عليه الاقتصاد الإيراني..فمسيرة النجاح الاقتصادي الباهر لتركيا قد بدأت سنوات بعد قيام ثورة الخميني و مع ذلك فلا وجه للمقارنة البتة ما بين الاقتصادين.
فتدبر وارم عنك سرابيل التعصب لكل ما هو شيعي .