الجمعة، 29 مارس 2013

الحروب الصوتية الحامية الوطيس \ أحمد الرواس


ربما قد كتب على العرب أن يعيشوا على وقع الحروب الصوتية و النزالات الخطابية منذ عهد عبد الناصر الذي قاد أتباعه بجوقته الصوتية و من تحمس له من المخدوعين العرب إلى أكبر نكسة و أشنع هزيمة في التاريخ العربي الحديث، و تسبب انتشاؤه الفارغ في ضياع الجزء الأكبر من أرض فلسطين، و لا يزال العرب يعانون من تلك الهزيمة المنكرة التي قادهم تهوره إليها إلى يوم الناس هذا.و مع مرور الأيام ظهر إلى جواره في ليبيا مغامر آخر ، هو معمر القذافي الذي وصل به تعلقه بالعجل الناصري أن حسب نفسه مجسدا لروح الهالك و ابنا وفيا لدعواته العريضة الحالمة فبدد لعقود ثروة الشعب الليبي على نزواته السياسية و مغامراته الحمقاء في دعم كل جماعة متطرفة في أركان الأرض الأربعة تقبل باستلام صناديق من كتابه الأخضر الذي لا يوجد فوق الأرض ما هو أتفه منه.فقاد ليبيا إلى الكارثة التي اكتشفها العالم بكل تفاصيلها المهولة في الثورة الليبية الأخيرة.

و في الثمانينيات و ما بعدها ظهر مغامرون آخرون في دنيا العرب ففي العراق ظهر صدام الذي  كانت دولته تعرف انتعاشا اقتصاديا،و نموا معرفيا و تطورا علميا وصناعيا على رغم الديكتاتورية التي كان عليها النظام و قبضته الحديدية، لكنه التجأ إلى عزته النفسية الكاذبة و انجر إلى سلسة من المغامرات تهديه إليها خطاباته العنترية و اعتزازه الزائد بما تحت يده من السلاح، و ما يسمعه من الإعجاب الشديد - من مؤيديه من دهماء العرب - به و بقوته العسكرية و قوات ردعه الصاروخية، فدخل في صناعة الكوارث المتوالية، بدأ بالحرب العراقية الإيرانية التي أبت إيران أن توقف رحاها طمعا في سقوط صدام حتى أهلكت الحرث و النسل، وألقت بمآت الآلاف من الشباب و حتى الأطفال إلى تلك المحرقة، و أذكر أنني رأيت في سنة 84 مجموعة من المحاربين الإيرانيين و قد جاءوا لبلجيكا حيث كنت أقيم، للعلاج من السلاح الكيماوي الذي أصيبوا به في منطقة عبدان، و كانوا مجرد أطفال فتساءلت في استغراب ،و يشهد الله أنني سمعت أحد الديبلوماسيين الإيرانيين يقول بأن الجمهورية قد غيرت تواريخ ميلاد أولئك الأطفال حتى لا تثار ضجة في بلجيكا بسبب دفعها للأطفال ليقاتلوا على الجبهة في حرب ضروس !  و بعد أن أيقنت  إيران ألا قدرة لها على إسقاط ذلك الخصم العنيد قال الخميني كلمته المشهورة و هي أن قبوله بإيقاف تلك الحرب الكارثية يماثل تجرعه لكأس من السم، و لم يلبث الخميني بعدها إلا قليلا حتى مات. فلو أن ملالي إيران كانوا قد قبلوا بوقف إطلاق النار الذي طالبتهم به كثير من الدول الإسلامية، و المؤتمر الإسلامي و حتى شيوخ الصوفية في نيجيريا منذ السنة الأولى لاندلاع تلك الحرب لأنقذت مآت الآلاف من الآحياء و لكنه العناد و انتفاخ عزة النفس التي تهلك الحرث و النسل.
ثم  لم يلبث العراق إلا قليلا حتى زج به المغامر المنتفش صدام في حرب غزو الكويت التي رافقتها الخطابات العنترية و لم يجن في النهاية غير الهزائم المنكرة. ثم جاء التباهي بالصواريخ و بأسلحة الردع و دخل مع الغرب في مواجهة غير محسوبة النتائج . و ربما ظن صدام واهما أن جارته الشرقية إيران لن تتآمر عليه و ستكون وفية لشعارها الشعباوي الموت لأمريكا،فصم آذانه عن أية نصيحة تأتيه حتى من أصدقائه من بعض ملوك العرب و شيوخ إماراتها الذين أيقنوا أن الغرب قد قرر تدمير العراق و احتلاله فسخر من نصيحة المرحوم الشيخ زايد الذي دعاه إلى التنحي فورا و تسليم السلطة للشعب. مع أن ذلك كان هو الحل الوحيد لتجنب الحرب المدمرة.
في النهاية كان الغزو الأمريكي للعراق..أمام صمت مريب لإيران التي سبق أن هيأت المعارضة الشيعية التي كانت ترعاها في إيران للتجاوب مع الاحتلال الأمريكي للعراق و التنسيق مع خطواته، و أصدر المراجع الكبار كالسيستاني فتواه الشهيرة بحرمة مقاومة الاحتلال الأمريكي، و طالب المرجع الشيعي باقرالعلوم و الد وزير النفط العراقي أيام حكومة بول بريمر، طالب بجعل اليوم الذي غزت فيه أمريكا و حلفاؤها العراق و يوم سقوط بغداد يوم عيد و طني للعراق الجديد الذي يحكمه حلفاء إيران من شيعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، و حزب الدعوة و غيرهم ، و ربما من سخرية قدر المخدوعين أن الذي كان يردد شعار : الموت لأمريكا و يخرج مع أصحابه و مقلديه إلى شوارع طهران ليرددوه سواء في ذكرى نجاح الثورة، أو ذكرى عاشوراء مثل باقر الحكيم و أخيه عبد العزيز الحكيم قد دخلا معا إلى العراق على ظهر دبابات الاحتلال، و يوم أن اضطر  ولكر بوش إلى الإعلان عن موعد الانسحاب من العراق تحت ضربات المجاهدين من أهل السنة، بعد أن لم تنفع كل الحروب التي شنوها إلى جانب قوات الاحتلال ضد المقاومين من أهل السنة في ديالى و الفلوجة و غيرها، هرع المرجع الشيعي الهالك عبد العزيز الحكيم إلى واشنطن و اجتمع علنا مع الصهيوني هينري كيسنجر لتدارس مستقبل العراق !! كما أنه طلب رسميا من بوش تأخير انسحابه و إطالة أمد احتلاله للعراق.
لقد عبرت إيران عن حقيقة تآمرها على العراق و تواطئها الموضوعي مع الاحتلال الأمريكي في تصريح لنائب الرئيس الإيراني علي أبطحي عندما قال: لولا إيران لما تمكنت أمريكا من احتلال لا العراق  و لا أفغانستان. و الآن و حتى بعد أن انسحبت معظم القوات الأمريكية إلا أن حكومة العراق العميلة قد منحت أمريكا مجموعة قواعد عسكرية، أكبرها قاعدة الإمام علي !! الذي و الله لو بعث لتقرب إلى الله بدماء الخونة من المراجع.
تعود بنا إيران هذه الأيام إلى نفس الأجواء من الخطابات العنترية، و الحركات الاستعراضية الغارقة في العنجهية و الصلف ..فمرة نسمع بتصريحات لبعض المسؤولين عن قدرة إيران على إرجاع الإمارات العربية المتحدة إلى عهد ما قبل النفط، و مرة نسمع نوابا إيرانيين يطالبون بمملكة البحرين باعتبارها جزءا من الأراضي الفارسية. و الدليل أن البحرينيين كثير منهم يفهم الفارسية و يتفرج على المبارات الإيرانية !! و تارة نسمع بعزم إيران الإقدام على غلق مضيق هرمز. و أنها قد أجرت المناورات الأخيرة من أجل ذلك الهدف. و أنها جربت عدة صواريخ قريبة و بعيدة المدى و أن  إغلاق المضيق  أسهل على إيران من شرب كأس ماء. و أنه إذا لم يسمح الغرب لإيران ببيع نفطها في دوله فلن يسمح بمرور قطرة نفط لأية دولة خليجية عبر مضيق هرمز. و عندما غادرت إحدى حاملات الطائرات الأمريكية المضيق صرح  المسؤولون العسكريون الإيرانيون بأنهم ينصحون أمريكا بعدم إرجاع تلك القطعة البحرية موهمين السذج من دهماء المخدوعين بهم في إيران  و العراق و لبنان بأن إيران قادرة على منع أمريكا من الإبحار في الخليج العربي. و بقدر تورم تلك الأبهة من التحدي التي نفخ فيها الإعلام الإيراني، و توابعه في كل من العراق و لبنان و سوريا، كان عظم الفضيحة عندما اشتدت العقوبات الغربية على إيران و توالت التصريحات الإيرانية في الاتجاه المعاكس، حيث صرحت إيران بأنه لم يكن في نيتها في يوم من الأيام إغلاق مضيق هرمز !! و أنها تقبل باستئناف المحادثات حول برنامجها النووي، و أنها تسمح للمراقبين الدوليين بزيارة كل منشآتها النووية، مع العلم أنها قبل أيام اتهمت الوكالة بأنها تقوم بأعمال التجسس و تسريب أسماء علمائها النوويين للكيان الصهيوني !!  و اليوم تعود أمريكا بإحدى أكبر حاملتها مرفوقة بسفن حربية بريطانية و فرنسية أمام صمت مطبق من إيران
إذا كانت إيران لا تستطيع أن تمنع حتى ما تقول إنهم جواسيس الوكالة العالمية للطاقة النووية  بالدخول إلى إيران و التجول في كل مكان يرغبون فيه، فكيف تستطيع أن تمنع الأساطيل الغربية من الإبحار في مياه الخليج التي يعدونها مياها دولية يحق لأي كان بالإبحار فيها؟
إلى متى يظل  بعض المغامرين يتباهون بما لا يملكون، و يحطمون بخطبهم أعتا  الدول في العالم و يزيلون بعضها من على الخارطة و هم لم يبرحوا منصات الخطابة أمام المتحمسين الصاخبين؟ و إلى متى يظل بعض المخدوعين ضحية التأجيج العواطفي و يساهمون في بيع الناس اللغو من الكلام؟

في 26 يناير 2012


  

0 التعليقات:

إرسال تعليق