الأربعاء، 27 مارس 2013

مهزلة مجلس الشعب السوري و درس في طبائع الاستبداد و مصارع العباد - أ الرواس


  إنتظرالمراقبون طويلا ذلك الخطاب الذي وعد به حاكم سوريا بعد المجازر التي أحدثها أعوانه في الشعب السوري الذي خرج مطالبا بحقوقه المشروعة في الحرية و رفع التمييز و إنهاء  الديكتاتورية، و إيقاف نزيف النهب الذي يمارسه النظام على أيدي عائلة الرئيس و أهل طائفته العلوية النصيرية، و ظن بعض من كان تحت تخدير خطابات بشار و مسوحاتها الثقافية أن الخطاب قد يحدث انفراجا، و يسفر عن إحداث إصلاحات جذرية تقترب من الديمقراطية و تنفتح على الشعب السوري، إلا أن الخطاب جاء مخيبا لكل الآمال، و لم يرض  إلا تلك الفئة التي ما تزال الأوهام تعشش في تلافيف أدمغتها  من الناعسين الذين نومهم الخطاب الثلاثي نجاد- نصر الله -بشار.

ربما تأخر الخطاب كان بسبب انهماك النظام السوري  في ترتيب واجهة النظام، و تثبيت دعائم الخدعة في النفوس،لتكون خلفية ملازمة لذلك الخطاب أراد بشار أن يضع صورته وسطها، فلا تفارق مخيلة المستمعين، فقد قام النظام بحشد كل موظفيه و أعضاء الحزب الحاكم و طلاب المعاهد و تلاميذ المدارس و أهل طائفته، و جنوده باللباس المدني و حشد وسائل الإعلام لتصوير المؤيدين في زوايا مناسبة و طبع مآت الآلاف من صور الزعيم الشمولي الأوحد و توزيعها أو حتى إلزام الناس بحملها، و كل المتظاهرين كانوا يرددون عبارات استعدادهم لفدائه بدمائهم وأرواحهم، فهو الزعيم الأوحد الذي جادت به الأقدار على الشعب السوري الذي قدر عليه أن يرزح تحت نير ظلم عائلة الأسد و طائفته النصيرية منذ أكثر من نصف قرن حتى الآن. ذلك ليخرج النظام و أعوانه ليقولوا أن الملايين خرجت تؤيد الزعيم الأوحد الذي عقمت أمهات بلاد الشام أن تلد مثله!و هكذا جاءت شعارات لا للطائفية لترسي دعائم حكم الطائفية.
و جاء الأسد إلى عرينه، إلى مجلس الشعب السوري، و ما أدراك ما مجلس الشعب السوري، مجلس لا ينصب فيه إلا من ارتضته جموع أجهزة المخابرات، و اجتاز كل حواجز رجال المباحث التي تبتدئ من مخابرات الحي إلى المخابرات العامة، مجلس بارع في عبادة الحاكم الفرد، مجلس يخيل للمرء و هو يشهده أنه انتخب للتصفيق و التهليل و التبشير ببشار، إنه المجلس الذي حطم الرقم القياسي في سرعة تغيير بنود الدستور لتلائم مقاس الرئيس الجديد! ففي ظرف ساعات محيت المادة 83 التي تنص على أن عمر الرئيس يجب أن يكون 40 سنة فأكثر لتصبح 32 سنة كما تنص على ذلك شهادة ميلاد بشار! المعتمدة في التوريث في الجملوكية السورية.
لقد كانت المادة 83 السابقة تستجيب لأمل والد الأسد أن يعمرطويلا  دون أي أمل في ترك الحكم إلا بعد الثمانين، و من يبلغ ثمانين حولا لا أب لك يسئم! ويكون ولده بشار قد بلغ أشده و بلغ أربعين سنة! لكن الموت عاجله في عقده السابع، فمضى إلى ربه يسأله عن 30 الف بريء قتلهم في حماة بأي ذنب قتلهم،و عشرات الآلاف آخرين أبادهم خلال حكمه بأي ذنب قد أبادهم. يوم يقال:" و قفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تتناصرون بل هم اليوم مستسلمون "
لم يحمل خطاب بشار أي جديد، بل جاء ناكثا لكل الوعود التي داعبت بها مستشارته بثينة أياما قبل الخطاب، و لم يخرج عن تلك الخطابات التي عهدناها من زملائه من الحكام الجبريين من مضى منهم و من بقي، فقد اشتمل على العناصر الأساسية في أي خطاب ديكتاتوري: تخوين المحتجين، و تشطير صفوفهم  و تبرير القتل فيمن قتل منهم، ترغيب الشعب و إطماعه في إصلاحات و نمو وازدهار و وعود و أحلام، ترهيب  و توعد من يعود للإحتجاج. و في اليوم التالي للخطاب أكد النظام على دمويته فقتل العديد من المحتجين مرة أخرى ليثبت للعالم أن الأنظمة الشمولية لا يمكن أن تنسلخ يوما عن جلدها. لم يخرج خطاب بشار المحفوف كل سطر فيه بضجة مفتعلة من التصفيق و ترديد الشعارات كما لو كان الذي يخطب فيهم ليسوا نواب شعب سالت دماؤه جداول في درعا  و الاذقية و مختلف المدن السورية، و ما تزال مستشفياته تمتلأ- بمآت الجرحى منهم، و إنما مهرجين  يحضرون حفلة صاخبة ! فقد ركز بشار على أن الذي يحدث في سوريا هو مؤامرة تحيكها أيادي خارجية! قريبة و بعيدة لها  عناصر داخلية تعتمد عليها، و هكذا تحول الشهداء الذين قتلهم النظام في درعا إلى مجرد قلة من أدوات المؤامرة، مناقضا الرواية الأولى التي أذاعها نظامه من كون الذين قتلوا في درعا  قتلتهم عصابات إجرامية كانت تحتل المسجد العمري و تكدس فيه الأسلحة! و نفس الرواية تتكرر في مدينة الاذقية! قلة من المتطرفين تطلق النار على المتظاهرين سلميا و تقتل عددا منهم محاولة بث الحررب الطائفية!  لست أدري ما تفسير النظام السوري لكون هذه الجماعات المفترض فيها معاداتها للنظام لا تقوم بأنشطتها الإرهابية إلا ضد المحتجين على الحكومة، و لم يسمع لها صوت ضد أي من المتظاهرين المؤيدين للنظام السوري!؟
المنوّبين – هكذا و ليس نواب- في مجلس الشعب السوري الذي أمسى خلال خطاب الرئيس، سوق عكاظ للشعر المبتذل، لم ينطق أحدهم بكلمة لصالح الشعب السوري و لا لصالح الشهداء و لم يلق فيهم أحد شعرا ولا نثرا، أما الرئيس المبجل و القائد الأوحد فقد كانت طلعته مفجرة لقرائح شعراء مجلس الشعر-أقصد الشعب- والي النعمة و الواهب لهم بالخدمة! فانطلقوا في مسار التملق  يهرولون و في دركات التزلّف ينحدرون، و كل نائب يحاول بزّ أخيه في المبالغة في التزلّف، وأراد أحدهم أن يكتب اسمه على رأس قائمة المدّاحين، لتكون له بذلك عند سيده حظوة و ينعم منه بلفتة! فجادت قريحته بالقول بأن رئاسة العرب قليلة عليه و إنما كان الواجب على العالم أن ينصبه رئيسا عليه، و كأن لسان حاله يقول، إنك أيها الرئيس أعظم شأنا من أن تكون رئيسا لهذا الشعب السوري أو حتى العربي، فهم أحقر من أن يكونوا لك مرؤسين لأنك أعظم من أن تكون لهم رئيسا، فالشعب السوري قليلون على رئاستك. و أصغر شأنا عن فهم عبقريتك!
 فالشعب السوري ليست له أية قيمة في معادلة أولئك المتملقين فشعارهم الذي يجابهون به الشعب هو:
الله سوريا بشار و بس في مقابل: الله سوريا حرية و بس الذي يردده أفراد الشعب السوري المحتج. فمن يوصله النظام إلى عضوية ذلك المهرجان المسمى بمجلس الشعب يكون قد قطع به التزلّف مسافات سحيقة لا يمكن أن تبلغ مسامعه  فيها أصوات الشعب الذي يدعي تمثيله! و لا يمكن أن يرى في ذلك المجلس غير الرئيس، على هذا تربي الأحزاب الشمولية العتيدة أعضاءها، و حزب البعث من أبرز بقاياها المنقرضة. و لن يطمئن مسؤولوا حزب البعث و شيوخه بغير الولاء المتفاني والمقدس لشخص الرئيس.هذا الوضع المزري يذكرنا بسر تلك القوة من البطش التي يمتلكها المستبد، و التي كتب عنها عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الرائع: طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد، و كذلك كتب عنها بجدارة العالم الشاب الفرنسي أتيين لا بواسييه في كتابه : (العبودية المختارة) The Chosen Enslavement عام 1562 و الذي سلط فيه الضوءعلى ذلك السر الذي يتمثل في أن المستبد لا يملك أية قوة فعلية و إنما قوته يستمدها ممن هم حوله في دوائر تتدرج حلقات هرمية تبتدئ صغيرة و تتسع كلما ابتعدت عن الرئيس أو الحاكم، و يحكمها و يؤلف بينها المصالح و المكاسب و المنافع المادية و السلطوية. و هذا ما نلاحظه في كل نظام استبدادي و حكم فردي، فالحكم في سوريا ليس حكما شعبيا، و إنما حكم عائلي، استولى في بدايته حافظ الأسد على الحكم بانقلاب، ثم قرب إليه عائلته و أعوانه و كذلك يفعل إبنه بشار الأسد فهو قرب إليه أفراد العائلة فمكنهم من إدارة دفة الحكم، بل و أطلق أيديهم في خيرات الشعب السوري يغترفون منها ما يشاءون، حتى باتوا من أثرى الأثرياء في بلاد الشام، و حالة سوريا في الفساد المالي شبيهة لحالة تونس و مصر ، فابن خالة الرئيس رامي مخلوف  يعد من ملياريي العالم، فهو يمسك بأكبر الشركات المربحة بسوريا، كشركة الهواتف النقالة " سوريا تل" مثلا، و تقول بعض التقارير أن هناك عضو بمجلس الشعب يقضي عقوبة 5 سنوات في السجن لأنه قام بانتقاد الطريقة التي تدير بها شركته الأمور. و قريب من هذا أعداد أخرى من عائلة الرئيس، و أخ الرئيس ماهر الأسد قائد اللواء41 في الجيش السوري و الذي يقال بأن سلطاته تتجاوز حتى سلطة أخيه بشار، و هو يمثل الجانب المتطرف في حزب البحث الحاكم.
لقد أثبت أعضاء ما يسمى بمجلس الشعب السوري أنهم لا يمثلون الشعب بل يمثلون الحزب الحاكم، و ما يقوم به هؤلاء النواب و تقوم به بطانته و المقربين منه هو أسوأ ما يمكن أن يقدم للرئيس من تزييف للحقائق، و تأليب له على معارضي الفساد في دولته، و تزيين أعماله في عينه مهما كانت طالحة و مسرفة في الخطإ،لأنها تفقد الحاكم البوصلة فيتيه في صلف عن العباد و يشمخ بأنفه لا يعتد إلا بعبقريته المدعاة التي شهد بها المتزلفون من حوله، و كلما ازداد تزيينهم لأعماله و تعظيمهم لأفعاله، كلما زادت نقمته على من يعارضه،و عظّم جرم معارضته في حسه، و زادت نقمته على من  ينتقد شيئا من حماقاته، حتى يصبح إزهاق أرواح المعارضين في صخب جوقة المتزلفين قضية مبررة. و يبدأ الحاكم في مسلسل احتقار المعارضين حتى ليغدون له مجرد جرذان يجب سحقهم كما صرح القذافي و ابنه.
يقال إن رئيسا مستبدا خرج في رحلة صيد برّي برفقة المتزلفين من المقربين و الحاشية، و كانوا كلما أصابت طلقة الرئيس الأوحد الهدف، و أصاب طريدته ضجّوا: ما أبرعك في إصابة الهدف ياسيد الرماة! فإذا أخطأ الهدف: ضجوا: ما أرحمك و ما أرأفك بالحيوانات  ياسيد الرحماء! فقد عفا عنها سيدي!.
و لذلك فقد كان المنافقون و المتزلفون محرضين على الاستبداد و الظلم على مرّ التاريخ، و أحب أن أختم بهذه الحادثة اللطيفة:  فقد ذكرت كتب التاريخ أنه جيء بامرأة خارجية إلى الحجاج، فلما تكلمت ببلاغة و عرضت حججها المناوئة له قال للمتزلفين من حوله: ما تشيرون علي بشأن هذه المرأة؟ فقالوا عالجها بالقتل أيها الأمير لجرأتها! فقالت المرأة: لقد كان وزراء صاحبك خيرا من أصحابك. فقال: من صاحبي هذا قالت: فرعون! فقد استشارهم في موسى و أخيه فقالوا: أرجه و أخاه و ابعث في المدائن حاشرين.
الكل كان يعرف طبيعة الحكم في النظام السوري، لكن لعل أهم درس سيستفيده بعض ضحايا الإعلام المضلل لحزب الله هو مواقفه المتزلفة للنظام الطائفي في سوريا، و تخوينه للأحرار من الشعب السوري المنادي بالحرية، فقد تحولت قناة المنار إلى صوت معادي لتطلعات الشعب السوري، بل و تحول مذيعوها و مذيعاتها إلى طعّانين بخناجر مسمومة من الدعاية المضادة في خاصرة حركة الاحتجاج، و مؤلبين للنظام البعثي السوري، و بهذا يظهر بجلاء حقيقة هذا الحزب الطائفية، و نفاقه و ازدواجيته الفاضحة، فهو يقيم الدنيا و لا يقعدها من أجل أبناء طائفته في البحرين و الذين يتمتعون بحقوق اقتصادية و سياسية لا ينعم الشعب السوري بعشرها، كما أنه لم يقتل منهم معشار ما قتل في سوريا، و مع ذلك لم يكتف الحزب بالسكوت على جرائم النظام البعثي السوري بل شارك في حملات التضليل و التشفي في دماء الشهداء و رميهم بالطائفية و العمالة لأعداء المقاومة. لن ينس الشعب السوري البطل هذا التكالب و التأليب من طرف حزب الله و من طرف إيران، و سوف يأتي اليوم الذي يتحرر فيه الشعب السوري من الظلم و الاستبداد، عندها لن يكون في مقدور لا إيران و لا حزب الله أن يجوسوا خلال الديار في سوريا، عندها فقط ستفتضح خيوط اللعبة كاملة و يكتشف العالم حقيقة العلاقة التي تربط هذه الأطراف مع بعضها ولأية أهداف؟!

 تعليق واحد على “دروس من مسرح مجلس الشعب السوري/ أحمد الرواس”
  1. معروف النظام البعثي العلوي ، ولم نكن نعول على خطاب بشار مهما حاول فقد كذب كثيرا ولم يعد أحدا يصدقه
    اليوم يحاول بشار اللعب على ورقة الأكراد وشراء ذمتهم بإعطائهم الجنسية بعد أن حرمو منها 50 عاما ويزيد
    هل صحى ضميره فجأة ؟!! ولكن كان موقفهم مشرفا
    وخطاب بشار في مجلس الدمى (الشعب ) كان مضحكا للغاية فهو يناقض نفسه ويعترف أنه مجرد رئيس صوري لا يحرك حجرا
    كم أحزن على الشعوب العربية التي تخضع لحكام دمى وألعاب كبشار وغيره
    اتمنى أن تكون ساعة الصفر قد اقتربت وغروب هذه الأنظمة السطحية آن

0 التعليقات:

إرسال تعليق