الاثنين، 25 مارس 2013

شبهة دار السقيفة و حادثة ذات مغزى - أحمد الرواس


من الشبهات التي يكثر من ترويجها غلاة الشيعة ، ما وقع في دار السقيفة (سقيفة بني ساعدة) حيث يأفكون، و يتهمون كبار الصحابة على رأسهم أبو بكر، وعمر باغتصاب الخلافة !!و يقولون كيف يبادر المهاجرون و الأنصار إلى الحسم في أمر الخلافة و الرسول لم يدفن بعد ، و الموضوع طويل و لكن ملخص ما وقع أن المهاجرين سمعوا أن الأنصار قد اجتمعوا في دارالسقيفة يتذاكرون فيمن يكون خليفة الرسول، و كانوا يعتزمون تنصيب سعد بن عبادة الصحابي الجليل ، فخاف أبو بكر و عمر أن لا يحظى ذلك بموافقة باقي المهاجرين و غيرهم من العرب ممن درجوا على زعامة قريش حتى قبل الإسلام، فانطلقوا لتسوية الأمر بالتفاوض و بالتي هي أحسن و قد انطلق أبو بكر و عمر صهري رسول الله و أبو عبيدة الجراح الذي سماه الرسول أمين هذه الأمة ، و باختصار فقد أقنع أبو بكر أن يكون الخليفة من المهاجرين و الوزراء من الأنصار بعد أن خطب فيهم خطبة بليغة ذكر فيها فضلهم في الإسلام و تأييدهم للرسول و إعزازهم لدين الإسلام، فأجمعوا على خلافة أبي بكر بعد أن أبا عمر و أبو عبيدة أن يتقدما على أبي بكر، فحسم الأمر بكل وئام و محبة في ساعة من نهار ،مما لا يوجد له مثيل في دنيا الناس ، وقع ذلك يوم الاثنين أي في اليوم الذي توفي فيه رسول الله ص ،ثم تفرغوا لدفن الرسول يوم الثلاثاء، و لم يقع خلاف أو نزاع يذكر بين الصحابة مما يعكس مدى تعاضدهم و تآزرهم و تآخيهم و إجماعهم على نصرة الإسلام و إعلاء رايته قبل أي هدف آخر يتعلق بالمناصب الدنيوية ، غير أ ن بعض الروايات تذكر أن عليا رضي الله عنه كان يرى أنه كان عليهم أن يشركوه في المشورة ، و لكن أبا بكر كانت له مبرراته المنطلقة أساسا من الحرصعلى مصلحة الإسلام و خوفه من الفتن،و على كل حال فإن عليا سرعان ما دخل فيما دخل فه الناس و بايع أبا بكر و صار من أقرب مستشاريه، فالروايات الصحيحة تقول إنه بايع بعد شهر، و عندما نقرأ التاريخ الإسلامي نفاجأ بمدى ثقابة رأي و حكمة نظرة أبي بكر إلى بواطن الأمور ، فبمجرد أن انتشر خبر مرض رسول الله حتى ظهرت الفتن حول الدولة الإسلامية الفتية ، حتى قبل موت الرسول ، فقد ظهر المتنبئون كالأسود العنسي في اليمن ، و مسيلمة الكذاب في اليمامة و طليحة في بني أسد ، كما أن قبائل من الأعراب أعلنت تمردها على دولة الرسول المركزية بخلافة أبي بكر و أعلنت منعها دفع مستحقاتها من الزكاة، فأبو بكر بحسه الرهيف و يقظته و حنكته السياسية، و كذلك باقي الصحابة تفطنوا إلى خطورة أن يصبح المسلمون أو يمسوا و قد انتشر عنهم أنهم باتوا لا خليفة لهم و لا حاكم يسير دفة حكمهم في بحر متلاطم من المؤامرات سواء من داخل شبه الجزيرة أو من خارجها ، سواء من الفرس أو الروم الذين كان يأرقهم هذا المارد الصاعد المتمثل في دين الإسلام الذي أخذت أنواره تكتسح دياجير ظلمات الكفر و الظلم و الاستعباد الذي كانوا يفرضونه علىالشعوب المجاورة خدمة لأطماعهم ، و تكديسا لثرواتهم الطائلة. وواقع الحال أن رسول الله ص  كان قد عقد لواء جيش برئاسة أسامة بن زيد لردع الروم قبيل موته بأيام،بعد أن كان الروم قد قتلوا زيد بن حارثة والد أسامة في معركة مؤتة، بل إن هذا الجيش لم ينفذ إلا في عهد أبي بكرالصديق، و قد ظل ينتظر ما سيسفر عنه مرض رسول الله.
 و مرة أخرى تتجلى شجاعة و حكمة أبي بكر رضي الله عنه الذي جاءه الصحابة، منهم علي وعمر يطلبون منه أن يحل جيش أسامة و يستعمله في الدفاع عن المدينة مما أصبح يتهددها من أخطار من شبه الجزيرة، فقال قولته المشهورة :
و الله ما كنت لأرد جيشا عقد لواءه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكان فيما فعل خير كثير، إذ جعلت القبائل التي كانت تهم بالتمرد تقول : إن أبا بكر لا يعبأ بنا و بقوتنا فهو يتوجه لغزو الروم و مواجهة أعظم و أعتا دولة فارتدعوا و ارعووا .
لقد تنبه أبو بكر بحسه ووعيه السياسي الذي رباه عليه رسول الله إلى خطورة ما يسمى اليوم بالفراغ التشريعي. و في فترة حكمه المباركة التي لم تدم أكثر من سنتين و عدة أشهر استطاع أبو بكر أن يقضي على جميع الفتن و حركات التمرد وبسط الأمان في كل جزيرة العرب ، بل و فتح مناطق شاسعة في العراق و الشام و دخل الناس في عهده إلى الإسلام أفواجا، و ما انتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك الأمة الإسلامية أكثر قوة و أشد منعة ، و أغنى ثروة، و أوسع علما، و أهنأ عيشا ، و لم يأخذ لنفسه من الإمارة شيئا فقد تقمصها غنيا وفارقها فقيرا إلى الله ، و لكنه مضى إلى الله راضيا مرضيا، و عندما توفي وقف علي كرم الله وجهه على جثمانه الشريف وقال له يؤبنه :
 رحمك الله يا أبا بكر! كنت ضعيفا في بدنك قويا في إيمانك.
أنا أعلم أن هناك من يستشهد ببعض الكلام الذي ورد في كتاب نهج البلاغة و الذي ينسبونه إلى علي ، خصوصا تلك الخطبة التي أسموها الشيقشيقية، و التي يقول فيها علي كما يظنون قوله : لقد تقمصها ابن أبي قحافة ( أي أبي بكر ) و إنه ليعلم أن محلي منها كمحل القطب من الرحى ! يعني الخلافة.غير أنه لا أظن أن هناك باحث موضوعي يحترم مقتضيات البحث يستطيع أن يسلم بنسبة هذا الكتاب إلى علي ، فالكتاب غير مجهول مؤلفه فهو الشاعر العباسي الشيعي المعروف بالشريف الرضي و الذي عاش في القرن الخامس!و حتى شارحوا نهج البلاغة قد أقروا بأن أغلبه موضوع على علي و هو من تأليف الشاعر الشريف الرضي و الذي توفي في القرن الخامس الهجري ، بينه و بين علي أكثر من 350 سنة!!و قد اعترف بذلك الباحث أحمد حسن الزيات الذي قال ما نصه :( أن أكثر كتاب نهج البلاغة من صنع الشريف ، لما فيه من التعرض للصحابة بالأذى و الهجر ، و لأن ما فيه من فلسفة الأخلاق و قواعد الاجتماع، و دقة الوصف ، و تكلف الصنعة، ليس في إمكان ذلك العصر و لا في طبعه)تاريخ الادب العربي لأحمد حسن الزيات ص 286 .و الواقع أن الذي يقرأ نهج البلاغة يجد فيه انعكاسا لكل ذلك الجدال الذي كان سائدا في عهد الشريف الرضي بين زعماء علم الكلام ، و الفلاسفة، و انعكاس نظرتهم للكون والإنسان و الحياة !! فلو أننا تأملنا قليلا في الخطبة الأولى التي يتحدث فيها عن ابتداء خلق السماوات و الأرض رأيت عجبا من الأفكار و التصورات البدائية و التي كانت سائد ة عند الإغريق و حملت إلى الحضارة الجديدة في بغداد عبر الترجمة أو عبر بعض الفلاسفة الذين افتتنوا بالفكر الإغريقي ، و ما في هذه الخطبة و بعض الخطب الأخرى يناقض كل آيات الإعجاز القرآني التي تحدثت عن نفس الموضوع مما يعكس تلك النظرة الانهزامية للتراث في مقابل الافتتان الكامل بالفلسفة اليونانية عند بعض المفتونين بها في بغداد و غيرها من الحواضر الإسلامية أيامها.فهو مثلا يصور أن السماوات السبع قد صنعن جميعا من مياه البحر، بعد أن هبت عليها الرياح! فنهج البلاغة أمامي و أنا أقرأ من هذه الخطبة ما يلي :……فأمرها (أي الأرض) بتصفيق الماء الزخار ، و إثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء، و عصفت به عصفها بالفضاء ، ترد أوله إلى آخره، و ساجيه إلى مائره، حتى عب عبابه ورمى بزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق ، و جو منفهق فسوى منه سبع سماوات جعل سفلاهن موجا مكفوفا، و علياهن سقفا محفوظا ، سمكا مرفوعا….إلخ نهج البلاغة ص 89 ( شرح محمد عبده) فالشريف الرضي ينقل هنا تلك النظرة الأسطورية للكون التي كانت سائدة عند الإغريق حث تصوروا أن الأرض مركز للكون، وأن السماوات فوقها لا تعدوا أن تكون في حجمها أقل من الأرض بل هي تكونت من بحار الأرض !!كمن ينفخ في سائل الزجاج فيجف! فأين هذا التصور الخرافي الغارق في البدائية من حقائق القرآن عن الكون ، أين هذا الباطل من قول الحق سبحانه: فلا أقسم بمواقع النجوم ، أي أن النجوم لفرط بعدها عن الأرض لا نرى إلا مواقعها التي كانت فيها منذ مآت أو آلاف أو حتى ملايين السنوات مضت! و أين هذا التصور المضحك من الحديث الذي يقول ما الأرض للكون إلا كحلقة في صحراء ؟ أي الأرض في حجمها إذا ما قورنت بما يتراآى لنا من السماء هو بمثابة حجم خاتم اليد إلى حجم الصحراء الشاسعة.إن من ينسب هذه الخزعبلات إل الإمام علي عليه السلام ليقترف جرما فظيعا في حق صحابي جليل ، و يحقره في أعين العلماء لو صدقوا بنسبة هذا الهراء إليه.و هو و الله منه برئ .
الخلاصة أن النجاة من كل هذا الكم الهائل من الباطل المبثوث في كتب القوم هو في الاعتصام بالقرآن و بأهله الذين صانوا عقيدتهم عن القول بتحريفه ، و النجاة في اتباع سنة الرسول ص الذي قال عنها : تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك . وهي السنة المطهرة المحفوظة في كتب الحديث عند الفرقة الناجية التي قال عنها رسول الله ص : ……..و ستفترق أمتي إلى 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة  قالوا من هي يا رسول الله؟ قال (هي التي تتبع) ما أنا عليه و أصحابي .وواضح أن الذي يحمل في قلبه غلا على أصحاب الرسول كلهم خصوصا عظامهم كأبي بكر و عمر و عثمان لا يتبع ما كان عليه رسول الله و أصحابه.
و في حديث صحيح و متواتر ، قال رسول الله ص : عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين الهادين المهدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ.
بقيت كلمة لا بد من ذكرها ، و هي أن كثيرا من السذج من الناس قد انخدعوا ببعض الجماعات الشيعية التي تحمل شعار معاداة الصهيونية و كانت بالأمس القريب تردد شعار الموت لأمريكا ، و انخدعت بالكذبة المروجة أن الشيعة كانوا دائما مضطهدين ، و بالتالي فهم اليوم من يعادي أمريكا و إسرائيل…. إلخ
و الواقع أن في مثل هذا الكلام تسطيح مسف للموضوع ، و تعميم مجاني لحقيقة الشيعة، فحزب الله الشيعي لا يمثل شيعة العالم بل هو حزب صغير الحجم في لبنان نفسه فكيف بخارجه، و موطن الشيعة الحقيقي هو العراق ففيه النجف و فيه كربلاء و فيه البصرة و الكوفة و العمارة ، و كل الشيعة يحجون إلى مزاراتهم في العراق ، و حتى فضل الله الأب و المرجع الروحي لحزب الله قد درس في النجف و يدين لمرجعيته هناك. إنتهى.
حادثة ذات مغزى
في ففتح مكة لقي العباس عم رسول الله، أبا سفيان وقد أدهشه كثرة نيران المسلمين و هم على مشارف مكة،و قد خاف على نفسه الهلاك لما كان يمثله من رئاسة حزب قريش، فاقترح عليه العباس  أن يردفه فوق بغلة الرسول التي كانت معه،و يذهب به إلى الرسول ليطلب له الأمان، و في طريق عودته به إلى الرسول كان كلما مر بنار للمسلمين كانوا يقولون عم رسول الله و بغلة رسول الله حتى مر على نار عمر بن الخطاب فعرف أن الرديف هو أبو سفيان فقال : أبو سفيان! الحمد له الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد! فأسرع العباس به إلى الرسول يسابق عمر ، فقال عمر للرسول : هذا ابو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه ! و لنترك العباس عم الرسول يتم ما حدث معه:قال (العباس) فقلت : يارسول الله إني قد جرته!ثم جلست إلى رسول الله ص فأخذت برأسه فقلت و الله لا يناجيه اليوم أحد دوني !فلما أكثرفيه عمر ، قلت: مهلا يا عمر ! فوالله ما تصنع هذا إلا لأنه رجل من بني عبد مناف ، و لو كان من بني عدي بن كعب ، ما قلت هذا!فقال عمر:
 مهلا يا عباس ! فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب (أب عمر)لو أسلم ، و ذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم ، .انتهى كلامه.
و في هذه الحادثة عدة دروس ، أهمها أن الذي كان يدافع باستماتة على أبي سفيان و هو رأس و رمز بني أمية هو عم الرسول العباس، أما من كان يريد له الموت بسبب ما كان يمثله من زعامة كيان قريش المحارب للإسلام فهو عمر بن الخطاب ، بينما الشيعة يروجون عكس هذا تماما، فيأفكون أن عمر كان متآمرا مع بني أمية للاستيلاء على الحكم من البداية! و على سخافة هذا القول و خبثه، فإن هناك من السذج والخبثاء من يصدقه.
الدرس الثاني أن بني أمية كبطن من بطون قريش تشترك مع أصل رسول الله في الجد الثالث فهم أبناء العمومة ، فرسول الله صلى الله عليه و سلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .و عبد مناف هذا هو الجد الثالث أيضا لأبي سفيان ، و قد كان رسول الله يرعى هذه القرابة و قد أقر عمه العباس على مراعاتها   .
الدرس الثالث أن عمر رضي الله عنه قد بلغ ذروة الإيمان فأصبحت نفسه لا تهوى إلا ما يهواه الرسول و يريده الإسلام و قد تعالت نفسه عن اعتبارات الدم و العشيرة، فقد كان يفضل أن يسلم العباس عم الرسول أكثر مما كان يحب أن يسلم أبوه الخطاب لما لاحظ من رغبة رسول الله في أن يسلم عمه ، و هذا لعمر الحق ذروة في الإيثار.
كتبهاأحمد الرواس ، في 2 فبراير 2010 الساعة: 11:44 ص




0 التعليقات:

إرسال تعليق