السبت، 23 مارس 2013

وحدة الأمة في توحيد الأهلة/ أحمد الرواس 15 سبتمبر 2010


                       


بحث علمي حول:
 عبثية اختلاف الأهلة بين البلدان الإسلامية/
 من مظاهر التخلف التي ما تزال تصول في ساحة المسلمين ،  هذه الفوضى في  بداية كل شهر قمري . وتتكرر  مظاهر التخلف أكثر عند هلال رمضان وهلال شوال، أو هلال ذي الحجة .. فأعياد المسلمين ، وشعائرهم الدينية التي كان من المفروض أن توحدهم ، وترص  كلمتهم ، وتجمع شعثهم ، قد أمست في ظل تخلف المسلمين- وسيلة لتشتيت كلمتهم ، واختلاف وجهتهم ، فبعض المسلمين يحتفلون بعيد الفطر في بلد إسلامي ، تعمه  مظاهر البهجة والسرور ويستمتع الناس فيه بالطيبات بعد أن يؤدوا صلاة العيد جماعة ، بينما في بلد إسلامي مجاور على حدود تلك الدولة ، ما يزال المسلمون فيه منصرفين إلى أعمالهم، يكابدون الصوم إلى اليوم التالي، أو حتى اليوم الذي بعده !!
وفي يوم عرفة، بينما جموع المسلمين الذين أتوا إلى الحج من جميع أنحاء المعمورة يقفون في عرفات، فإن بلدان إسلامية أخرى يتأجل فيها يوم عرفة إلى يوم أو أكثر، بعض هذه الدول لا يفصلها عن البلد الآخر سوى أمتار قليلة. كدول الخليج والسعودية، والأردن وسوريا والعراق !
و قد أدى التنكب للعقل، والإسراف في النظرة التجزيئية، إلى أمر لا يصدق حيث في بعض السنوات بلغ عدد الأيام التي تفصل ما بين بعض الدول الإسلامية إلى 3 أيام بل أربعة أيام!
ففي سنة 1999 أفطرت نيجيريا يوم الجمعة 6/1/1999
والسعودية والأردن ودول الخليج يوم السبت !
و مصر و المغرب والجزائر و تونس و غيرها يوم الأحد!

و الهند والباكستان يوم الإثنين!!  المصدر : كتاب:  بيان حكم اختلاف المطالع والحساب الفلكي.  المؤلف:  سامي وديع عبد الفتاح القدومي.   

نلاحظ أن الترتيب الزمني لرؤية الهلال كان عكس مسار و اتجاه رؤية الهلال ، كما يحدث في كثير من الأحيان !  
و في رمضان 1409 ه ثبتت رؤية هلال رمضان يوم الخميس الموافق 6 أبريل 1989 في كل من السعودية و الكويت، و قطر و البحرين و تونس و غيرها، أما مصر و الأردن و العراق و الجزائر و المغرب و غيرها فيوم الجمعة.
أما باكستان و الهند و عمان و إيران و غيرها فيوم السبت!
هذا ما يترتب من فرقة و فساد على من يفتي في الجغرافيا من لا يفقه في علمها حديثا!   




فما هي أسباب هذه الفرقة المعيبة؟ و ما هي علة هذا العبث المشين ؟ إن الذي خلق الشمس هو من خلق القمر … والذي قال : "هو الذي جعل الشمس ضياء "  هو الذي قال بعدها : "…والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" و هو الذي قال في تحريض جلي على المقاربة العلمية لحركة الأفلاك : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس و الحج " و قال في سورة الرحمن : " الشمسوالقمر بحسبان"  فما بال بعض علماء المسلمين غفلوا وتخلفوا عن العلوم الكونية القائمة على علم الحساب؟ وما بال الغربيين اعتمدوا التقويم الشمسي فوحدهم ونظم حسابهم وتقويمهم ، ودراساتهم وخططهم المستقبلية، و بوأهم المكانة الأسمى في سلم التقدم و التنظيم و القوة، بينما صرنا نحن المسلمون عالة مستجدين لدقة حساباتهم ، وتقويمهم بعد أن أفسدنا تقويمنا الهجري القمري وقد استأمناه الإسلام؟


إن العرب والمسلمين، بتخلفهم عن مقاصد الشرع المنيف، أثبتوا لمن حولهم من الأمم أنهم ليسوا أكفاءعلى التقويم القمري، والتاريخ الهجري ،فهو - في يدهم -لا يصلح لتنظيم المجتمع ، ولا للتخطيط الرياضي الدقيق، ولا للخطط المستقبلية … فما  زلنا نبني حساباتنا وخططنا التعليمية ، والاقتصادية ، والعلمية على الاحتمالات المتعددة المتكررة عند نهاية كل شهر قمري ، و الذي يزيد الفرق فيها بين بعض الدول الإسلامية  أحيانا على ثلاثة أيام!! كما أسلفت . وهذا التهور والتخلف ، فرضا على أفراد وجماعات أمتنا عسرا ، وضنكا في العيش و حرجافالموظفون المهاجرون، سواء داخل الوطن أو خارجه، في التعليم أو الإدارة أو أية وظائف أخرى، يفرض عليهم هذا الواقع …أن يؤجلوا سفرهم لرؤية ذويهم ،وأحبابهم إلى حلول الليل! ليعرفوا ماذا سيكون عليه اليوم التالي؟! فإن كان عيدا سافروا وإن كان يوما عاديا وجب عليهم الحضور للعمل؟ و في كثير من الأحيان تقع كوارث بسبب ذلك! سواء بالإفراط في السرعة لمن فرض عليهم السفر في آخر لحظة، وهم على بعد مآت الكيلومترات عن ذويهم وأحبائهم .. أو بسبب تفرق الشمل . كما أن كثيرا منهم تفوتهم القطارات ،والطائرات فيحرمون من رؤية ذويهم في لحظات الفرحة العامة .. وأمثلة الحرج و الضنك كثيرة . فمن المسئول عن كل ذلك؟ ألا إنني أشهد أن الإسلام  بريء من كل ذلك .. بل المسؤول هو تخلف واقع المسلمين و تخلف بعض الفقهاء في المقام الأول ..
إن العلم لو اعتمدناه لاستطعنا أن نعرف في أي يوم من الأسبوع سيكون عيد الفطر أو عيد الأضحى أو أي شهر قمري آخر في عام 5010 وليس 2010 فحسب، ولكن بعض فقهائنا -وبعد أن تخلفوا عن ركب العلوم البحتة و طلقوها منذ زمن سحيق ..أدخلوا الأمة في مضايق من المعوقات الفكرية و الفقهية  يصعب الفكاك منها… 
شبهة اختلاف المطالع :
إن الفقهاء الذين يحولون ما بين الأمة وتوحيد شعائرها ،يتعللون بما يسمونه باختلاف المطالع .. فإذا ما سألتهم : ما هي ضوابط وحدود هذه المطالع …لم ينبس أحدهم ببنت شفة …لأنهم ببساطة لا يفقهون في علم الفلك حديثا . وأصبحت المطالع التي يعنونها عمليا  هي الحدود السياسية مابين الدول، كبرت أو صغرت!! فالسعودية -طبقا لهذا المفهوم- لها مطلع واحد ، رغم أنك لو وضعت ضمن خارطتها جميع دول الخليج والأردن ولبنان وفلسطين وسوريا و حتى العراق لوسعتهم جميعا ؟ و نفس الشيء يقال عن السودان و ليبيا و الجزائر.
ولا أدل على ذلك من كوننا لم نسمع أحدا من الفقهاء في السعودية أو في غيرها يقول باختلاف مطالع الهلال ما بين تبوك و الطريف في الشمال الغربي ، ونجران أو الشراورة في الجنوب الشرقي . رغم أن المسافة بينهما تزيد على 1900 كيلومتر … بينما يقولون باختلاف المطالع مابين السعودية ومصر .. وليس بينهما سوى شريط ضيق من البحر الأحمر في خليج العقبة ..  وبينها وبين الأردن و اليمن و العراق و الإمارات وسلطنة عمان و الكويت، وهي جميعها  ملاصقة للسعودية .. فبأي معيار جغرافي أو حساب فلكي أو هدي رباني يقيس به هؤلاء الفقهاء أمورهم؟! وإذا اقتربنا من هذا الموضوع علميا ، ولاحظنا- كخطوة أولى وأساسية- خرائط مجال رؤية الهلال فوق لكرة الأرضية، كما هي منشورة في كثير من المواقع العلمية المتخصصة ، ندرك أن مجال رؤية الهلال بعد ولادته، وبالتحديد في مرحلة إمكانية الرؤية المجردة … أن هذا المجال يتسع أحيانا ليشمل معظم الأرض . فمجال رؤية الهلال –هلال شوال لهذه السنة 1431 ه امتد من القطب الجنوبي حتى الدول الاسكندينافية في الشمال.. فالأرض كلها كانت مطلعا واحدا .. لا اختلاف أساسي جوهري فيه . وإذا ما تأملنا في حقائق علمية بسيطة عن الأرض والقمر نلاحظ أن حجم القمر هوعلى الربع من حجم الأرض ، و المسافة بينهما لا تتعدى 373 ألف كيلومتر، والهلال يمتد ليشمل ثلث قطر القمر تقريبا في اليوم الأول من رؤيته .. فنحن أمامنا أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر من المساحة المضاءة المواجهة لنا من مساحة القمر .. ونظرا لقرب القمر من الأرض وعدم ابتعاده عن مجالها .. فإن مجال رؤيته ومطالعه في الغالب تكون واحدة في معظم الدول الإسلامية والعربية ..أنظر الصورة رقم1
                                         الصورة رقم 1     ترجمته عن الموقع العلمي العالمي المميز
                                                           للفزيائي الفلكي المشهور الدكتور شوكت خان. 
وأغلب المناطق التي تعسر فيها رؤية الهلال هي المناطق الشمالية من الأرض ؟ !  لأن الهلال أو القمرفي الغالب يميل نحو جنوب خط الاستواء . وبالتالي كلما توغلنا في شمال الأرض كلما عسرت الرؤيا المجردة ، وفي الغالب تستحيل الرؤيا المجردة ،وتقتصر على المراصد الفلكية أو المناظر.
ربما يستشكل على بعض القراء هذه الأشكال البيضاوية لمجالات رؤية الهلال فوق سطح الأرض ، لماذا هي بهذا الشكل؟ ولماذا تضيق شرقا وتتسع غربا ؟و الجواب على ذلك تفسره كروية الأرض وانزلاق زوايا الرؤيا على حافتي الأرض سواء على جانبي خطوط الطول أو خطوط العرض. كما و يتمثل الجواب في كون الهلال يكون في بدأ ظهوره دقيقا لا يكاد يراه إلا ذووا البصر الحاد في منطقة تبتدئ ضيقة ثم تأخذ في الاتساع مع كل دقيقة وساعة تمر فتزداد مساحته المضاءة المواجهة لنا و المتحررة من تعامد الشمس مع كل من القمر و الأرض.  أنظر صورة رقم 2
  الصورة رقم 2
ففي 3 ساعات يكون القمر قد قطع فيها 10800 كيلومتر تقريبا في مداره بعيدا عن التعامد.
فالهلال لا يمكن رؤيته إذا كان يتوسط الخط المستقيم بين الأرض والشمس ، و تبدأ إمكانية رؤيته بالعين المجردة بعد أن ينزاح شرق ذلك الخط وتسمى الفترة الزمنية التي يستغرقها القمر في تحرره من ذلك التعامد فترة المحاق ، و تستغرق بضع ساعات ، و لذلك فهناك فرق زمني ما بين ولادة الهلال و إمكانية رؤيته المجردة، وتختلف هذه الفترة حسب منازل القمر و موقعه من  الأرض باختلاف الفصول و الأعوام ، وبموقع الأرض في مدارها حول الشمس.
و على هذا فمن المقرر علميا أن الدول التي تقع في غرب الأرض مؤهلة لرؤية الهلال أكثر من نظيرتها الواقعة في الشرق . فالمغرب العربي مثلا خصوصا المغرب الأقصى فرصته لرؤية الهلال أفضل من فرصة دول المشرق ، مثل اليمن و السعودية، نظرا للفرق الزمني البالغ 3 ساعات ما بين المغرب و السعودية فهذه الفترة الزمنية لها تأثيرها في زيادة مساحة الضوء المطلة علينا من القمر، أو بعبارة أخرى: المساحة التي يقطعها القمر بعيدا عن تعامده مع الشمس و الأرض. فالمغرب مؤهل جغرافيا أن يكون مرجعا للعالم الإسلامي في توحيد الرؤيا، و الخروج من هذه الفوضوية في التقويم الهجري ،خصوصا وهو يمتد على طول أكثر من 3 آلاف كيلومتر من الشمال إلى الجنوب ، و من طنجة المطلة على مشارف أوروبا إلى الكويرة المطلة على إفريقيا السوداء.   
وبالعودة إلى التعليلات الشرعية التي يتشبث بها البعض من الفقهاء ، فإنه للإنصاف أقول بأن الغالبية من الفقهاء، حتى في القديم وأيام غياب الفتوحات العلمية ، يقولون بتوحيد الرؤيا .. نظرا لوجود أدلة كثيرة جدا تدل على ذلك منها قوله تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه "  فالخطاب موجه للمسلمين كافة ، في أي بلد كانوا ..وأمر :" فليصمه" يفهم منه صوم جميع المسلمين … فلم يقل أحد أبدا بوجوب الصيام فقط على الذين باشروا رؤية الهلال دون غيره .. فرؤية الهلال ليست فرض عين ، بل هي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، والمسلمون ينهض بذمتهم أدناهم ، كما هو معروف .. فحتى الذين يقولون باختلاف المطالع لكل بلد لم يقل أحد منهم بوجوب رؤية الهلال على كل فرد مسلم .. فإذن لا إشكال كون "فليصمه" تنصرف لتشمل جميع أفراد المسلمين ..
ومن الأدلة أيضا : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  : *  صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته * وقوله : *الصوم يوم يصوم الناس ، والفطر يوم يفطر الناس *….الخ ،  ومفهومه يدل على لزوم جماعة المسلمين ، والحرص على توحيد هذه الشعيرة العظيمة وعدم تفريق كلمة المسلمين وصورتهم أمام العالم …
غير أن بعض الفقهاء .. أعرضوا عن كل هذه الأدلة البينة الواضحة التي تدعوا إلى الوحدة وتشبثوا بقول منسوب لابن عباس *الذي رفض العمل برؤية معاوية في الشام ، وقد كان بين معاوية وبين آل العباس والعلويين ما لا يخفى من الصراع والحرب و الخبر يقول:
"عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام فقال : قدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيته ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما أو نراه فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية ؟ فقال لا هكذا أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام.
و علل هذا الموقف من ابن عباس الإمام الشوكاني ، أحسن تعليل وأخرجه أحسن إخراج حيث قال (في نيل الأوطار): "واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ : ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين  كما أن حديث أبي هريرة (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) رواه البخاري ومسلم
و كذلك مارواه الترمذي في سننه ،حديث 802 عن الرسول ص  :الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس »
مما يدل بوضوح تام دعوة الإسلام إلى توحيد شعائر المسلمين من صيام و فطر و أضحية
فلا دليل في قول ابن عباس رضي الله عنهما على اختلاف المطالع.
بل قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ما ينفي اعتبار اختلاف المطالع في حديث صحيح صريح، وهو كالتالي :"عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنِي عُمُومَةٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ وَأَنْ يَخْرُجُوا لِعِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ .
( أحمد :19675،13463 ) ( النسائي : 1539 ) ( ابن ماجه : 1643 )
فلم يسألهم النبي ص عن المسافة التي كانوا عندها لما رأوا الهلال ، كما أنه لا أحد من الفقهاء قد حدد معيارا توزن به هذه المطالع وكم عددها، ليبقى الحديث حجة دامغة في نفي اعتبار اختلاف المطالع.
و المعلوم أن المشهور في المذاهب الأربعة هو تعميم الرؤيا، فقد قال القرافي: " إن المالكية جعلوا رؤية الهلال في بلد من البلاد سبباً لوجوب الصوم على جميع أقطار الأرض ، ووافقتهم الحنابلة "
وقال أحمد شاكر في كتابه : -  أوائل الشهور العربية :ص 17 – 20 "  والبديهي الذي لا يحتاج إلى دليل أن أوائل الشهور لا تختلف باختلاف الأقطار أو تباعدها ، وإن اختلفت مطالع القمر ؛ فإذا غابالقمر بعد مغيب الشمس فقد دخل الشهر وبدأ الصيام…". و قبل ذلك قال : " بل الظاهر لنا من نقول بعض الناقلين أن أكثر الفقهاء لا يعتبرون اختلاف المطالع ، كما نقل النووي عن ابن المنذر ، مما يفهم منه أنه قول الأئمة الأربعة والليث بن سعد،و إن اختلف أتباعهم فيه بعد ذلك "
وقال ابن قدامة : " فصل : وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم ، وهذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعي . الفروع:ج3/ص12
. وغريب أن يدع بعض الناس أدلة دامغة ، وأوامر جلية بلزوم الوحدة ، والحفاظ على الألفة ، ثم ينصرفون إلى أدلة تحتمل و تحتمل، و ما احتمل واحتمل سقط به الاستدلال كما هو معروف عند علماء الأصول. ، ولا أظن أن الله الذي أنزل دينا من أهدافه الكبرى الوحدة بين أتباعه ، ورص الصفوف والحفاظ على جميع مظاهر هذه الوحدة .. لا أظن أن الله الذي امتن على المومنين بتأليف ما بين قلوبهم ، سيبعث رجلا هو كريب مولى بن عباس ليحول ما بينهم وبين هذه الوحدةإلى الأبد.
اختلاف المطالع أم اختلاف المطامع؟ : بالعودة إلى موضوع اختلاف المطالع الغامض هذا، نجد أنه لا ينسجم لا مع الشرع ، ولا مع العلم ، ولامع الواقع ..
فمن الناحية الجغرافية فإن كثيرا من دول العالم يتداخل بعضها في جغرافية بعض، سواء عبر خطوط الطول أو عبر خطوط العرض …
فلو نظرنا إلى خارطة ماليزيا مثلا ( أنظر صورة رقم 3) التالية.Indonisia  لوجدناها تقع ضمن خطوط الطول، وخطوط العرض لأندونيسيا التي تمتد سيادتها على أكثر من 5 ألف كيلومتر في المحيط الهادي.. فكيف يصوغ أن يكون هناك اختلاف في المطالع مابين ماليزيا واندونيسيا التي تحتويها ؟ كما أن جغرافيا المغرب أو حدوده متداخلة مع تلك التي للجزائر .. فالقبائل التي تسكن في أقصى الجنوب الغربي لصحراء الجزائر، في قبائل الحمادة و تندوف ، تتجاوز خطوط الطول التي تقع عليها معظم المدن المغربية مثل وجدة والناظور والحسيمة وتازة ، وفاس ومكناس وتطوان و مراكش و الرباط وحتى طنجة في أقصى الشمال الغربي للمغرب ..أنظر صورة رقم 4 التالية:
الصورة رقم 4
فكيف يصوغ أن تختلف مطالع الهلال مابين هذين البلدين المجاورين ، والمتداخلين جغرافيا؟ كما أننا لو نظرنا إلى خارطة تونس لوجدنا نصفها الغربي يقع ضمن جغرافية الجزائر بينما شطرها الشرقي يقع ضمن جغرافية ليبيا! فكيف يصح في العقل أن يكون لتونس مطلع خاص للهلال يختلف عن ذاك الذي للجزائر وليبيا !!؟ 
وتنكشف فضيحة هذه النظرة التجزيئية أكثر ما تنكشف في المدن الحدودية بين الدول العربية  والإسلامية . فسكان الجزائر يقطعون عدة أمتار من الحدود ليتسوقوا من مدينة وجدة المغربية- قبل أن تغلق الجزائر الحدود- ليعدوا فطورهم في أول يوم رمضان ، بينما إخوانهم المغاربة في الجهة المقابلة من الحدود يأكلون ويشربون، أو العكس! وما يقال عن وجدة يقال عن مدينة السلوم  ما بين مصر وليبيا و منطقة حلايب في السودان ومصر …الخ
وهكذا، وبوضوح تام نرى أن بعض الفقهاء –فقهاء التجزئة – جعلوا من واقع تجزئة العالم الإسلامي ، وحدوده السياسية واقعا يبرر تجزئة الأمة في أهم شعائرها الدينية،و مظاهرها الوحدوية، وأصبح لاتفاقية سايكس  بيكو المشؤومة ، اعتبارها الفقهي! فألبسوها لبوس اختلاف المطالع ،ونقبوا لها في التراث ما يهادن واقعها، ورتبوا على أساسها أحكاما فقهية من حيث لا يشعرون !!
كما وينكشف عوار هذه التعلات بالافتراضات التالية :
هب أن الدول الإسلامية والعربية أقامت، وحدة ولو فدرالية ما بينها ، فهل سيتحدث أحد من هؤلاء الفقهاء عن اختلاف المطالع داخل حدود دولة فدرالية واحدة ؟ ثم دعنا نفترض افتراضا معاكسا ، ماذا لا سمح الله وتجزأت دول إسلامية كبرى مثل السعودية والسودان والجزائر إلى إمارات ودول، كما يأمل الصهاينة ؟ وكما تقتضي خططهم التآمرية مثل خطة الشرق الأوسط الجديد وغيرها، ماذا سيكون موقف المطالعيين؟. التحليل الواقعي يفترض أن يقروا باختلاف المطالع بين هذه  الإمارات والدول..
فصوتهم إذن يعلو لتبرير التجزئة بينما يخرس أمام  الوحدة ، والنتيجة أن هذا الموقف – بوعي أو بغيره- يدور مع الأنظمة حيث دارت .
 فلو أن هؤلاء الفقهاء المطالعيين  نادوا باختلاف المطالع في دولة واحدة فقالوا مثلا باختلاف المطالع مابين الجنوب الشرقي للسعودية والشمال الغربي، أو مابين شمال السودان وجنوبه ،أو شرق ليبيا وغربها لكان لقولهم وجاهة الشبهة العلمية .. هذا إن كان للشبهة أية وجاهة .. ولكنهم لما التفتوا حول واقع التجزئة ، فقد أصبحوا مبررين لهذا الواقع المزري عن وعي منهم أو عن غيره.
بقي أن أشير إلى أنني لا أدعوا إلى أن يأخذ أفراد الأمة المبادرة فيخالفون ما عليه شعوبهم ووزارات أوقافهم، فإن ذلك قد يستبطن مفسدة أعظم ، ويحدث بلبلة بين الناس البسطاء ، وخطابي موجه إلى فقهاء الأمة وعلمائها و مصلحيها و القيمين عليها أن يعملوا علىتجاوز هذه الفرقة، و يردوا للهلال اعتباره، و للتقويم الهجري مكانته الحضارية ، فخطابي على مستوى الأمة و ليس على مستوى الأفراد، أوبلد بعينه. و إنني في هذا المضمار أثمن الجهود التي تبذلها فضائية الرسالة في دعوتها لعلماء الأمة كي يوحدوا رؤية الهلال فتتوحد شعائرنا الدينية من أعياد و صوم بدل هذا الشتات، ولعله يلتقط هذه الدعوة في مستقبل الأيام من يأخذ على عاتقه توحيد صف المسلمين من العلماء و الحكام. قل عسى أن يكون قريبا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق