عنوان الموضوع

نبذة عن الموضوع

عنوان الموضوع

نبذة عن الموضوع

عنوان الموضوع

نبذة عن الموضوع

عنوان الموضوع

نبذة عن الموضوع

عنوان الموضوع

نبذة عن الموضوع

الاثنين، 2 يونيو 2014

مهزلة الانتخابات المصرية هل هي بداية ثورة ثانية؟ أحمد الرواس


أمام كثافة الدعاية المروجة لصورة السيسي، و الحملة الإعلامية الغير مسبوقة المضادة للإخوان،  قليلون فقط هم الذين كانوا يتوقعون هذه الفضيحة الانتخابية الكبرى في مصر، و المتمثلة في المقاطعة الشاملة لمختلف الفئات الشعبية للإنتخابات الرئاسية. تلك المقاطعة التي أصابت الآلة الإعلامية المصادرة للإنقلابيين بالذهول. و سببت لها الترنح و فقدان التوازن. فهم يبدو أنهم قد وضعوا في أنفسهم ثقة  زائدة و ظنوا – مخطئين - أن مصادرة الإعلام المخالف. و احتكاركل الإعلام لصالح العسكر، و الزج بالمعارضين في غياهب السجون و الحكم على المآت منهم بالإعدام، و انهماكهم لشهور طويلة في تلميع صورة السيسي و تبشيع صورة الرئيس المحتجز مرسي قد وفى بالموضوع. و مرر اللعبة على أغلبية الشعب المصري. لكن المفاجأة كانت لهم بالمرصاد، حيث أثبت الشعب المصري مرة أخرى أن الإعلام المغرض، و الدعايات الموغلة في بث الإفك و نشر الكراهية ضد أفراد الحكومة الشرعية المنقلب عليها،  لم تعد له فعالية . و فقد قدرته على التأثيرالحقيقي.

لقد كانت المقاطعة شاملة بشكل مذهل. و لا وجه للمقارنة نهائيا بينها و بين ما شهدته آخر انتخابات رئاسية  ديمقراطية في مصر.  حيث شهد العالم كيف أن طوابير رباعية و خماسية تضم المآت، و أحيانا الآلاف من المصريين بمختلف فئاتهم و مشاربهم يقفون للساعات الطوال تحت حرارة الشمس اللافحة من أجل الإدلاء بأصواتهم في عرس ديمقراطي لم تشهد مصر مثيلا له في تاريخها. أما هذه الانتخابات فقد ظلت فيها مختلف المراكز الانتخابية خاوية على عروشها، إلا من المشرفين على صناديق الاقتراع و أفراد العسكر و الداخلية لحراستها. و كانت هذه الحالة عامة و شاملة على مختلف المراكز الانتخابية في كل المحافظات المصرية. و قد دفعت هذه الفضيحة سلطات الانقلاب إلى تمديد تلو تمديد لأيام الاقتراع، و إطلاق حملات ترهيب و ترغيب في طول مصر و عرضها لحمل الناس على النزول لصناديق الاقتراع. فما كان يهم سلطات الانقلاب العسكري هو تصوير الحشود في مختلف مراكز الاقتراع حتى و لو صوتت ضد السيسي أو وضعت أوراقا فارغة في الصناديق 
! فإن أمر فوزه محسوم مسبقا بغض النظر عن عدد الأصوات المحصل عليها ! لكن يبدو أن الشعب المصري قد فطن لألاعيب الانقلابيين فحرمهم من تلك الصور التي كانوا يحتاجونها لتدبيج الصورة الدعائية التي بنوها للسيسي، و موقف الشعب المصري من انقلابه. و في محاولة إرغام الشعب المصري على النزول لمراكز الاقتراع تجند الإعلام المستأجر للإنقلابيين بكل الطرق مهما كانت وضيعة للتأثير على المصريين. فمن متهِم المقاطعين بالخيانة العظمى للوطن، و من مهدد للشعب بالكوارث الاقتصادية و الأمنية التي تنتظره إن  لم يصوت للسيسي ! و من مطالب سلطات الانقلاب بقطع الماء و الكهرباء عن الشعب كي لا يتمتع بالمكيفات و التفرج على القنوات بينما مراكز الاقتراع خاوية !. و من مطالب بإنزال أقسى العقوبات على من ثبتت مقاطعته ! ...إلى آخر ما هنالك من مهازل.
و قد ابتدعت سلطات الانقلاب العسكري أساليب غاية في التخلف من أجل إرهاب الناس على النزول للإقتراع. بحيث جابت مختلف الشوارع و الأزقة سيارات بمكبرات الصوت تدعوا النساء إلى الانقلاب على أزواجهم إن أمروهن بعدم النزول ! و تصف الأزواج المقاطعين بفاقدي الرجولة و الشرف مما زاد من امتعاض المصريين، و تأففهم من هذه الأساليب الاستبدادية التي تقتحم عليهم البيوت.
سخرية القنوات الأجنبية

من تابع القنوات الأجنبية التي غطت فضيحة الانتخابات المصرية يشعر بالمهانة من الوضع الذي أوصل إليه الانقلابيون مصر..بعد أن كانت الانتفاضة المصرية قد أمست ملهِمة لبعض الشعوب الأخرى. و لم يتردد آخرون في وصفها كونها أعظم من الثورة الفرنسية ! فمسحة التهكم كانت بادية في عبارات مراسلي عدد من القنوات الأجنبية. فقد شاهدتُ مراسل قناة السي إن إن و هو يتجول على عدد من مراكز الاقتراع الفارغة واحدة تلو الأخرى و يقول بأنه بالرغم من تمديد أيام الانتخاب فإن عدد الجنود الذين يحرسون تلك المراكز أكثر بكثير من عدد المقترعين.مشيرا إلى تجند الإعلام المصري ضد المقاطعين. و نفس السخرية تلمسها من قناة CBS و البي بي سي و غيرها.

مضامين المقاطعة

ما يزعج الانقلابيين و الدوائر المساندة لهم هو أن مفاجأة هذه المقاطعة الواسعة لها ما بعدها، و ظهور حقيقة لا مفر من قبولها و هي أن المليارات السخية التي بددتها بعض الجهات الداعمة للانقلاب على جنرالات مصر و إعلامييها لم تنجح في جمع ما يكفي من المؤيدين للسيسي. و كان الغرور قد أوهم لتلك الجهات أن حالة الفقر التي يعاني منها الشعب المصري ستسهِّل عليهم خلق جماهير عريضة تؤيد خياراتهم المفروضة. خصوصا بعد أن سهُل عليهم شراء عدد كبير من الذمم في مجال الإعلام المشاهد و المقروء و المسموع.  فقد ثبت عمليا اليوم أن الغالبية الساحقة من الشعب المصري مستاءة من الانقلاب، و من حالة الضياع الذي وصلت إليه مصر في عهد الانقلابيين. و هذا الاستياء يشكل البيئة التي تتهيأ فيها مصر لثورة حقيقية قادمة لا محالة. فإذا كان ما حدث في الأحداث التي أسقطت حكم مبارك مجرد انتفاضة طبقا لبعض المحللين لأنه لم يشمل أسس دولة مبارك العميقة و أعمدتَها العتيدة مثل الجيش و الداخلية و الإعلام و القضاء. فإن الثورة القادمة ستكون نقمتها أساسا على هذه الأعمدة الأربعة لتورطها حتى النخاع في الدم المصري تأييدا للانقلاب. قمعا و تقتيلا للمعارضين، و إصدار أحكام جائرة في محاكمات صورية، و تشويها لمعارضي الانقلاب من قبل إعلام مستأجر و موجه.
و قد أظهرت هذه المقاطعة الواسعة زيف ما سماه الإعلام المصري المستأجر بثورة 30 يونيو التي ضخموا أعدادها بأساليب سينمائية قفزت بأعداد المشاركين و المفوِّضين للسيسي من مآت الآلاف إلى عشرات الملايين 
! في مصادمة فاضحة لكل القياسات الرياضية و الحسابات الهندسية فميدان التحرير و الشوارع المجاورة له تمططت و تمددت في أحجامها عشرات الأضعاف لتَسَع الأعداد الخُرافية التي ضخموها. و أصبح لكل مصري و مصرية خرجت مؤيدة للسيسي عشرات الأبدال و القرناء الغير مرئيين إلا في نشرات الإعلام الموجه. و اليوم يأتي الفصل الأخير في فضح تلك الخدعة بعد أن اعترفت أكثر من جهة في تورطها في ذلك التزييف و ما صاحبه من تهييج.

فما هي معالم المرحلة القادمة؟

على ضوء كل هذا فإن المرحلة القادمة مرشحة أكثر لتوترات جديدة  ستعرفها حركة  الشد و الجذب بين سلطة الانقلاب و فصائل المعارضة ذات التأييد الشعبي الواسع كما بينت المقاطعة. خصوصا و أن السيسي لم يقدم أي برنامج سياسي معقول لقيادة مصر. فهو لا ينتمي لأي حزب عريق له تصوره و برنامجه الديمقراطي للحكم. و لكنه عسكري لا يفصله عن عقلية العسكر إلا فترة خلعه للبذلة العسكرية و استبدالها بأخرى مدنية. بل إن ما تسرب من تصوراته لقيادة دفة حكم مصر يثير قلق غالبية المصريين فهو يتصور الحل في سياسة  شد الأحزمة أكثر مما هي مربوطة أصلا على الجوع و العوز. و الاستعداد لأيام أصعب حتى من الوضع الاقتصادي السيئ جدا لمصر اليوم ! و ضع ينقطع فيه الماء و الكهرباء لساعات عدة كل يوم في مختلف مناطق مصر و خصوصا العاصمة مع ما يتسبب فيه من عَنَت و صعوبة العيش بدون مكيفات في جو الصيف الحارق . و هذا الوضع الذي يبشر به تصور السيسي لن يكون إلا كارثيا. فقد تسرب من كلامه مع العسكر كثير من العبارات المقلقة. كقوله أنه يتمنى أن يرى كل مصري يستعمل الهاتف يدفع الفاتورة الثقيلة سواء المرسل أو المستقبل. و عبر عن اغتياظه كثيرا من رؤية كل المصريين يستعملون الهواتف النقالة و يعدونها من الحاجات الضرورية و الحقوق البديهية كباقي شعوب الأرض. و من المتوقع أن تزداد النظرة السلبية للسيسي تجاه الشعب المصري أكثر في ظل ما قد رآه من عزوف الغالبية عنه. مما يرشح الوضع إلى مزيد تأزم في ظل زيادة وتيرة القمع و كبت المعارضة، و إطلاق يد العسكر المتوقع في مقدرات البلاد أكثر مما كان. كما أن دول الجوار الداعمة للانقلاب العسكري يُنتظر أن يفتر تدفق المليارات منها حتى لو ظلت أسعار النفط مستقرة فوق عتبة ال100 دولار. خصوصا و هي ترى أن التدفق الهائل لمليارات الدولارات سجل فشلا ذريعا في خلق جماهير ثابتة يمكن التعويل عليها لدعم خيار حكمهم في مصر. كما أن عدم الاستقرار التي يولده هذا الوضع لن يمَكِّن هذه الدول من استرجاع بعض ما أنفقته بواسطة مشاريع اقتصادية تفضيلية تتيحها لها سلطات الانقلاب. كما أن الاستثمارات الأجنبية و الحركة السياحية التي تراجعت إلى مستويات خطيرة لا يُتوقع - في هذا الجو المكهرب بين غالبية الشعب المصري و سلطات الانقلاب - أن تعرف إلا تراجعا و تدهورا. و بالتالي إعلان فوز السيسي بالنسبة التسعينية المرتبطة في الغالب بالأنظمة الشمولية و الذي يؤشر إلى الارتداد إلى الوضع السابق في عهد مبارك أو أسوأ، لن يساعد في تحسين الوضع في مصر على الإطلاق. فهل يعد فوز السيسي المصنوع بعناية بداية فعلية لثورة مصرية شاملة قادمة؟

السبت، 17 مايو 2014

الخلط بين التقدم التقاني و الرقي الإنساني. أحمد الرواس

الخلط بين التقدم التقاني و الرقي الإنساني
 هنالك خلط يقع فيه بعض الناس الذين يذوب في تصورهم ذلك الخط الفاصل ما بين التقدم العلمي، و الرقي الأخلاقي. فيحسبونهما واحدا. و يخالون الرقي الأخلاقي متلازمة للتقدم العلمي التكنولوجي. و يزيد من ترسيخ هذه المغالطة لديهم ما يلحظونه  من صرامة في الأنظمة السياسية و مصداقيتها، و ما يلحظونه من نزاهة في الأنظمة القضائية و الاجتماعية لدى الدول المتقدمة علميا و  تقنيا. و ما يعكسه ذلك من مظاهر الحياة المُغرية في الغرب. في مقابل مظاهر متفاوتة من الفساد و الظلم و الفقر في الدول المتخلفة. أو حتى بعض الدول النامية.
في غمرة  بهرجة هذه الصورة المغرية في الغرب المتقدم تكنولوجيا و تنظيميا، و في ظل سطوة الهيمنة الإعلامية الغربية الموجهة تضيع  فرصةُ النظرة المتأملة و الفاحصة عن الخط الفاصل بين التقدم العلمي و الرقي الأخلاقي. فقد أصيبت شعوب بأكملها بعمى الألون. و تداخل لديها ما هو تقدم تكنولوجي فيما هو رقي أخلاقي.

إن التقدم العلمي  التقاني، والرقي الأخلاقي و الإنساني، لا يسيران في خطين متوازيين  بالضرورة. و لا يستلزم وجود أحدهما وجود الآخر. فليس من الضروري أن يكون التقدم العلمي التكنولوجي رديفا للرقي الأخلاقي. فلكل منهما بواعثه الخاصة. فبواعث التقدم العلمي و التكنولوجي  قد تجد تربتها – أحيانا على الأقل - في الأنانية، و حب السيطرة على الآخرين، و الشره المادي الجارف.
فالتقدم التكنولوجي الهائل الذي عرفه ميدان التسلح في العالم - على سبيل المثال - جاء على خلفية الصراع الشرس بين معسكرين إجتهد كل منهما في ابتكار أنجع الوسائل الحربية لإفناء الآخر. فحب الإنسان المتفلِّت من زمام الأخلاق لا يقف أمام شهوة السيطرة و التحكم لديه أيُّ  رادع من أخلاق، أو وازع من إنسانية أو أعراف اجتماعية .  و الانسياق وراء شهوة التحكم و السيطرة  أعمت الإنسان الغربي  المتقدم تكنولوجيا  فداس على كل الاعتبارات الأخلاقية و المخاطر البيئية في مسيرته.
فالسلاح النووي الرهيب الذي أصبح هاجسه يُرهب العالم أجمع بخطر الإفناء. و أصبحت أشعة تجاربه و تسرباته تنتشر في الأجواء بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية و يقضي على الملايين من البشر سنويا . و يضطر كل البشر أن يعيشوا في قلق و خوف مستمرين من أن تصيب خلاياهم لوثة نووية عابرة تنهي حلمهم في الحياة. كل ذلك جاء بدافع  التغلب و السيطرة بين المعسكرين الغربي و الشرقي.
أما بواعث الرقي الأخلاقي فتجد تربتها فيما تزودت به النفس من قيم روحية، و سماحة إنسانية، و استعداد للتضحية من أجل تلك المبادئ و كل ذلك يتسم بنكران الذات، و المحبة بين البشر بدل الصراع و التكافل بدل التطاحن. و المحبة بدل الخصام و المسبة.
و هذه المبادئ لا علاقة مباشرة تربطها بالتقدم المادي التكنولوجي. بل  هذه المبادئ كلها مباعدة للنزعة المادية في الإنسان، و مقتربة من المسحة الروحية المتجذرة في صميم فطرته كإنسان.
مقياس الإنسانية  كمعيار
إذا اعتمدنا معيار قياس إنسانية الإنسان خلال القرن العشرين و بداية القرن ال21 الذي نعيشه و الذي شهد فيه التقدم التكنولوجي ما لم تحقق معشاره الإنسانية في كل رحلتها الماضية على الأرض.  و بلغت فيه رفاهية الإنسان المادية أوجها. نجد حقيقة صادمة و هي أن مؤشر إنسانية الإنسان اتجه عكسيا مع التقدم الصناعي و التكنولوجي. و كدليل على ذلك فإن عدد من  قتل و عذب من البشر في هذه الفترة باستعمال التيكنولوجيا و التقدم العلمي هو أضعاف  من قتل خلال العهود السابقة التي كانت التكنولوجيا فيها لا تزال تحبو..و بالتالي فإن هذا المؤشر يفيد أن التقدم التكنولوجي قد صاحبه - في الغرب على الأقل - تدهور أخلاقي تمثل في الاستهانة بالحياة البشرية، و الاستهتار بالكرامة الإنسانية.
صور تكنولوجية على الاستهتار بالكرامة و الحياة  البشرية.
إنطلاقا من حرص أمريكا على تجنيب جنودها و طياريها خطر الاشتباك مع الأعداء أيا كانت توصيفاتهم، و تجنبا لأي حرج يمكن أن تقع فيه الإدارة الأمريكية مع أية دولة تلقي القبض على طياريها إذا ما تمكنت دفاعاتها الأرضية من إسقاط الطائرة و أسر الطيارين الأمريكيين، قامت بصنع أنواعا من الطائرات الذاتية الحركة و التي تعمل بدون طيار .. تدعى ب Drone أخذت وزارة الدفاع الأمريكية تعتمد على أنواع من هذه الطائرات لمهاجمة من تعتبرهم أعداءها  في مختلف أرجاء العالم.
تنطلق هذه الطائرات من  القواعد العسكرية الأمريكية سواء في أمريكا أو في بعض الدول المتحالفة معها مثل أفغانستان و الباكستان و أزباكستان و غيرها
 ففي قرية إسمها كريتش Creech  في عمق صحراء نيفادا العقيمة توجد محطات القيادة الأرضية المعروفة اختصارا ب: (Ground Control Station) GCS   و في قَبو  مبنى مموه على بعد 20 ميلا من سجن محلي  توجد ردهة كبيرة بها سلسلة  غرف خاصة مزودة برفوف متعددة من الخوادم الإلكترونية Servers   و أنظمة  محطات القيادة الأرضية  GCS  . هناك يجلس الطيار ون إلى جانب مساعدي الاستشعار و مساعدين آخرين ( أنظر الصورة) يجلسون ببذلات الطيارين أمام سلسة من الشاشات ، و بيد الطيار عصا قيادة طائرة الدرونdrone تشبه عصا الألعاب الإلكترونية –كما في الصورة- يقومون معا بتنفيذ مهمات عسكرية  هجومية في عمق أراضي دول كثيرة متحالفة مثل أفغانستان و الباكستان و العراق و اليمن و غير متحالفة مثل الصومال و غيرها. 
تحدد مهمات هذه الطائرات الهجومية و التي تحمل صواريخ  حرارية متطورة طبقا للمعلومات الاستخباراتية التي تجمعها السي آي إي CIAمن عملائها على الأرض و من صور التجسس الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية و بطائرات التجسس التي تجوب الأجواء. يقوم الطيار الأمريكي الذي يبعد آلاف الأميال عن الطائرة بتوجيهها إلى موقع المهمة و إطلاق صواريخ مدمرة على الهدف. بعدها يعود بالطائرة إلى قواعدها، و كأنه يباشر لعبة إلكترونية تعتمد على الواقع الافتراضي-! دون أن يكترث لعدد الضحايا الذين سقطوا جراء هذه العملية، و دون أن يدري كم من الضحايا البرآء قد سقطوا جراء إطلاق تلك الصواريخ. و يعود الطيارون بطائراتهم فرحين بإنجاز المهمة و نجاحها بينما تصنع مآسي لا حدود لها في قرى نائية سواء في باكستان أو أفغانستان أو غيرهما. و في مقال مثير نشرته قبل عامين  الواشنطن بوست  يسلط الأضواء على الأبرياء الذين تقتلهم هذه الطائرات التي يصر كبار المسؤولين الأمريكيين على أنها طائرات دقيقة جدا. فطبقا لتحقيق قام به ما يسمى ب : مركز متابعة مناطق الصراع  و المعروف اختصارا ب CMC
 ( Conflict Monitoring Center)  فإن حوالي 2043 ضحية باكستاني قد  حصدتهم هذه الطائرات ما بين 2008 و 2012 ، أغلبيتهم الساحقة من الأبرياء- و التعبير للواشنطن بوسط.  75% منهم في عهد أوباما ، الذي جاء يبشر بفتح عهد حضاري جديد مع العالم الإسلامي.  و قالت الصحيفة إن هذه الطائرات يبدو أنها تقوم بعمليات انتقامية ، فقد تحولت إلى أدوات اغتيال . و ذكرالتقرير أن دولة الباكستان المتحالفة مع الإدارة الأمريكية و التي تضعف سيطرتها على تلك المناطق  تسارع إلى توصيف الضحايا الذين يسقطون في قرى وزيرستان الباكستانية بواسطة هذه الطائرات بأنهم مشتبه فيهم. و يقول التقرير أن حمل السلاح يعد جزء من تقاليد تلك المناطق بينما يصبح مبررا و تعلة تتعلل بها الإدارة الأمريكية لإلصاق تهمة الإرهاب بمن تشاء في هذه المناطق لتبرير فتكها بالأبرياء هناك. و سلطت الصحيفة الضوء على الطريقة التي يتم بها تجاهل الضحايا حيث تتعمد الإدارة عدم إعلان الأعداد الحقيقية للضحايا و هَوياتهم إثر الهجوم، وأن لا أحد من المسؤولين الكبار يعبأ بالأبرياء الذين تحصدهم هذه الطائرات. فيكفي أن تكون هناك شبهة عن وجود بعض العناصر الذين تصفهم الإدارة بالإرهابيين لتقوم هذه الطائرات بقصف مكان وجودهم دون أي اعتبار لمن يكونون معهم أو في الجوار.
و نتذكر كيف أن إسرائيل استخدمت هذا النوع من الطائرات في قتل 87 مدنيا بريئا في حربها القذرة على غزة سنة2008 أكثر من ثلثهم من الأطفال.إضافة إلى حوالي 1380 فلسطينيا آخرين بآلات قتل أخرى.
إن أمريكا لا تختلف في فتكها بالأبرياء عن الهمجية التي كانت سائدة في العصور الغابرة. عندما كان العالم لا يزال يحبو تطنولوجيا. بل زادت على تلك الهمجية بما هو أفظع منها. و التقدم التقني الهائل الذي تتزعمه لا يشفع لها و لا لدولة" إسرائيل"  في رفع هذه الوصمة الشنيعة التي تلطخ ماضيها القريب و حاضرها الحالي.

مؤشر ازدواجية المعايير و كشفه عن الخلفية العنصرية
مما يفضح النظرية العنصرية المرتبطة بهعود الهمجية عند الأنظمة الغربية اتصافها بازدواجية المعايير في تعاملها مع الأمم الأخرى. فهي لا تنظر للبشر بتساو في الكرامة الإنسانية و إنما تنظر بعنصرية إلى أمم الأرض.و في مناظرة بين المفكر طارق رمضان و الملحد الإنجليزي الشهير كريستوفر هيدجينز عبر هذا الأخير بواضح العبارة أنه لا يمكن أن يسوي ما بين الإنسان الأمريكي و العراقي، فبالنسبة إليه فإن الأمريكي أكثر رقيا في إنسانيته من العراقي !! فهذه النظرة العنصرية لا يخجل من البوح بها حتى من يعتبرون من المفكرين المتنورين في الغرب. فالفلسطيني مهما كان بريئا فهو عند الأنظمة الغربية أقل شأنا من الإنسان اليهودي في "إسرائيل" أو الأمريكي أو الأوروبي. و كذلك باقي الشعوب العربية و الأسيوية. فعندما يُقتل العشرات من الفلسطينيين لا تكاد تجد خبر ذلك في الصحف الأمريكية أو الأوروبية، و لا على ألسنة المسؤولين الغربيين.  أما إذا قتل جندي "إسرائيلي " فالقصة  تصبح مختلفة.
سوريا و الفضيحة الأخلاقية الكبرى للغرب
أفظع مثال للهمجية في أيامنا هو ما يقوم به النظام السوري، و العصابات الشيعية الإيرانية و اللبنانية ضد شعب محاصر و مجوع. فأكثر من 150 ألف قتيل قضوا، و ملايين المهجرين. و مئات الآلاف من المعذبين. عشرات الآلاف منهم أطفال و مع ذلك فالغرب لا يحرك ساكنا. و يسمح باستمرار هذه الهمجية التي ندر مثيلها في التاريخ البشري.و يسمح لعصابات الموت الإيرانية و العراقية و اللبنانية بممارسة ساديتها على الآمنين في مدنهم و قراهم في سوريا في واضحة النهار في تواطإ لا تخطئه العين. منتظرا تفكك هذا البلد و تدميره بالكامل خدمة لربيبته في المنطقة.
قبل يومين فقط قتلت براميل النظام المتهاطلة باستمرار  على حلب و غيرها أكثر من 30 تلميذا و هم في حجر الدراسة دون أن تحرك العواصم الأوروبية ساكنا. و كأن الذين قتلوا حشرات لا يجب أن يعبأ بها أحد. و هذا يمثل سقوطا أخلاقيا للغرب المتقدم تكنولوجيا. و الذي يضطلع بدور الراعي للديمقراطية في العالم - كما يزعم - مسخرا في ذلك الأمم المتحدة و مجلس الأمن كأدوات ضغط، أو معاول هدم لصالحه، إلا إذا كانت مصلحته التي - في أحيان كثيرة - تكون العنصرية مرتكزها تقتضي غض الطرف. أو حتى التعامي عن تلك الهمجية و الإبادة الجماعية كما يحدث في سوريا و العراق ضد السنة و ما قام به العسكر في مصر  من مجازر في واضحة النهار.
من خلال هذه الأمثلة يتبين لنا ألا تلازم ما بين التقدم التكنولوجي و الرقي الأخلاقي. لأن لكل أصله الذي يمتاح منه. و التكنولوجيا لم تكن يوما مصدر أخلاق و لا قيم. بل هي وسيلة إذا استعملها صاحب أخلاق و قيم إنسانية تحولت في يده إلى معول خير لصالح الإنسان. و إذا استعملها فاقد الأخلاق تحولت في يده وبالا على الإنسانية.
فعلينا إذن أن نبحث عن الأخلاق بعيدا عن التكنولوجيا. فأمر الأخلاق و مصدرها أسمى  من ان يكون أدوات نصنعها بأيدينا لتلبية رغباتنا المادية.


الخميس، 17 أبريل 2014

التطوريون ومسلسل التزوير

بعد هذه السلسلة من المقالات العلمية التي ناقشت فيها بهدوء مختلف الدعاوى التي يطرحها أصحاب نظرية التطور الداروينية منطلقا من الاكتشافات العلمية العديدة التي عرفها مجال علوم الإحياء المختلفة و خصوصا علم الجينات، و مقابلة ما سطره تشاليز داروين في كتابيه أصل الأنواع The origin of species و تحدر الإنسانof Man the Descent بما كشفت العلوم المختلفة عنه اللثام ،فإنني أختم هذه السلسلة بهذا المبحث الذي أركز فيه على محاولة التطوريين خداع العالم بصدق النظرية من خلال عمليات تزوير عديدة توزعت خلال الزمن الذي انتشرت فيه هذه النظرية منذ أصدر داروين كتابه الأول سنة 1859 إلى يومنا هذا.

لماذا يلجأ التطوريون للتزوير؟

السبب واضح بالنسبة لمن درس هذه النظرية و قلب النظر في مختلف البحوث المؤيدة لها، و الجهود الجبارة التي يقوم بها أنصارها لدعمها أمام عواصف الشكوك التي ترسلها الاكتشافات المختلفة؟ و هذا السبب هو انعدام وجود دليل مادي محسوس على صدق نظرية داروين. فليس بين أكثر من 200 مليون مستحثة و حفرية والتي جمعها مئات الآلاف من علماء الآثار و المتحجرات Paleontologists خلال أكثر من 150 سنة التي أعقبت بزوغ هذه النظرية ما يدعم بقاء هيكلها منتصبا. و هذا أمر مَثَّل حيرة كبيرة بالنسبة للمتعصبين لهذه النظرية ، فلا يعقل أن يعتقد المرء أن كل أنواع الكائنات الموجودة و التي يبلغ عددها 8 ملايين كائن نوعي بين أسماك و طيور و ثدييات و فقاريات و رخويات و غيرها كلها قد تحدَّرت من كائنات سالفة عنها، أقل تعقيدا، و أبسط تركيبا منها ثم لا نجد بيننا الملايين منها سواء و هي حية بيننا أو متحجرة في الحفريات ! و قد لا حظ هذا الأمر داروين نفسه، و عبر عن قلقه الشديد من عدم وجود هذه الوسائط الانتقالية Transitional forms أو الحلقات المفقودة Missing links حيث قال بالحرف:
“لماذا إذا كانت الأنواع قد تَحَدَّرت من أنواع أخرى بطريقة تدريجية غير محسوسة، لا نجد في كل مكان أعدادا لا حصر لها من الأشكال الانتقالية “ ص 157
“Why, if species have descended from other species by insensibly fine gradations, do we not everywhere see innumerable transitional forms (page 157 chapter 5)

فصاحب النظرية نفسه يعترف بهذه ا لمعضلة التي تواجه نظريته، و يقول بأنه كلما فكر في هذا الأمر إلا و أصيب بدوخة و دوار. لكنه علق الآمال على ما سيعثر عليه هو أو غيره فيما بعد! و لكن الأرض قد عقمت عن إبراز مثال واحد ليعانقه التطوريون في احتفال.. و لذلك فإننا يمكن أن نتصور مدى القلق الذي يساور المتعصبين لهذه النظرية و الذين يرون فيها الخلاص من الفكر الاهوتي الكنسي في أوروبا و الذي لا يزال كثير من علماء الغرب تجتر نفوسهم هواجس مخاوف الانزلاق إليه ! و هم مستعدون لتدعيم هذه النظرية بأي شيء لأنها في نظرهم قد ألغت الإله من معادلة الوجود ! و على ما في هذا الزعم من بطلان ظاهرو تهافت فاضح، إلا أن كثيرا من التطوريين لا يجدون عنه بديلا في مناكفاتهم مع خصومهم.

أشهر عمليات التزوير:

من يريد أن يبحث موضوع التزوير في تدعيم نظرية داروين أو الداروينية الجديدة كما يحلو للتطوريين أن يسموها، عليه أن يستوعب مجموعة حقائق تطبع اليوم - و منذ زمن - المجال العلمي في العالم، و عليه أن يدرك مدى التعاون و التواطئ الذي يميز القائمين على مختلف المراكز، و معاهد الأبحاث العلمية، و الجامعات في العالم الغربي اليوم. فمن شروط البقاء في المؤسسات العلمية الغربية مدرسا، أو محاضرا، أو باحثا، أو رئيسا أن تقبل بنظرية داروين و ترفض ما يناقضها ! و تعادي من يشكك فيها. و لست مبالغا إذا قلت بأن الغالبية الغالبة من هذه المراكز، و المعاهد، و الجامعات تقع اليوم تحت سيطرة غُلاة التطوريين. و هناك وثائقي قام به العالم اليهودي بن شتاين و أسماه: المطرودون : الذكاء غير مسموح به. : Expelled. no Intelligent Allowed يمكن الوصول إليه بهذا العنوان في يوتوب. و في هذا الوثائقي عشرات الأدلة الموثقة صوتا و صورة على قيام اللوبي المسيطر على مراكز البحوث، و العلم في أمريكا بطرد العشرات من ألمع العلماء الذين بدر منهم تشكيك، أو مجرد مساءلة لنظرية داروين. بل هذا التعسف و المضايقة، و الطرد قد طال حتى الذين يقولون بالتصميم الذكي للكون و الخلق Intelligent Design دون أن يجرؤوا على القول ببطلان نظرية داروين. و قد عبَّر العالم الأمريكي الذي عمل لأكثر من 20 سنة مدرسا لعلم الإحياء الدكتور كينت هوفنايدKent Hovnid بقوله: «"إن الوضع الذي يسري في الجامعات و المعاهد العلمية الأمريكية يشبه في نسبة القمع ما كان سائدا في روسيا أيام ستالين ! و قال: "تصور لو أن أستاذا وقف في عهد ستالين في جامعة موسكو و قال إنني لا أومن بالنظرية الاشتراكية و لا بالشيوعية و أن النظام الرأسمالي أفضل منها ! أي مصير سيلقاه؟ سييتم إرساله إلى معسكرات سيبيريا ليلقى الموت المحتوم. و في أمريكا من يشكك من العلماء في نظرية داروين المتهالكة يكون مصيره الطرد إلى سيبيريا الفكرية ! حيث الحصار و المحاربة و الاستهزاء و الطرد من جميع المؤسسات المدعومة من الدولة !! لذلك فيمكنني أن أقول و أنا واثق تماما أن نظرية التطور الداروينية يقوم على حراسة معبدها حراس يحملون سياط التهديد بالتشريد، و الحرمان من الامتيازات، و تُحرس بتعاويذ من أحراز و تمائم علماوية و ليست علمية. بما فيها تزوير الأدلة.

إذا علمنا هذا الأمر تصورنا الكم الهائل من الضغوط التي يتحسسها أي عالم آثار و هو يُنقب عن الحفريات. فأي اكتشاف لا يُعترف به إلا إذا دمغته خواتم المجلات "العلمية" المرموقة. و أغلب القائمين على هذه المجلات العلمية و رؤسائها هم في الأصل من أعتى غلاة الداروينية. و حماستهم الزائدة لهذه النظرية قد لعبت دورا أساسيا في تربعهم على رئاسة تحرير تلك المجلات.

و مما يلقي بظلال من الشكوك على مصداقية مثل هذه المؤسسات "العلمية" طمس عدد كبير من الاكتشافات المخالفة للتوجه العام الذي فرضته مسبقا ليكون قالَبا تخضع له كل الاكتشافات. و كذلك تأخر الإعلان عن الاكتشافات العلمية سنوات عديدة بدون مبرر اللهم إلا الرغبة في طمسها، أو الاتفاق على الخروج بتأويلات لا تصادم الخط العام المفروض. و أُقدم على سبيل المثال لا الحصر الاكتشاف المتعلق بالهيكل العظمي الشبه كامل لسيدة اثيوبية أقدم بأكثر من مليون سنة عن هيكل لوسي الذي أنفق الداروينيون الجدد عشرات الملايين لترويجه على نطاق واسع. وهي التي أسموها أرضي Ardiوهي لا تختلف في كثير عن هيكل فتاة في القرن العشرين ! فقد كانت تمشي مستقيمة تماما كالبشر اليوم. و هذا ما سبب لهم إحباطا و هدم صرحهم الذي بنو جدرانه الرملية حبة حبة. و لذلك فلأمر ما تلفُّه الشكوك، و يغلفه الارتياب، تركوا هذا الاكتشاف المنغص مدة 17 سنة قبل أن يعلنوا عنه. فالاكتشاف قد تم سنة 1994 و الإعلان عنه قد تم سنة 2009. !!

إنسان بيلت داون Piltdown-Man

في عام 1912 قام العالم الإنجليزي تشارليز داوصون Charles Dawson بالكشف عن جمجمة قال إنه قد عثر عليها في بلدة بيلتداون بجنوب بريطانيا . فما كان من علماء الإحياء، و علماء الآثار من أنصار نظرية داروين إلا أن أقاموا احتفالا بالعثور على ما أسموه أول حلقة مفقودة تربط ما بين الإنسان و الشمبانزي ! و وضعت الجمجمة في المتحف الطبيعي البريطاني، و أخذت لها مجسمات وضعت في مختلف المتاحف الطبيعية الأخرى في العالم. و ظل الأمر على ذلك مدة 40 سنة خلالها كتب أكثر من 500 بحث أطروحة دكتورة حول تلك الجمجمة و أهميتها في تثبيت نظرية داروين. و عشرات الآلاف من المقالات العلمية في مختلف المجلات العلمية في الغرب و الشرق معا. و صرح أشهر عالم للمتحجرات يومها الأمريكي هينري أوسبورن قائلا:

"كان علينا أن نُذكَّر مرات و مرات أن الطبيعة مليئة بالمفارقات. و هذا الاكتشاف مذهل عن الإنسان القديم "، صرح بهذا و هو يقوم بزيارة للمتحف الطبيعي البريطاني سنة 1935

لكن و بعد 40 سنة ستكتشف اللعبة بعد إعادة تحليل عظام الجمجمة، فيتبين بوضح تام أن تشاليز داوصون قام في الحقيقة بعملية تزوير محكمة بمعايير تلك الأيام. إذ أقدم على دفن جمجمة إنسان عادي حصل عليها من مقبرة مجاورة، واستبدل فكها السفلي بفك قرد أورانجوطان. أو القرد البرتقالي المتواجد اليوم في غابات اندونيسيا. و ركبهما على بعضهما، ثم أفرغ على تلك الجمجمة محلول ملح الحديد potassium dichromate ليكسبها عوارض التحلل و الأقدمية. ثم طمرها في التراب لمدة سنوات قبل أن يتصنَّع عملية البحث و التنقيب فيعثر عليها. و قد انطلت هذه الحيلة على الذين أعمتهم نظرية داروين إلى أن حلت سنة 1953 حيث تم الإعلان رسميا على أن جمجمة إنسان بيلت داون مزورة بالكامل بعد أن كان العالم البريطاني Kenneth Oakley كينيث أواكلي قد أعاد تحليل الجمجمة بمعيار مادة الفلورين فكانت النتيجة صاعقة. جعلته يتساءل في اندهاش قائلا: "كيف فاتهم أن يلاحظوا ذلك قبل 40 سنة" حيث أن الجمجمة التي قدر في السابق عمرها ب5000 سنة هي في الواقع لا تتجاوز 500 سنة. أما الفك الأسفل فهو لقرد معاصر.

إنسان نيبراسكا The Nibraska –Man

و في عام 1922 قام Henry Fairfield Osborn هينري فيرفيلد أويبورن بالإعلان عن أنه عثر على ضرس تعود إلى حقبة البلييوسينية Pliocene Era التي لا تقل عن 2,5 مليون سنة ! و هي للإنسان القديم الذي يمثل الحلقة المفقودة. و بالرغم من أن كل ما عُثر عليه كان مجرد ضرس واحدة إلا أن خيال التطوريين انطلق ليرسم إنسانا كاملا أشبه بقرد يمشي مسخا محدودب الظهر بين الإنسان و الحيوان!! بل و رسمت له عائلة بأم و أطفالها. و كل ذلك لقي استحسانا من طرف التطوريين، و انتشرت تلك الصور المؤلفة من الخيال في مختلف متاحف التاريخ الطبيعي في العالم. ثم أعطي إنسان نبراسكا لقبا عليما معقدا في كتب التاريخ الطبيعي هو Hesperopithecus haroldcooki ليضفوا عليه رهبة العلم !!!و قد تحمس أنصار نظرية داروين أيما حماس لهذا الاكتشاف حتى إنهم لما قام العالم الأمريكي ويليام برايان William Bryan بانتقاد هذا الغلو في اثبات إنسان نبراسكا من خلال سن واحدة، تعرض لحملة كبيرة من الهجوم عليه من طرف التطوريين.لكن في عام 1927 سيتم اكتشاف باقي أجزاء الجسم الذي تنتمي إليه تلك الضرس، فإذا بها تعود إلى خنزير بري أمريكي قديم !! و يتم سحب تلك الرسومات من المتاحف الطبيعية.

إنسان أوطا بينكا Ota Benga


و أكثر الصور إجراما في سلسلة التزوير هي قصة أوطا بينكا..و هو رجل قزم ينتمي إلى الكونغو بإفريقيا قام جيش المرتزقة -الذي شكلته بلجيكا للدفاع عن مصالحها الاستعمارية في هذا البلد الإفريقي- أطفال هذا الإفريقي، و زوجته. أما هو فقد تم استعباده، و بيعه لعالم أمريكي مؤمن بنظرية داروين. و تم تقييده بالسلاسل و وضعه في قفص كحيوان. و تم جلبه لأمريكا حيث عرضه التطوريون على الجمهور الأمريكي في متحف سانت لويس إلى جانب القردة. و قُدم على أساس أنه أقرب حلقة مفقودة للإنسان !! و بعد سنتين تم اقتياده إلى حديقة الحيوان برونكس الشهيرة في نيويورك و هناك تم عرضه تحت لافتة : " أسلاف الإنسان القدامى"Ancient ancestors of man إلى جانب بعض حيوانات الشمبانزي، وحيوان الكوريلا إسمها دينا، و قرد أندونيسيا ! و قام مدير حديقة الحيوان الدكتور وليام ت هورناداي William T. Hornaday. أحد التطوريين، بتدبيج كثير من الكلمات، و الخطب معبرا عن فخره أن تحظى حديقته بعرض هذه الحلقة المفقودة الاستثنائية. و كان يعامل هذا الإنسان الإفريقي كما يعامل أي حيوان متوحش !!! و تحت عبء هذا الظلم الشديد فقد أقدم هذا الإنسان الإفريقي الذي أُهدرت كرامته الإنسانية لخدمة نزوات التطوريين و أهواءهم الأيديولوجية، أقدم على الانتحار.
و هذا الأمر لم يكن خاصا بالتطوريين في أمريكا وحدها.
بل ظهر البشر المختطفون من بيوتهم في إفريقيا و في أفقاص من حديد و هم يعرضون من الصباح إلى المساء لسنوات على زوار الحدائق في أكثر من دولة. أشهرها بعد أمريكا و كندا بلجيكا.

أرنست هيكل و التزوير
يعتبر أرنست هيكلErnst Haeckle من كبار العلماء الألمان، و عباقرته، فقد كان متعدد الاختصاصات إذ كان بيولوجيا، و طبيعيا و فيلسوفا و فيزيائيا و أستاذا جامعيا، و قد وضع مآت من أسماء الكائنات المكتشفة. كما أنه وضع خريطة لتطور الأجنة فيما يعرف علميا ب Geneology و خرج بنظرية اسمها : التشابه الجنيني بين الكائنات، Embryonic Homology الذي طور على أساسه نظريته في استعادة الأجنة في تطورها داخل الأرحام لصور الكائنات التي " تطورت " عنها في الحقب الماضية ! و قد أسماها ب Recapitulation Theory . و قد وضع جداول تحتوي على صور عديدة لتطور أجنة عدد من الحيوانات مقارنة بالإنسان في مختلف مراحل التطور داخل الرحم . لكن مبكرا، و في عام 1874 فطن البروفيسور ويلهيلم هيس Wilhelm His Sr أستاذ علم التشريح بجامعة ليبزيغ بألمانيا أن في الأمر خدعة و تزوير فاضح. و انتزع اعترافا مُموها من أرنست هيكل نفسه عندما سأله عن ذلك التزوير فلام هيكيل الرسام فيما وقع من تزوير مع أنه هو ذلك الرسام!! و في بعض التفصيل عمد هيجل إلى طمس كثير من المعالم في الأجنة التي رسمها.
و اختلق أخرى في جنين الإنسان و الحيوان ليصور تشابها بين الإنسان و الأسماك و الكلاب و غيرها ! زاعما أن الجنين البشري يبتدئ في رحم أمه على شكل سمكة ثم طائر ثم كلب ثم ...ثم إلى أن يبلغ مرحلة الإنسان حيث يختصر في 9 أشهر ما قطعه خلال ملايين السنين من التطور المزعوم. و قد اعتمدت صوره في مختلف المراكز و المعاهد العلمية بعضها إلى يوم الناس هذا ! و دافعه طبعا كان هو التعصب في الانتصار لنظرية داروين. فهو من نقل أصل الأنواع إلى الألمانية، و هو من روج لتلك النظرية بشدة في المؤسسات التعليمية بألمانيا حيث دافع في كتابه : الحرية في العلم و التعلم Freedom in Science and Teaching عن حرية تعلم أي شيء مهما كان صادما لمعتقدات الشعب. و كان يمهد بذلك لاعتماد تعليم كتاب أصل الأنواع في المؤسسات التعليمية الألمانية .

تزوير 1999 من الديناصور إلى الطيور !

في هذه السنة قامت مجلة ناشيونال جيوجرافيك الشهيرة بنشر نتائج بحثها حول مستحثة وردتها من الصين و اشترتها ب80 ألف دولار. و أجرت عليها أبحاثا بأضعاف هذا المبلغ. لكن و بعد أن نشرت البحث، و أعلنت أنها تتوفر على الحلقة المفقودة التي تربط بين الديناصورات ثنائية الأرجل Archaeoraptor و الطيور المعروفة "علميا" باسم: Theropod dinosaurs إكتشف التزوير عالم آثار صيني سبق أن رآى تلك المستحثة في مهدها بأقصى شمال الصين. و راسل رسميا المجلة بذلك. و تبين فيما بعد أن المستحثة كانت ملفقة من أثرين مختلفين تم تركيبهما بدقة تُوهم أنها مستحثة واحدة مكسرة. و أمام هذه الفضيحة التي اكتشفت في الصين أول ما اكتشفت لم يكن في وسع المجلة أن تستمر في الترويج لهذا التزوير. فما كان منها إلا أن أعلنت في ندوة صحافية، و في أعداد لاحقة عن ذلك التزوير الذي وقعت ضحية له.
هناك طبعا أمثلة أخرى كثيرة عما يدعى بإنسان نيانديرثال Neanderthal –Man و زينجاتروفوس Zinjatrophus و إنسان راما بيثوس Ramapitheus و إنسان جاوا و كلها قد تم اكتشاف تهافت القائلين بها.
و في الأخير. ما يجب أن يعلمه القارئ الكريم أن ما ذكر من تزوير و تلفيقات في مجال هذا السعي المحموم من طرف التطوريين لتأييد نظريتهم لا يعد شيئا إذا ما قورن بحجم التزوير في المعلومات، و التأويلات المجحفة المتجاوزة لكل منطق. و التي تسود الجو الذي يشتغل فيه أنصار هذه النظرية المتهافتة.
أرجو أن أكون بهذه السلسلة قد ساهمت في توضيح الصورة للقارئ الكريم ليكون على بينة من أمره في مجال هام هو مجال علمي الإحياء خصوصا الجانب النظري التأويلي و علم الآثار المتخم للأسف بالأيديولوجيا المفروضة فرضا على أعلى المستويات. و أن يدرك أنه ليس كل ما يحمل ملصقة "علمي" هو علمي بالفعل.

الاثنين، 7 أبريل 2014

هل يحقق ابن كيران في المغرب ما حققه أردوغان في تركيا

بين أردوغان و بن كيران

برغم التفاوت العملي، و البعد  الجغرافي، والاختلاف  الجيوسياسي بين النموذج التركي و النموذج المغربي إلا أن المرء لا يقوى على تجاهل طيف العدالة و التنمية المغربي و هو يطالع نموذج العدالة و التنمية التركي، و العكس صحيح. و هذا التشابه لم يأت من مجرد تشابه أسماء الحزبين، و تطابقهما فقط، بل أوجه التشابه كثيرة لعل أبرزها أن كلا الحزبين ينطلقان من نفس المرجعية الإسلامية. و نفس المنظور الإصلاحي القائم على أرضية الاعتدال، و الانفتاح المنضبط على مختلف المكونات الاجتماعية و التشكيلات الأيدلوجية المختلفة، فكلا الحزبين يركزان أولويتهما على جهود التنمية، و نشر العدالة في المجتمع مع توخي النزاهة و نظافة اليد. و لا أظن أن أحدا يجادل في أن حزب العدالة و التنمية المغربي –سواء اتفقنا معه أو اختلفنا- يتسم بميزة نظافة اليد...و هذا ما شهد به حتى مناوئوه من المنصفين، و هو معطى ثمين جدا بالنظر إلى ما كان يسود المشهد السياسي في كلا البلدين من تجاوزات و اختلاسات و اختلالات انعكست  بشكل شبه كارثي على مجهودات التنمية و مخططاتها الموضوعة على الأوراق. و التي أدى الشعبان المغربي و التركي ضريبتهما لعقود في صور التخلف في شتى المجالات الاقتصادية و السياسية و العلمية و حتى الأخلاقية. ظل فيه هذان البلدان في مؤخرة ركب الدول في العالم طيلة القرن الماضي.
حزب أردوغان شق طريقه عبر متاريس المعسكر العلماني الأتاتوركي الذي أمم السياسة و المجتمع منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية سنة 1924 و قد شهد تاريخ الحركات الإسلامية في تركيا منذ السبعينيات تدافعا و قمعا تمثل في عدة انقلابات أطاحت بعدد من الحكومات الديمقراطية و تعرضت الحركة الإسلامية منذ نجم الدين أربكان إلى مضايقات، و مصادمات مع النظام العلماني كانت تؤدي إلى حظر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية خوفا على النظام العلماني المورث من العودة إلى النظام الإسلامي المحظور !
و كان أقطاب العلمانية في تركيا ينعتون الإسلاميين بالتخلف و الظلامية و أنهم متى ما وصلوا للحكم فسيعودون بتركيا إلى الوراء. لكن على عكس ذلك فلم تعرف تركيا بوادر حركة حقيقية إلى الأمام إلا في ظل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية سواء في عهد نجم الدين أربكان الذي أطاح به العسكر أو في عهد أردوغان و عبد الله أوغلو  حيث حققت تركيا في عهد حكومات العدالة و التنمية في ظرف عقد من الزمان ما لم تنجح تركيا في تحقيقه في مدة 80 سنة من حكم الأحزاب العلمانية . فقد استطاع حزب العدالة و التنمية أن يقفز بتركيا من الرتبة 111 عالميا إلى المرتبة 16 مما يشبه المعجزة فعلا، و اليوم و برغم الأزمات الاقتصادية المدمرة التي اجتاحت و لا تزال العلم المتقدم فإن تركيا لا تزال تحقق نسبا عالية في النمو الاقتصادي بالقياس إلى الدول الأوروبية. فقد حقق تركيا نسبة 4.4% السنة الماضية 
و في المغرب لا يزال الوقت مبكرا للحكم على تجربة العدالة و التنمية المغربي، التي دخلت على إرث ثقيل من الاختلالات  و التجاوزات تراكمت خلال عقود،لكن من الواضح أن تركيزها ينصب حول وضع الأساس لإصلاحات جوهرية في شتى المجالات مع مراعاة الخصوصية المغربية. و تضع حكومة ابن كيران الجانب الأكبر من أولويتها في الجانب الاقتصادي لتحقيق الحد الأدنى من التوازن الاجتماعي لصالح الفئات المهمشة و الضعيفة. و من هنا جاء تركيزها على إصلاح صندوق المقاصة و كذلك جاء مخطط بن كيران تخصيص مدخرات للتوزيع المباشر على الفئات الفقيرة ذات الوضعية المعيشية الهشة قبل أن يعارضه حليفها السابق في الحكومة قبيل مغادرته.و في هذا الإطار جاء مخطط راميد الهادف إلى تحسين الوضع الصحي للمواطن. و كذلك الالتفات إلى وضعية الطلبة في الجامعات. و غيرها من المشاريع.

لكن هذه المشاريع الإصلاحية تحتاج لإنجاحها إلى تكاتف الجهود، و تعاون الفرقاء حكومة و معارضة، و كل تأزم للعلاقة بين الحكومة و المعارضة تصب نتائجها السلبية كسادا في سلة المواطن الذي عانى من تيه الجوقات السياسية  و التي لم تعُد عليه بأي نفع طيلة العقود الماضية.
للأسف فإن المواطن المغربي يلاحظ  اليوم أكثر من أي وقت مضى أن أحزاب المعارضة الرئيسية لا يهمها سوى ما يصب في مصلحتها الحزبية الضيقة، و يشعر المواطن العادي أنه مستهدف لاستغلاله كوقود في حملاتها الدعائية دون أي اكتراث حقيقي بمصلحته التي ظلت هذه الأحزاب تلوكها بألسنتها في كل حملة انتخابية قبل أن تمجها مج النواة بعد أن تضع الحملات الدعائية أوزارها و تصل إلى مبتغاها في الاستوزار أو المقاعد المريحة و المحصنة في مجلس النواب.
هل يمكن لحكومة بن كيران أن تخطو بالمغرب إلى الأمام كما فعلت بتركيا حكومة أردوغان؟
هناك طبعا رأيان رئيسيان في الموضوع. أحدهما يقول بأن ذلك غير ممكن بالنظر إلى اختلاف النظامين في كل من البلدين. فالنظام المغربي يبقى في النهاية نظاما ملكيا يسود فيه الملك و يشرف و يدبر و يعين، و الحكومة في المغرب تبقى بالضرورة خاضعة لإرادة القصر و إملاءاته.

بينما فئة أخرى تقول بأن الملكية من الخصوصيات المغربية، و من العوامل الرئيسية للإستقرار نظرا للإرتباط الديني والمذهبي بالبيعة المستمدة من صميم دين الشعب. و أن الملكية في المغرب متجذرة في أعماق هذه التربة، و تمتد على 1200 سنة و بالتالي فإن أي مخطط حضاري للنهوض بهذا البلد يجب أن يضع في أولوية اعتباراته هذه الحقيقة و إلا واجه الفشل المحقق.
و أنا هنا أدرك أن كل الأحزاب المغربية اليسارية منها و اليمينية تُسلم إلى حد ما بهذه الحقيقة. لكن هذا لا يجعلنا ننسى أن كثيرا من الأحزاب المغربية ذات مرجعية أيديلوجية قد نبتَ أصلها بعيدا عن هذا الوطن و تاريخه و تراثه. بل قد نبت بعضها في بلدان تقوم على أيديلوجيا محاربة للملكيات في العالم. و بعضها الآخر نبت في دول قامت على أسس لائكية متطرفة جعلت أساس انطلاقها فصل الدين عن الحياة..و كلا هذين الأيديلوجيتين لا يناسبان الشعب المغربي المسلم المنسجم المذهب. و حزب العدالة و التنمية يبدو  جد منسجم مع هذه الحقيقة بعد أن حسم خياراته منذ ألثمانينات. فالملك يستمد شرعيته من الدين نفسه. والحكم في المغرب كان منذ مولاي إدريس الأكبر قائما على أساس البيعة المفصلة في الفقه الإسلامي. فالبيعة القائمة على الشورى هي أساس الحكم في المغرب. و لذلك لا تَعارض بين ما يقوم به ملك البلاد من جهود التنمية و محاربة الفقر و السهر على المشاريع الكبرى و بين ما تقوم به الحكومة. فالكل نراه يصب في الهدف نفسه إذا ما تجنبنا بعض التحليلات القائمة على سوء الظن.
هناك عدة أوجه من التشابه بين تركيا و المغرب
فكلا البلدين مسلمين سنيين  و كلاهما مطلان على أوروبا، و كلا البلدين لا يملكان حتى الان أية كميات معتبرة من النفط أو الغاز. و كلا البلدين بهما مؤهلات سياحية كبرى. وكلا البلدين يتوفران على ثلة من السياسيين تعمل بجد في اتجاه الإصلاحات، و كلا الحزبين يواجهان تنكبا من طريق فصيل إسلامي ضم صوته و قوته للأحزاب العلمانية، ففي تركيا قلبت جماعة فتح الله كولن للعدالة و التنمية ظهر المجن، و في المغرب تنكب فصيل إسلامي عريق لكل الأرضية المشتركة و المبادئ المشتركة التي تجمع بينهما في الأصول و الفروع و آثروا تكثير سواد الأحزاب العلمانية المعادية لخيارات الأمة و تراثها على أن يضموا صوتهم إلى إخوانهم في الهدف ، و المقصود طبعا جماعة العدل و الإحسان. و لذلك من حيث المبدأ لا شيء يقف في طريق المغرب كي يقفز إلى مصاف الدول المتقدمة إذا ما توفر العدل و خلا المشهد السياسي من المغرضين، و من المؤامرات المستجيبة للجهات المعادية المتربصة بخيار المغرب الذي هو الإصلاح في ظل الاستقرار. لكن للأسف فإننا نرى بعض زعماء الأحزاب يفعلون كل ما في وسعهم لتعكير الأجواء، و بث الإشاعات،و عدم الثقة بين المواطنين البسطاء، و تبخيس كل جهد إصلاحي تقوم به الحكومة التي تقودها اليوم العدالة و التنمية.و النزول بالخطاب السياسي إلى مستوى هابط غير مسبوق في بلادنا. و للأسف نجد بعض مكونا أساسيا من  الإعلام المغربي الذي يموله المواطن يساهم مع بعض الجهات في عرقلة جهود الحكومة، و تشويه صورتها أمام المواطنين بقضايا مفتعلة و غير حقيقية. وصورة الكارثة التي حلت بالتجربة الديمقراطية في دول طغى فيه الإعلام المغرض على الإعلام الرزين ماثلة أمامنا بقوة.
مما لا يشك فيه اثنان أن هناك متطرفون متربصون بالتجربة الديمقراطية المغربية التي رامت الإصلاح في ظل الاستقرار. هؤلاء المتربصون تحركهم الأحقاد الأيديولوجية أو هوس الإسلاموفوبيا . و بعضهم يملكون من المال ما يستطيعون به شراء آلاف الذمم، بل و شراء أحزاب بأكملها لتنفيذ مخططاتهم الآثمة التي يبيتونها في الخفاء ليبدلوا نعمة الأمن و الاستقرار في الأوطان إلى نقمة الخوف والاضطراب و الجريمة و العصيان.
و قد دفعهم الغرور إلى محاولة تقويض التجربة التركية الرائدة لكن وعي الشعب التركي حضر بقوة أذهلت الجميع و وضع نهاية صاعقة لكل تلك المحاولات الآثمة و أبان عن رفضه المطلق لكل تلك المؤامرات المبيتة داخليا و خارجيا ضد خياره الديمقراطي الرائد. فنزل بقوة إلى الشوارع و صوت لصالح الاستقرار و الديمقراطية و مزيد تقدم للأمام.
و الشعب المغربي في تقديري ليس أقل وعيا و فهما لما يجري من الشعب التركي، و لذلك فهو سيحمي تجربته من الفشل و من خطر  العودة إلى عصور التحكم و الفساد.



الثلاثاء، 1 أبريل 2014

نظرية التطور و تحدي أسرار العلوم 4/ أكذوبة الأعضاء الزائدة أو الضامرة Vestigial Organs


في هذا المقال سأعالج مزاعم أنصار نظرية التطور الداروينية بوجود أعضاء زائدة لا وظيفة لها في الجسم و هي دليل ملموس على التطور لأن هذه الأعضاء في زعمهم مخلفات من أنواع سابقة تَحَدَّرَ الإنسان منها في سلم التطور و الارتقاء. و حيث أن أنصار نظرية التطور يتعلقون بكل قشة في محاولتهم اليائسة المحافظة على انتصاب جسم نظريتهم المتهالكة في وجه شدة عواصف الأدلة التي أنتجتها البراهين العلمية الدامغة التي غزت كل حقول المعرفة، فقد أبوا أن يفوتوا فرصة التشبث بشبهات ما يدعونه بالأعضاء الضامرة أو الزائدة التي عدد بعضهم عددها حتى وصل بها إلى 200 عضو غير مستعمل.
و أنصار هذه النظرية تميزهم الجرأة الشديدة على تبني مزاعم كبيرة دون أن يعبأوا بمدى تناقضها مع مقتضيات العلوم، فمبدئيا و منطقيا لا يمكن الادعاء بأن أي عضو في جسم إنسان أو حيوان لا نفع منه و أنه لا يقوم بأي دور !! طالما أن البشرية لا تزال  تراوح مكانها عند شاطئ محيط  العلم الشاسع بالنظر إلى حجم ما نعرفه مقارنة بما لا نعرفه خصوصا بعد اكتشاف عالم الجينات الامتناهي . فالزعم أن عضوا من الأعضاء لا نفع يرجى منه لأنه  لا يقوم بأي دور هو ادعاء واسع جدا يقتضي أن العلم قد استنفذ كل غرضه بحثا في الجسم البشري و الحيواني و لم يبق لمن بعدنا من علماء الأجيال الاحقة ما يمكن أن يضيفوه !! و هذا حمق في حد ذاته.
عند إلقاء نظرة على تراث التطوريين بخصوص هذا الزعم نلفي أنفسنا أمام أشهر عالم بريطاني عاصر تشاليز داروين هو : روبرت ويديرشيم الذي ألف كتابا في الموضوع أسماه: بناء الإنسان: فهرس لتاريخه الماضي
 Wiedersheim, Robert (1893). The Structure of Man: an index to his past history.London: Macmillan and Co.
و كثير من هذه المزاعم عن الأعضاء الضامرة التي نجدها مبثوثة على نظاق واسع في كثير من كتب التطوريين مأخوذة من هذا المؤلف الذي يعود إلى القرن التاسع عشر حيث لم يكن العلماء يدرون عن علم الإحياء او البيلوجيا حتى 1 % مما يعرفونه اليوم، و حيث أن علما عظيما يحتوي على كل أسرار المخلوقات كعلم الجينات لم يكن معروفا على الإطلاق و سينتظر العالم 60 سنة بعد تأليف روبرت ويديرشيم لمؤلفه السالف الذكر كي يكتشف البوادر الأولى لوجود الحمض النووي على يد فرانسيس كريك سنة 1953 ، ثم الاكتشاف الأهم الذي قام به نفس الشخص فرانسيس كريك أوائل الستينيات و هو مسارات البروتينات Proteine processing 
 و توالت الاكتشافات المذهلة بعد ذلك، و كان أعظم إنجاز حققته البشرية قد عرف النور سنة 2001 . و هو مشروع الجينوم البشري و الذي كان قد أعطيت انطلاقته سنة 1990 و الذي انخرط فيه مآت العلماء في مختلف القارات منصبين على وضع مسارات مفهومة لأكثر من 3 بلايين وحدة كيميائية موجودة في حزمة التعليمات الجينية للإنسان، و مع كل ذلك البحث فإن مقارنته بما لم يُعلم هو كمقارنة 1000 مجلد فارغ من الكتابة ليس به سوى أرقام الصفحات بألف مجلد مليء بالعلوم المختلفة. فقيمة ذلك الإنجاز العلمي الذي شاركت فيه البشرية لمدة 11 سنة قد وُصف من قبل القائمين عليه و المنجزين له باكتشاف ترقيم صفحات تلك المجلدات دون معرفة محتوياتها !!
و أمام هذه الحقيقة فإنه من السخف فعلا أن يركن أنصار الداروينية الحديثة إلى ما سطره علماء الإحياء المنتمين  إلى الجيل التقليدي القديم الذي لم يكن يعرف عن الخلية إلا كونها مجمع  بسيط للسايتوبلازم الذي كان في نظرهم مجرد مادة لزجة 
!
مفاجأة قد تذهل البعض
هذه المفاجأة هي أن كثيرا من كتب المقررات المدرسية في علم الإحياء في بعض الدول الأوروبية ناهيك عن بعض الدول المتخلفة في العالم لا تزال تذكر كثيرا من هذه المزاعم بالرغم من ثبوت بطلانها منذ عقود عديدة !! و لنأخذ الكتب المدرسية المقررة في المدارس الأمريكية على سبيل المثال :
في كتاب البيلوجيا لكورتس بارنص نجد في ص 46-12 ما نصه :
"كثير من الأعضاء تحتفظ بآثار لتاريخها الارتقائي أو التطوري على سبيل المثال: فإن الحوت الأزرق لا يزال يحتفظ بعظام الأرجل في منطقة الحوض !  كأعضاء ضامرة لا تستعمل" !!!
Many organisims retain traces of theirevolutionary history . for example the whalesretain pelvic leg bones as usless vestigial”
و في كتاب: Glencoe Biology   ص 311
نقرأ: "الحوت الزرق له حوض و عظام أرجل ضامرة التي لا تقوم بأي دور ، هذه المركبات دليل على تطور أسماك الحوت الأزرق من ثدييات تمشي على أربع على اليابسة إلى ما نجدها عليه اليوم" !!!
و في كتاب الحوت و الدلافين  المعد للأطفال نجد أول جملة في الكتاب كما يلي:
"فقط تخيلوا سمك الحوت يتمشى بينكم على قدميه. هذه حقيقة 
!
Whales and Dolphins Eyes on Nature p 6
و في كتاب :Hot Biology   ص 288 نجد الكاتب يقول:
"إن عظام الحوض في الحوت تقع بعيدة عن العمود الفقري و ليس لها أية وظيفة ظاهرة".
و في نفس الكتاب ص 182 نقرأ :
"إن الأعضاء الضامرة هي عبارة عن مفاتيح لمعرفة الأصل التطوري للحيوان "!
و الغريب أن ما تذكره هذه الكتب المدرسية قد تم إبطاله منذ عقود، و لكن هيمنة أنصار الداروينية الجديدة على حقول التعليم و المعرفة في الغرب يستمرون في تلقين تلك الأخطاء الفادحة للناشئة من أجل أجندة معروفة.

العلم يرد دعاوى الداروينيين الجدد

كما أسلفت فإننا لو نظرنا إلى لائحة الداروينيين للأعضاء الضامرة أو الزائدة لوجدناها تضم حوالي 200 عضو ! لكن في المقابل نجد أن أغلب هذه الأعضاء المزعومة قد ثبت قيامها بأدوار أساسية في الكائن الحي و سأقتصر في هذا المقال على ذكر بعضها فقط لضيق المقام
1- الزائدة الدودية Appendix
هناك المآت من كتب الداروينيين التي روجت لعشرات السنين أكذوبة مضحكة تقول بأن الزائدة الدودية هي من مخلفات عهود غابرة، و من بقايا الكائنات المبهمة التي تطور عنها الإنسان الحالي! و أنها لا تقوم بأي دور ! و الدليل عندهم أن الإنسان يمكن أن يستغني عنها بإزالتها  و رغم ما في هذا القول من تهافت منطقي فإن كثيرا من الناس قد جعلوه حجة في قبول دعوى التطوريين ! و غاب عنهم أن الإنسان يمكن أن يعيش بدون عينيه أو رجليه أو يديه أو أذنيه دون أن يعني ذلك أن هذه الأعضاء و الجوارح لا تقوم بأي دور اساسي !  إذ المعلوم أنك في حالة فقدانك لعضو من الأعضاء، فإن الأعضاء الأخرى تتحمل عبئا مضاعفا  لتعويض النقص. فالذي يفقد أصبعا من أصابعه فإن باقي الأصابع تقتسم الجهد المفقود !

و بالنسبة للزائدة الدودية ( و التسمية نفسها تحمل معنى مضلل) فقد اكتشف علم الأحياء الحديث أنها تقوم بأدوار غاية في الأهمية، فهي عبارة عن خزان للبكتيريا النافعة التي لا يمكن لعملية الهضم أن تستمر سليمة و صحية في غيابها. و عندما يفقد الجسم الكثير من هذه البكتيريا النافعة كحالات الإسهال الشديد فإنها تقوم بإطلاق كميات ضرورية من هذه الباكتيريا النافعة في الأمعاء. كما اكتشف العلماء أن الزائدة الدودية هي جزء من الجهاز المناعي للجسم، و أن فاقديها أكثر عرضة لعدد من الأمراض.
ثم إن حُمى تساقط الداروينيين على أي شبهة لدعم مشروعهم التضليلي أعماهم حتى عن التفريق ما بين ما يخدم مشروعهم، و يدعم بالوهم نظريتهم، و بين ما يقوض تلك النظرية. فمثلا المثال السابق لو صح لدل على عكس مسار التطور الذي يروجون له. لأنه يدل على فقد للأعضاء و ليس كسبا لمزيد منها و هو عكس نسق التطور.

2 الفقرات العصعصية Coccyx  

المقصود هو ما يدعونه في علم الأحياء بالفقرات الذنبية Tail bones أو الفقرات التي ينتهي إليها العمود الفقري، حيث تزعم كثير من كتب الداروينيين أن هذه الفقرات المتزاحمة و المتقلصة دليل على بقايا آثار للذنب الذي انعدم من الإنسان خلال تطوره !! و أنه اليوم لا يقوم بأي دور من الأدوار. و ضموه إلى قائمتهم الوهمية للأعضاء الضامرة Vestigial Organs  و لكن العلم اكتشف منذ مدة أن هذا الجزء يقوم بأدوار أساسية لأنه يشكل مرتكزا لعدد كبير من العضلات الصغيرة تسهل عمليات أساسية في الكائن الحي. بدونها يصعب و قد يتعذرعلى الكائن الحي أن يتخلص من مخلفات الطعام. إضافة إلى أن ذلك الجزء يسهل حركة الجلوس و يحمي مجموعة من الأعضاء الأساسية مثل الجهاز التانسلي و المثانة ومسالكهما، فلولا  هذه الفقرات، لتعرضت هذه الأجهزة الحيوية للتلف.
3 عظام الحوت الدقيقة
الموجودة في الجزئ الخلفي لسمك الحوت، و التي رأينا كيف أن بعض الكتب الدراسية تزعم أنها مخلفات من أثار أرجل سابقة تعود إلى عهود بائدة من التطور !! و قد تبين لعلماء التشريح اليوم أن تلك العظام تشكل سندا و منشأ لعدد من العضلات الرخوة الأساسية في عملية التناسل، و بدونها لا يمكن لتلك الأعضاء و أجهزة التناسلية أن تقوم بدورها .
4 ضرس الحكمة Wisdom tooth
من الأشياء التي ضموها إلى لائحتهم لمخلفات الأعضاء المتخلى عنها، هو ضرس الحكمة التي تظهر في السن المتقدة ، و الحقيقة أن هذه الضرس هي لتعويض الإنسان عن فقد أسنانه و أضراسه بتقدم العمر، و هي مفيدة بالنسبة لمن يكون نظامهم الغذائي قائما على الأطعمة الجافة و القاسية. و برغم بعض التعب الذي يتسبب فيه ظهور هذا الضرس في هذه المرحلة إلا أنه يساعد في المقابل في خلق متسع إضافي لمضغ الطعام و تسهيل عملية الهضم.
5 حلمات الذكورية male nipples
ألحق الداروينيون الجدد حلمات الذكر بالأعضاء الضامرة بزعم أنها لا تقوم بأي دور ، و الحق فإن علماء الأجنة embryologists يقولون بأن مجموعة من الميزات الذكرية و الأنثوية تتواجد في الأجنة ابتداءا ثم بعد ذلك يتم تفعيل الهرمونات الذكورية في حالة تطور الجنين إلى ذكر في الرحم، أو الهرمونات الأنثوية في حالة تطور الجنين إلى أنثى. لأن الإنسان أصلا مكون من 46 زوجا من الجينات نصفها مذكر و نصفها الآخر مؤنث.
كما أنها تقوم بعملية أساسية في التهيئ للجماع و محفزة للهرمونات الجنسية في الرجل لإنجاح عملية الإنجاب، و هذا الموضوع بحد ذاته يمكن كتابة عشرات الصفحات حوله إذا ما تعمقنا فيه، و نزلنا إلى مستوياته الجزيئية و التفاعلات الكيميائية المعقدة و المنطلقة بتسارع من مراكز الحمض النووي في مراكز الخلايا و من حويصلات و مراكز هرمونية في شتى أنحاء الجسم، تلك العمليات المعقدة  التي يشرف عليها الدماغ بطاقته التخييلية تتدفق بالمآت خلال فترة وجيزة من مقدمات العملية التناسلية. فالقول بعدم جدوى و عبثية هذه الملامح الخلقية ينطوي على جهل فظيع.


الخميس، 6 مارس 2014

نظرية التطور و تحدي أسرار العلوم 2/ مناقشة دعوى الطفرات الجينية

نظرية التطور و تحدي أسرار العلوم

2/ مناقشة دعوى الطفرات الجينية

بعد أن تبين لنا بالملموس العلمي، زيف القول بالصدفة في تكوين الخلية الأولى، و تبين لنا استحالة ذلك رياضيا حتى على مستوى صناعة بروتين واحد بعدد متوسط من الأحماض الأمينية هي 150 ،و رأينا في الحلقة الماضية أن ذلك الاحتمال يساوي رقما خرافيا يزيد أكثر من الضعف عن عدد الذرات المتواجدة في الكون كله ! حيث أن الر قم الذي وصلنا إليه هو 10 أس 164 أي رقم 1 يتبعه 164 صفرا !!!  فإنني أنتقل إلى دعوى أخرى يلتجئ إليها أغلب أنصار الداروينية الحديثة،Neo-Darwinisim   و أنصار نظرية التطور المعارضين لفكرة أن يكون هناك تصميم ذكي وراء الكون و ما فيه.
إنها نظرية الطفرات الجينية.
Genetic Mutations . ولنبدأ بالسؤال التالي:
لماذا يلتجئ أنصار التطور إلى هذا المنحى؟
و الجواب لا يخطئه من يطلع على إنتاجات التطوريين. و هو عدم قدرتهم على تفسير كيفية انتقال الكائنات الحية من نوع إلى نوع آخر، في ظل غياب الحلقات المفقودة، أو الأشكال الانتقالية transnational forms   كما يدعوها داروين في كتابه : أصل الأنواع On the Origin of Species  . و هو غياب كافي وحده لتفنيد هذه النظرية و إلى الأبد، لأنه لا يعقل خلو الأرض من هذه الأشكال الانتقالية سواء و هي حية تعيش فوق الأرض، أو هي مدفونة في الصخور، و تحت طبقات الأرض على شكل حفريات و مستحثات، و هذا الأمر لا يمكن تعقله إلا إذا افترضنا خرافيا أن الأرض و تاريخها الجيولوجي قد حبكوا مؤامرة ضد الداروينيين فأخفوا كل الوسائط و الحلقات المفقودة الحية منها و البائدة المنقرضة !

فما هي هذه الطفرات التي تمثل التَّعلة التي يتعلل بها التطوريون كلما أحرجوا بأسئلة السائلين؟
الطفرة لغة هي الوثبة ،فقد جاء في لسان العرب ج 9 حرف الطاء ما يلي:
 
طفر : الطفر : وثبة في ارتفاع كما يطفر الإنسان حائطا أي يثبه . والطفرة : الوثبة .
فالطفرة بهذا المعنى هي تلك الوثبة أو التطور الذي يأتي فجاءة، أو هو التغير المفاجئ الغير معهود في الوسط، هذا هو البعد اللغوي باختصار شديد. أما في علم الإحياء، و في فرع علم الأجنة بالخصوص فمعنى الطفرة هو حصول تغيير في الجينات يستلزم ظهور تطورات على غير النسق المتبع و المتوقع في سلسلة نَسخ الشفرة الوراثية، أو انقسام الخلية بحيث تظهر آثار في الأجيال الاحقة مختلفة عن سالفتها بعدما أحدثت الطفرة الجينية ترتيبا آخر في نظام الجينات، أو في صناعة البروتينات.
كيف تحدث الطفرات الجينية؟
أغلب الطفرات الجينية تحدث بسبب الإشعاعات النووية، مثل أشعة غاما، أو أشعة ما فوق البنفسجية ، أو الأشعة السنية، أو بسبب تدخل كيميائي، أو خطإ في ترتيب القواعد النيتروجينية في الحمض النووي أثناء إنقسام الخلية. فالمعلوم أن نظام الحمض النووي على صغره فهومكنون في حصن حصين داخل النواة. و لا تؤثر عليه مختلف العوامل البيولوجية أو الجوية . لكن الإشعاع النووي يستطيع النفاذ إلى داخل هذا  الحصن، و يحدث خللا في ترتيب الجينات بما يخالف الأوامر الصادرة من الخلية. بحيث يقع خطأ في نسخ المعلومات المُشَفَّرة في الحمض النووي ، أو يقع خطأ في قراءة الشفرة الوراثية، سواء في مصنع البروتينات داخل الخلية  و الذي يدعى بالرايبوزوم ،Ribosome  أو عند  أي من أعضاء و أجهزة الجسم الخادمة لطلبات الخلايا. و المستقبلة للرسائل البروتينية المشفرة من قبل الخلايا.
لكن هذه العوامل تبقى نادرة جدا إذا ما قورنت بالسير العادي للنظام البيولوجي في الإنسان، إذ المُسَلَّم أن الإنسان يتعرض لقدر من الإشعاعات النووية الطبيعية و التي يكون مصدرها غازي الرادوم و غاز الثورون Radon، Thoron  المتواجدان في الغلاف الجوي، و كذلك في التربة، و الأخشاب، و الصخور، خصوصا الرخام. و في الغالب الأغلب فإن ما  يتعرض له البشر من إشعاع طبيعي المنبعث من هذه المصادر لا يتجاوز المعدل الطبيعي الذي يعتبر آمنا و هو 300 + ميليريم. و بالتالي فلا تقوى هذه النسبة على اختراق حصن الخلية و الإضرار بنظامنا الجيني. و في دراسة أعدتها اللجنة الأمريكية للترتيبات النووية تحت عنوان: Fact Sheet on Biological Effects of Radiation و رقة عن حقيقة التأثيرات البيلوجية للإشعاع أظهرت فيه أن 50% من الإشعاعات التي يتعرض لها البشر هي من فعل البشر أنفسهم من خلال محطات الطاقة النووية، و أجهزة الكشف بالأشعة، و المعالجات النووية الطبية، و غيرها. بينما يشكل الرادون و الثورون 37% و لا يشكل الإشعاع الوافد من الكون الخارجي سوى 2,5% و هذه النسبة مساوية لما ينبعث من إشعاع من مركز الأرض. و خلاصة القول في هذا أن الكائنات الحية تتعرض لقدر من الإشعاعات المختلفة بشكل شبه دائم، لكن أغلبية الإشعاعات  غير ضارة، غير أن بعضها يكون ضارا و يؤثر على تركيبة الحمض النووي، و كذلك ترتيب الأحماض الأمينية المركبة للبروتين مما يسفر عنه نتائج تتفاوت في خطورتها، و قد تبقى بعض عوارضها السلبية متراكمة في نظامنا الجيني بالرغم من أن النظام الجيني نفسه له آلية معقدة جدا لإصلاح ما تفسده الطفرات الضارة. و مع كل هذا يتراكم في نظامنا الجيني المعقد آثارُ ما ورثناه من نقائص و عيوب في ترتيباتنا الجينية، و نورثه نحن بدورنا خلال نسلنا للأجيال القادمة مما يرسم أمام مستقبل النسل البشري مُنْحنى نازل قد يصلح معيارا لتوقع اندثار هذا الكائن العجيب في دهر من الدهور المستقبلية.
لماذا يركز أصحاب نظرية التطور على الطفرات الجينية؟
الجواب لا يخفى على من متتبع لسير هذه الفئة و نشاطاتها، و دعواتها. بل و هيمنتها الشبه كاملة على مراكز الأبحاث، و الجامعات، وحتى الإعلام. و هي أنهم لم يجدوا غير هذا الجانب ليتعلقوا به بعد أن عقِمت الأرض و ما حوت من حفريات أن تزودهم بما يبشرون به من الحلقات المفقودة، أو الكائنات الانتقالية كما دعاها داروين. و في مقالي الأول في هذه السلسلة بعنوان: ما ذا بقي من نظرية داروين،  تكلمت بقليل من التفصيل المسموح به عن هذه المسألة. و أضيف هنا جملة و هي أن عدد أنواع الكائنات الحية يصل إلى 8.5 مليون نوع. 2.2 مليون بحرية و 6.5 مليون برية. حسب مركز إحصاء الحياة البحرية :  the Census of Marine Life  كما أشارت  المجلة العلمية  Science Daily   هذا رابطها: http://www.sciencedaily.com/releases/2011/08/110823180459.htm
و بالتالي فإن من المفروض أن تكون هناك الملايين من هذه الحلقات المفقودة، أو هذه الأشكال الانتقالية سواء حية بيننا، أو في الحفريات. فكل نوع لا بد له من وسيط انتقل بواسطته إلى النوع التالي ! و لكن لا شيء من ذلك تحقق أبدا. فلم يفلح علماء الآثار في الظفر بحلقة واحدة بين أي نوع و آخر.  مما دفع بعض اليائسين إلى تلفيق بعض المستحثات، و الحفريات. و هذه العمليات التزويرية من الكثرة بحيث يمكن أن يُفرد لها مقال مستقل قد أوفق لكتابته لاحقا. و هذا الأمر – أي عدم وجود هذه الحلقات المفقودة- وحده أكثر من كافي لإبطال نظرية التطور.
هذا هو الداعي إلى تشبث أنصار نظرية التطور بنظرية الطفرات. فما هي أنواع الطفرات ؟
أنواع الطفرات الجينية:
الطفرات الجينية تحدث بطرق أربعة   رئيسية هي باختصار :
 1عن طريق:  الاستبدال  substitution بحيث  تستبدل قاعدة نيتروجينية بأخرى فتحل( Adenine) A  في محل(Thymine) T  أو العكس.
2 – بطريق الإدخال أو الإدراج Insertion بحيث يتم إضافة زوج من القواعد النيتروجينية لسلسلة الحمض النووي
3 – بطريق الإلغاء Deletion  أو الإسقاط بحيث يُفقد جزء من سلسلة الحمض النووي، أو يتم إلغاؤه.
4 - إنزياح الإطار Frameshift  مثل أن يقع انزلاق في سلسلة القواعد النيتروجينية فتحل الحروف الأولى من كل خانة ثلاثية تدعى بال: Codon  في مؤخرة الخانة السابقة بما يشبه ما يُدعى علميا بانزياح الظفيرة Strand Slippage   فيضيع معنى الشفرة الوراثية، و تتكون بروتينات غير ذات جدوى. و كمثال تقريبي لهذا النوع من الطفرات أضرب هذا المثال: قال علي أنا مجد. و تمثل كل مفردة مكونة من 3 حروف خانة جينية codon  مثل : ATC CGA GCC  إلخ. تصبح بعد انزلاق قدره حرف واحد كما يلي :  الع ليأ نام جد. و كما أن الجملة الأخيرة لا معنى لها و لا يمكن أن تفي بأي غرض دلالي،  فكذلك النسق البروتيني الناتج عن مثل هذا الضرب من  الطفرات. بل قد يؤدي إلى نتائج مدمرة للكائن الحي . و على سبيل المثال لا الحصر أنه في الحالة الأولى التي هي : الاستبدال و التي هي مجرد تبديل قاعدة نيتروجينية مكان أخرى، ينتج عنه مرض خطير هو فقر الدم الهلالي Sickle cell anemia  و الذي يؤدي بصاحبه إلى الهلاك المحتم ما لم يخضع لعلاج مكثف.
الطفرات الجينية عوامل دمار و ليس ارتقاء.
لو سلمنا جدلا بأن الطفرات لها تلك الفعالية المتخيلة التي يتصورها التطوريون برغم الأرقام التي أثبتها أعلاه. فإن الطفرات هي في واقع الأمر عامل تدمير، و انحراف جيني في الكائنات و ليس عامل تطوير و ارتقاء. و إن ما يلحق الكائنات من ضرر و انحراف في شفرتها الوراثية أكبرُ بكثير مما يمكن لِما يدعونه بالانتخاب الطبيعي أن يتداركه. إذ المعلوم أن الطفرات إن وقعت فإن عقابيلها تتراكم في الجينات، و تورث للأجيال التالية. و بالتالي فمآل الكائن الحي- حسب هذا الخيار- هو التقهقر في سُلَّم الترقي و ليس العكس.
إن عالم الحمض النووي، و ما يقوم به من دور استراتيجي في بناء و بقاء الكائنات  مَثَّلَ إغراء لا يقاوم للتطوريين إذن، لكنهم غفلوا على حقيقة كبيرة و هي أن الطفرات لا تضيف جينات جديدة، و إنما تعبث بالتي هي أصلا موجودة. و معلوم أن أنواع الكائنات الحية تختلف فيما بينها من حيث عددُ الجينات، و ما يسمى  بالخانات الجينية. و على سبيل المثال لا الحصر، فإن عدد القواعد الجينية المزدوجة في كائن بسيط مثل الفأرة هو 2600 مليون ! بينما لا يتعدى 100 مليون في دودة الأرض. و بالتالي فإن هذه الدودة تحتاج إلى 2500 مليون قاعدة جينية إضافية كي تصل إلى طبقة الفئران في سلم التطور المفترض. فكيف لها أن تحصل على كل هذا العدد الهائل، مع العلم أن الطفرات لا تضيف جينات جديدة كما أسلفت، و كيف يمكن بواسطة الطفرات العشوائية الغير منظمة، تشق طريقها في مسار مادي أعمى غير موجه –كما يصر الداروينيون الجدد - أن تبني هذا النظام  الجيني الذي حارت في دقته و صرامته، و كماله عقول العلماء !؟ هذا الأمر يستحيل علميا. و الفأرة ليست إلا كائنا من بين 4587 من الكائنات الثديية المعروفة.
إن الاتجاه الذي تسير فيه الطفرات هو في عكس اتجاه نظرية التطور. ذلك أنه من المسَلم أن الطفرات غالبيتها الساحقة تكون ضارة أو محايدة. و أكثر العلماء تفاؤلا قالوا بأن النسبة الضارة و المدمرة من الطفرات بالنسبة للمحايدة أو النافعة هو 70%. و هناك آخرون زادوا النسبة إلى ما يقرب من 99% . أما عالم الجينات الشهير إكس ماجور فقد قال بأن نسبة الطفرت الصحية لا تزيد عن 1/1000000 أي واحد في المليون .وخير من كتب في هذا الموضوع بالضبط هو عالم الجينات المتميز الأمريكي جون ستانفورد في كتابيه: The Genetic Entropy  و كتاب: Down not Up  حيث ينتهي من بحثه العميق إلى نتيجة مفادها أن النسل البشري و الحيواني يتجه نحو الانحدار و ليس نحو الارتقاء. و ذلك بسبب ما يتراكم في الجينوم البشري من السلبيات، والنقائص التي تـخَلفها الطفرات المختلفة. و تورثها الأجيال لبعضها البعض. و في الفصل الأخير من كتابه the Genetic Entropy  أو الاضمحلال الجيني  يقول ما أترجمه كما يلي:
"تخيل وجود سجل يضم عشرات الالاف من صفحات التعليمات، بحيث تحدث تغييرات اعتباطية كل مرة يتم نسخ تلك التعليمات. مَن سيُبقي ثقته في تلك التعليمات؟ و كم من التغييرات سيتطلب الأمر قبل ان يصبح سجل تلك التعليمات بدون فائدة؟ كم يتطلب من الوقت كي يمسي ذلك السجل غير قادر على إحداث أية فعالية؟ إنها شهادة في حق طبيعة نظامنا الجيني الذي أبقانا أحياء على الرغم من مستوى الاضمحلال الذي نتعرض له .
Imagine an instruction manual of tens of thousands of pages in which random changes have been made every time it is copied. Who would trust such a manual? How many changes would it take to make the manual unusable? How long before the manual no longer makes a functional product? It is a testimony to the nature of our genome that we are still alive in spite of the level of decay.
John Sanford, from Cornell University, is the inventor of the "gene gun" among other ways to get foreign genes ...
و يقول الدكتور ايانتش Lyanch  : "حتى  لو أخذنا بأضعف مدى في الطفرات، فإننا نتدهور بنسبة 1 إلى 5 % في كل جيل !
 و يقول الدكتور كوندراشوف:" لا أحد من علماء الجينات يشك في أن النسل البشري في انحدار."
و عبر الدكتور كرو Crow  عن هذه الحقيقة بقوله: "إننا اليوم أدنى( رُقيا) من إنسان الكهوف"We are inferior to caveman
و يشبه علماء الجينات إحتمال توقع الارتقاء، و التقدم من خلال الطفرات باحتمال ازدياد فعالية محرك السيارة إذا أطلقت عليه النار برصاصة ! أو كمن يقذف جهاز التلفاز التقليدي بالحجارة و يتوقع منه أن يتحول بسبب ذلك إلى تلفاز بلازما مسطح.!!
و على ضوء هذه الحقائق يمكن فهم تصريحات بعض كبار علماء الجينات التالية أسماؤهم. قمت بترجمة حرفية لأقوالهم:
دايفيس و كينيون: " لا يوجد دليل على أن الطفرات تخلق هياكل جديدة، و إنما دورها على وجه التحديد يظهر في تغيير ما هو موجود أصلا" Pandas and man  ص 11
"إن الزعم أن الطفرات حتى إلى جانب الانتخاب الطبيعي هي الأسباب الجذرية في وجود 6.000.000 ( 6 ملايين) من أنواع الكائنات المختلفة و المعقدة بشكل مذهل هو استهزاء بالمنطق، و إبطال لقيمة البرهان، و رفض لأساسيات علم فرع الاحتمالات في الرياضيات" الدكتور كوهين في كتابه: داروين كان مخطئا: دراسة في قانون الاحتمالات ص 81
« To propose and argue that mutations even in tandem with ‘natural selection’ are the root-causes for 6,000,000 viable, enormously complex species, is to mock logic, deny the weight of evidence, and reject the fundamentals of mathematical probability.”
Cohen, I.L. (1984) “Darwin Was Wrong: A Study in Probabilities “p. 81.
يقول سورين لوفتراب في كتابه: الداروينية تفنيد أسطورة:
"إن الطفرات الدقيقة تحدث بالفعل، و لكن النظرية التي تسند إليها التغيير الارتقائي إما أنها مفندة علمية أو أنها غير قابلة للتفنيد العلمي و بالتالي فهي من النظريات الماورائية. هب أن لا أحد ينفي أنه من المؤسف فعلا أن يصبح فرع كامل من العلوم مدمنا على نظرية باطلة، و لكن هذا ما حدث في علم الإحياء. أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تصنف فيه أسطورة الداروينية كأكبر خديعة في تاريخ العلوم، عندما يحدث ذلك كثير سيستغربون و يقولون: كيف أمكن حدوث ذلك؟"
Micro-mutations do occur, but the theory that they can account for evolutionary change is either falsified or else it is an unfalsifiable, hence metaphysical, theory. Suppose that nobody will deny that it is a great misfortune if an entire branch of science becomes addicted to a false theory. But this is what has happened in biology:… I believe that one day the Darwinian myth will be ranked the greatest deceit in the history of science. When this happens, many people will pose the question; How did this ever happen?” …
Soren Lovtrup, (1987) Darwinism: The Refutation of a Myth, London: Croom Helm, p. 422

و يقول ماير إيرنيست في كتابه: الأنظمة و أصل الأنواع ص 296:
إنه لمن دواعي السذاجة نسان أن يتخيل أن هذه الأنظمة الدقيقة التوازن، مثل الحواس( عين الفقاريات، أو ريش الطيور) يمكن أن تتحسن عن طريق الطفرات الاعتباطية "

It is a considerable strain on one’s credulity to assume that finely balanced systems such as certain sense organs (the eye of vertebrates, or the bird’s feather) could be improved by random mutations. This is even more true of some ecological chain relationships.
 

Mayr, Ernst (1942) Systematics and the Origin of Species, p. 296
و يقول بيير بول جراس في كتابه: تطور الأنظمة الحية ص 87:
"ما هو جدوى طفراتهم الامتناهية إذا لم تنتج لنا تطورا ارتقائيا؟ في المحصلة فإن الطفرات في الباكتيريا و الفايروسات هي محض تقلبات وراثية حول موقع وسط، رجحة ذات اليمين و رجحة ذات اليسار و لكن بدون أثر تطوري نهائي"

What is the use of their unceasing mutations, if they do not [produce evolutionary] change? In sum, the mutations of bacteria and viruses are merely hereditary fluctuations around a median position; a swing to the right, a swing to the left, but no final evolutionary effect.
(Pierre Paul Grasse, Evolution of Living Organisms, 1977, p. 87)
و يقول ستيفين جاي جولد :
" لا يمكنك  الحصول على أنواع حية جديدة ( كائنات نوعية ) بواسطة تطفير الأنواع. فالطفرة ليست سببا للتغيير التطوري  الارتقائي."
Stephen Jay Gould: 
“You don't make new species by mutating the species. . . . A mutation is not the cause of evolutionary change”.

Stephen J. Gould, speech at Hobart College, February 14, 1980.
إذن من خلال هذا البحث المتواضع تتبين لنا حقيقة لا مراء فيها أبدا و هي أن الطفرات الجينية لا يمكن أبدا أن يعول عليها في الانتقال من نوع إلى نوع آخر، فهي قد تحدث بعض التغييرات في الكائن الحي الواحد. و في الغالب الأغلب تكون هذه التغييرات ضارة. بل  و مهلكة بسبب الفوضى الذي تحدثه في نظم الحمض النووي DNA . فعملية انقال   نوع إلى نوع في اتجاه ارتقائي  صعودا من الأدنى إلى الأعلى تتطلب إضافة سيل من الجينات الجديدة. و كمية هائلة من المعلومات الجينية الصارمة و الدقيقة بحيث لو كتبناها في سجلات ورقية  لاحتجنا إلى البلايين من المجلدات في الكائن النوعي الواحد. و معلوم مسبقا –كما أسلفت- أن الطفرات لا تضيف جينات جديدة. و الجينات هي بنك المعلومات  و بالتالي فهي لا تضيف معلومات من خارج نظام DNA . فلا يوجد أي نسق و مسار بيلوجي ملاحظ ، بواسطته يمكن إضافة المعلومات الجينية إلى الشفرة الوراثية للكائن الحي من خارج نظامه للحامض النووي DNA . و على سبيل المثال لو ألقينا نظرة خاطفة على زعم الداروينيين الجدد الذين يذهبون مع النظرية العتيقة المفترضة لكون الحيونات البرمائية Amphibian  أصلها أسماك !  فكيف لبيض البرمائيات المائع و السَّلَوِي القشرةOmniotic ، و الذي هو مُعَدُّ للوضع و التفقيس في الماء ، و إذا ما وضع على البر جف و تلاشى، و بالتالي تتعرض البرمائيات إلى الانقراض، كيف للطفرات أن تحوله من بيض مائع رخَوي القشرة إلى بيض قاسي القشرة بحيث يتحمل حرارة الشمس و يقاوم التبخر الداخلي.؟ و الأمر لا يتعلق بقشرة البيض فحسب. بل ذلك جانب واحد فقط من صفات فيسيلوجية 8 رئيسية معقدة لا بد من تجذيرها في نظام الحمض النووي، و كل واحدة من هذه الصفات الفيسلوجية تتطلب الملايين من السنين بمقاييس التطوريين كي تكون جاهزة. فما بالك ب 7 صفات فيسيولوجية  معقدة أخرى. و إلا لن تتمكن البيضة من التفقيس ، و يتعرض الحيوان البرمائي إلى الانقراض كنوع.
و كثيرا ما يشفع أنصار الداروينية الجديدة القول بالطفرات بالانتخاب الطبيعيNatural selection  . زاعمين أن ما تحدثه الطفرات من انحراف يتكفل به الانتخاب الطبيعي، و مفهوم البقاء للأقوى Survival of the fittest  لكن إذا كان لديك معلومات جينية مبعثرة غير منتظمة بسبب ما أصابها من طفرات، فمن أين ستنتقي الطبيعة و تنتخب غير هذا الواقع الذي تسوده الفوضى في ترتيب المعلومات الجينية . و إذا ما أخذت معلومات مصابة بفوضى الطفرات فماذا بقي معك غير معلومات مخربة جينيا و غير صالحة، ففاقد الشيء لا يعطيه. و بالتالي تبطل نظرية الطفرات كمتكإ آخر يعتمد على منساته الداروينيون الجدد  في القول بنظرية النشوء و الارتقاء.
في الحلقة القادمة سأبحث في موضع الأعضاء الضامرة Vistigial Organs  و التي كثيرا ما اتكأ عليه التطوريون لدعم نظريتهم.
بعض المراجع:
. (Pierre Paul Grasse, Evolution of Living Organisms
Mayr, Ernst (1942) Systematics and the Origin of Species,
Soren Lovtrup, (1987) Darwinism: The Refutation of a Myth
Cohen, I.L. (1984) “Darwin Was Wrong: A Study in Probabilities
Genetic Entropy ; John stanford
Down not Up : John stanford