الأحد، 24 مارس 2013

لعلاقة بين العلوم البحتة و الفلسفة- أ الرواس


 نقد أفكار خالص جلبي / الحلقة الأولى  1                         

يعتبر الدكتور خالص جلبي أحد أكثر الكتاب العرب انتاجا للمقالات فهو يكتب في عدة صحف عربية كالشرق الأوسط و الرياض ، وموقع الإقتصادية الإلكتروني و جريدة المساء المغربية ،وأغلب هذه الجهات لا تسمح بالرد على أفكار الكاتب ،   كما أنه يكتب بانتظام في مدونته المسماة مدونة خالص جلبي .و نظرا لخطورة مشروع خالص جلبي الذي بدأت ملامحه تتبين سنة بعد الأخرى و المتمثل في هدم التراث الإسلامي و الإرث الفقهي و الحديثي ، وو سيلته في ذلك هي الإمعان في احتقار التراث و السخرية من رجاله من السلف، و التركيز على السلبيات خصوصا الأكاذيب التي بثها المستشرقون ، فهو يتساقط في شره عجيب لا نظيرله بين الكتاب العرب ،على كل أخبار السوق المرجوحة و المختلقة خصوصا إذا كانت تمس الشخصيات العظيمة من الفاتحين المسلمين ،أمثال صلاح الدين الأيوبي و محمد الفاتح ، أو الفقهاء العالملين ، و تنفير الناس منهم.
و في المقابل يبالغ خالص في تطهير الفكر الفلسفي الأوروبي، وكيل سيول من المديح المجاني له، و تقديس كل فلاسفته حتى المحرفين ،خصوصا الملحدين منهم ، مثل نيتشيه المنادي بموت الإله! و تقديسهم  كتقديس الشيعة لأئمتهم المعصومين. فكل السعادة التي يحس به بنو البشر اليوم ، و كل الهناء الذي ينعم به المرء حتى لو كان في الأدغال الإفريقية، أو غياهب غابة الأمازون، فمرده -عند خالص جلبي-  إلى فلاسفة الغرب ، و مناهجهم العلمية!! و بالمقابل فإن كل التعاسة التي يشعر بها الخلق اليوم هي بسبب الفكر الديني و الارتباط بتراثه . و في تصور الكاتب أن المسلمين ما لهم من أمل في أية نهضة إلا إذا قاموا بما قام به الغرب من القضاء على الكنيسة و المؤسسات الدينية التي يسميها بالجبت! و كذلك القضاء على الحكام و الملوك الحاكمين في نظره باسم الدين! و كثيرا ما يردد قولة فولتير الشوفونية و السادية : أشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قس، و ترجمتها في فكره : إشنقوا آخر رجل سلطة في العالم الإسلامي بأمعاء آخر فقيه! فهما في نظره يمثلان وجهين لعملة واحدة ، و هما طرفي الشر في العالم ! و في هذا الاتجاه سبق أن صرح بكل ظلم و صلف بأن الإخوان المسلمين في سوريا، الذين ذبحهم النظام البعثي و هدم السجون على رؤوسهم ، بأنهم ، و حزب البعث الحاكم، يمثلان وجهين لعملة واحدة !! و قد وجد العلمانيون  و كل حاقد على الإسلام و تراثه ضالتهم المفقودة ، و غايتهم المرجوة فيما يكتب ، فأصبح من مراجعهم و منبع استشهاداتهم، بل و شيخا من شيوخهم و كثير من مقالاته أصبحت تسود بياض صفحات مدوناتهم، و منتدياتهم. فهو بحق شيخ العلمانيين المخضرم.و زعيم الماديين الهمام! كيف لا و هو الحاصل على الإجازة في علوم الشريعة من جامعة دمشق في السبعينات! و مع أن هذه الشهادة لا تعد شيئا كبيرا عند علماء الإسلام إذ يحصل عليها أحيانا من لا يعرف من علوم الشرع معشار ما يعرفه طالب مبتدئ في المعاهد الأصيلة ، إلا أن الدكتور الجراح يتخذ تلك الشهادة المبكرة في علوم الشريعة  تفويضا إلهيا لقلمه كي يرتاع جميع الأعراض، ويتهكم من كل الفقهاء ، و يشكك في كل الأصول ، ويأتي بكل شاذ من الأفكار ! مع أنه ليس مما يكتبه شئ قد تعلمه في تلك الجامعة،و لا من مقتضيات تلك الشهادة  ، بل هو نتاج تهالكه على كل الفلسفات الغربية ، واستلابه أمام هلوسات الفكر الأوروبي ، و فقدانه لأية مناعة ضد جراثيمه الفتاكة.
و لذلك فقد رأيت أن أساهم في نقد أفكار الدكتور خالص جلبي بكل موضوعية لما يمثل انتشارها من خطورة على الأغرار من شبابنا.
                                   العلاقة بين العلوم البحتة و الفلسفة
  
في الآونة الأخيرة كتب الدكتور خالص جلبي مقالة في جريدة المساء المغربية ، ركز فيه على تخلف المسلمين و رد ذلك إلى تعلق الشعوب بأفكار الفقهاء الجامدين الذين يحرمون الصور و التماثيل و يحرمون الموسيقى ،و حرمان المرأةمن السياقة! و كأن مشكلة العالم الإسلامي تتمثل في تبرم الفقهاء من الصور و الموسيقى. وعدم انتشارهما!و فيما يلي رد على مختصر على تلك المقالة.

اعتاد بعض المغرضين  سواء من اليساريين أو العلمانيين أو اللبراليين أو غيرهم على تحميل علماء المسلمين ظلما حجم الانحطاط الذي يرتاع فيه المسلمون حاليا، و كأنهم الحاكمون و ليس العلمانيون  و عقلياتهم، فحيثما يممت وجهك تستمع لأحدهم إلا و سمعته ينعت المسلمين بالرجعية ، و الجمود ، و الظلامية!! حتى أصبحت هذه الاتهامات معهودة و اسطوانة مشروخة من كثرة الرد ! و أستاذنا خالص جلبي لا يختلف كثيرا في طروحاته عن هذا المنحى. فهو يعمد إلى قصص شاذة و أحدوثات يلتقطها  من هنا أو هناك  دون صبابة من علم ضبط الأخبار،و يجعلها عنوانا قبالته و صباغة  قاتمة لريشته التي لا تعرف أي لون آخر غير الألوان السوداء،  بها يلطخ تاريخ المسلمين حاضرا و ماضيا!!
إنه لمن الظلم الشديد  أن تتهم علماء  المسلمين كلهم ، و حتى الغالبية منهم بالجمود و التنطع، و الاستبداد ، و التعصب ،و عدم معرفة مقاصد الشريعة!. و لكي تتجلى الصورة أكثر لا بد أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة هنا ليتبين مدى عبثية ما يكتبه أخونا خالص .
السؤال الأول :  هل كل علماء الإسلام يحرمون الصور و رسمها ؟ الجواب : كلا .بل أغلب فقهاء المسلمين لهم تفصيل في المسألة، و أشهرهم و أكثرهم شعبية لا يحرمون الصور بل يتعاملون معها و بها و لذلك فمحاولة إلهاء المسلمين بهذه القضايا التافهة هو جرهم  إلى قضايا قد عفا عنها الزمان. بل إن الدكتور القرضاوي و هو أكثر العلماء شعبية في العالم الإسلامي، و أكثرهم شجاعة في الصدع بالحق، قد سبق أن تجشم مشاق السفر إلى أفغانستان من أجل محاولة ثني طالبان عن تدمير تمثال بوذا للمبررات التي سقتهها أنت في مقالك .كما أن كتابه الحلال و الحرام في الإسلام - و هو كتاب قديم- قد فصل فيه القول في الموسيقى و ذهب إلى القول بإباحتها بجميع أنواع أدواتها مالم تؤدي إلى حرام.
السؤال الثاني : هل أغلب المسلمين يعتقدون بحرمة سياقة المرأة للسيارة؟ الجواب  لا يفعل ذلك إلا فئة قليلة من علماء السعودية بالخصوص،لا يكادون يعرفون ، و إني لأشهد الله أنني لم أصادف في حياتي عالما في غير السعودية يقول أو يفتي بحرمة رخصة  السياقة بالنسبة للمرأة ، وملايين المسلمات يسقن اليوم مختلف السيارات على طول خارطة العالم الإسلامي  دون حرج!
و باختصار ليست مشكلة المسلمين في أنهم يحرمون الموسيقى أو الصور ، فهم أكثر الشعوب إنتاجا للموسيقى و التهاء بالصور !! مشكلة المسلمين في التنمية، و مفاتحها في يد المؤسسات الحاكمة التي  أغلبها مكونة من علمانيين درسوا في الغرب، أو اقتاتوا على ثقافته حتى و لو كانوا في جوامعه قد تربوا، ما فات خالص جلبي هو أن التقدم قرار سياسي.و هاك مثال واضح جدا و هو أن إيران رغم انطمارها تحت ركامات كبيرة من الضلال الديني و الثقافي و العمى الفكري المذهبي، إلا أنها قد خطت خطوات عملاقة  في المجال الصناعي العسكري ، و يوشك أن تصبح بلدا صناعيا مدفوعة بتعصبها و حماستها الحسينية !
و ربما عد تقدم  اليابان من أكثر الأمثلة وضوحا على تهافت نظرة خالص جلبي الزاعمة بأن مرد التقدم التكنلوجي والانتظام السياسي مرده إلى الفلاسفة الغربيين! فالفلسفات الغربية لم تجد يوما طريقها إلى النمو في التربة اليابانية الكونفشوسية ، و لم يكن هناك من اتصال كبير  ما بين الفكر لفلسفي الأوروبي و ما بين الفكر الفلسفي الياباني  الشرقي، فالفلسفة اليابانية مبنية أساسا على المعتقدات الكونفشوسية التي تدعوا إلى الطاعة العمياء للإمراطور و للآباء أيا كانت مؤدى تلك الطاعة .و حتى اليوم ما تزال هذه الاعتقادات في المجتمعات الصينية و اليابانية سارية المفعول . و هذا الأمر قد يعد من عوامل تخلف المجتمات و هو كذلك ، فالقرآن الكريم كثيرا ما عاب على الذين يغلقون عقولهم ضد أي أفكار جديدة أو مفاهيم جديدة بحجة أنهم ما عهدوها على زمن آبائهم !.يقول القرآن الكريم :# و كذلك ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون  قل أولو جئتكم بأهدى مما و جدت عليه آباءكم.قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون # و قال : # بل قالوا إنا و جدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون #  و مع ذلك فإن هذه الاعتقادات، و هذه الثقافة الجامدة على تقليد القديم و تراث الآباء لم تؤثر في تقدم اليابان و لا تقدم الصين مهد الكونفوشوسية و البوذية،  بل إن من مبادئ الكونفوشوسية الأساسية نبذ الحروب و التبرم من المتحمسين لها ، ومع ذلك فقد كانت اليابان ماردا في إشعال الحروب فيما حولها من البلدان، فاحتلت الصين على اتساعها ،و الجزر الأندنيسية ، و ارتكبت من المجازر و الفظائع في منشوريا و الصين ما تقشعر لسماعه الأبدان ، فبالأحرى رؤيته! فأين بقيت الكونفشوسية و دعوتها الطوباوية لنبذ خوض الحروب و أين كان تأثيرها في الفرد الياباني وهو يدشن أحلك عهد من الإبادات البشرية في الشرق الأقصى!؟
ولو كانت الدول و الحضارات تنموا بازدهار الفلسفات و تكاثر فلاسفتها لكانت اليونان أكثر بلدان العالم تقدما، فهي مهد الفلاسفة الأولين ، ومنبع الفلسفة الأوروبية ، و مع ذلك فنسبة التقدم العلمي في اليونان يعد الأدنى بين أغلب الدول الأوروبية. وما بزت اليونان و فاقت نظيرتها الأوروبية في أكثر من الإباحية و التفسخ الأخلاقي الذين اشتهرت بهما روما منذ مهرجانات فلوراليا Floalia Festeval  قبل الميلاد، و التي كان يحضره عامة الشعب اليوناني  بحضور أهل الفكر فيه، و حاشية الإمبراطور ،ويؤتى بالبغايا من كل الأنحاء ليقمن بتمثيل الفاحشة عراة أمام الجميع ، و في جو مشحون بالعربذة و المجون من طرف الرعاع.ليدلك هذا على أن التقدم العلمي لا علاقة له بالفلسفات الحالمة المسفة.  بل هو قرار سياسي، فأيما بلد قرر حكامه التقدم ووفروا للنخبة الشروط المادية للتقدم الصناعي فسيصبح هذا البلد متقدما صناعيا بمعزل عن معتقدات الشعوب ، و هذا واضح لذي بصيرة ، فإن التقدم الحاصل في الميادين العلمية البحتة:  الطبية  والتكنلوجية،و الفزيائية و غيرها من الميادين إنما يقوم به أشخاص قلائل كرسوا أعمارهم لخدمة العلم، ثم تبنت مخترعاتهم ومكتشفاتهم  الجامعات أوالشركات أوالدولة، فأخرجت أعمالهم للوجود. وفي العالم الغربي ،اليوم الذي يقوم بدفع الدول إلى الأمام في حلبة السباق العلمي والتكنولوجي ، هي مراكز البحوث العديدة ،و التي أصبحت تمتلكها الشركات الخاصة و المتعددة الجنسيات ، و هذه الشركات تقوم بتصيد المتفوقين من العلماء في مختلف العلوم البحتة من مختلف الثقافات ، و توفر لهم الشروط السخية للتفرغ للبحث ، و هي لا تفرق بين مسلم يعبد الله الواحد، وبين ملحد أوعابد بقرة أوفأر في الهند.فربما قام الباحث الهندوسي من على كرسي مختبر أبحاثة ليؤدي فروض الطاعة بالركوع أو السجود في خشوع  أمام تمثال رأس بقرة دون أن يؤثرذلك شيئا في نتائج أبحاثه!
و إذا كان لأغلب فلاسفة الغرب من فضل على مجتمعاتهم فهو يتجلى في هذه الموجة المخيفة من الإباحية و الشذوذ و الحيوانية التي أخذت تنتشر في البلاد الأوروبية كالنار في الهشيم ، كما كا ن لهم من قبل وزر نشرها في روما القديمة، و بلاد فارس التي كانت  الفلسفات الإباحية  المانوية و الزرادشتية تصول فيها وتجول . فاعتبروا يا أولي الألباب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق