الاثنين، 25 مارس 2013

الرد على مقال : أمراض الثقافة الإسلامية لخالص جلبي -أ الرواس


في 20 يناير 2010  كتب خالص جلبي مقالة بعنوان : أمراض الثقافة الإسلامية ، و كالعادة تضمن المقال مغالطات عدة ، سأركز في مقالي هذا على أهم تلك المغالطات ، و جزء من هذا الرد نشرته كتعليق في مدونة خالص جلبي ، و لكني لم أفلح في إلحاق الجزء الأخير من الرد بأجزائه المنشورة ، لأسباب قد تكون تقنية و قد تكون من الذين يديرون مدونته. فإلى المقال . رغم أنني لا أنفي أبدا أن يكون في الثقافة الإسلامية أمراض عديدة قد تفوق 10 أمراض مما أحصاها الدكتور  ، إلا أنني ألاحظ أن الدكتور يخلط بين أمور التفريق بينها أساسي في تحصيل الفهم ، فأنت كما يبدوا تخلط  بين ما هو ديني عقائدي و ما هو صناعي مدني مصلحي منفعي ! و يدلك على هذا قولك : 

#ونحن نرفض الديموقراطية لأنها غربية لا تناسبنا ولكن لم يخطر في بالنا أن نقول أن السيارة غربية…# 
و يذكرني هذا الخلط بقول من يعارضون توحيد الصيام و الأعياد بحجة أن لكل بلد مطلعه و أننا كما أننا لا يمكن أن نصلي في وقت واحد، فكذلك لا يمكننا أن نصوم في يوم واحد!!و يبدوا الأمر منطقيا إذا اكتفينا بالوقوف على عتبة سطح الكلمات دون أي جهد عقلي ، لكن تبدوا الطامة فظيعة  بمجرد أن تبدأ بالتفكير ، و نفس الشئ مع الدكتور، فالموقف من الديمقراطية ينتظمه مجال العقيدة و موقف الدين من مفهومها و وجهة تشريعاتها ، قبولا أو رفضا أو  تهذيبا و تشذيبا ،حسب تصورنا لقيام مجتمعنا المسلم الذي يستهدي بالوحي ، و يدين لدين رب العالمين، أما ركوب السيارات أو الحمير فهذا مرده إلى مصالح الناس و معرفتهم بدنياهم،و الناس فيه سواء مؤمنهم وكافرهم، و قد بين الرسول ذلك بوضوح تام عندما قال للصحابة رضوان الله عليهم : أنتم أعلم بدنياكم ! و ينظمه قول اله تعالى :  و البغال و الحمير لتركبوها و زينة و يخلق ما لاتعلمون.
إن من يجعل الأمرين سواء فليس لتخليطه دواء!
هل تريد يادكتور أن يغمض المسلمون أعينهم عند استيراد أي شئ من الغرب إذا كان يحمل اسم الديمقراطية!؟ إن الغرب أباح اللواط و زواج الذكور بالذكور، باسم الديمقراطية ، فهل نستورد هذا النوع من الخبائث ياسم الديمقراطية ! و الغرب أباح الزنا و الخنا و شرب الخمر و الإباحية و نشر لها على أرضه مواخر و دورا ومعارض و مخادع ، فهل نستورد كل ذلك باسم الديمقراطية؟ أم هل تساوي بين استيراد هذه الموبقات  و استيراد السيارات و الطائرات !؟ !إنه لمن دواعي الحزن أن يجد الإنسان نفسه يناقش في البديهيات مع من قضى حياته بين الكتب !
ذات يوم كنت أزور المعرض الدول للكتاب ببروكسيل ، و ألفت نظري وجود رواق للبهائيين تقوم على استقبال الزوار فيه شابة أمريكية في العشرينات من عمرها ، و لما رأتني أتصفح بعض الكتب في رواقها اقتربت لتشرح لي بعضا من مآسي أتياع نحلة البهائية  في إيران الخميني! و تطور الحديث فوجدت نفسي مضطرا أمام كمية الجهل عن الإسلام الذي تنوء بحمل ثقله ،حتى  وجهت كلامها إلي في عجب و هي تظن أنها تضرب ضربتها القاضية قائلة : كيف تؤمن وأنت شاب في مقتبل العمر بقوانين و تشريعات قديمة أو متقادمة قد عفى عنها الزمان ، تعود لما قبل 14 قرنا؟ و الكلمة الإنجليزية التي استعملتها هي : outdated  أي متقادم! فقلت لها : هناك أشياء لا تتقادم مع مرور الزمان، فالألماس كانت محبوبة لدى نساء الفراعنة في مصر القديمة ، و كذلك عند نساء الأباطرة في روما الإغريقية و الرومانية، وما زالت ملكة بريطانيا تضعه إكليلا على رأسها،و كذلك كان ملوك الهند و الصين القدامى ، و قد فتن بها  صاحبكم شاه إيران حتى أعماه بريقها عن رؤية مصالح بلاده فطوحت به ثورة  الخميني بعيدا مشردا بين البلدان! و قلت لها :  فهناك أشياء لاتتغير و لايمكن أن تتغير! و إذا تغيرت فسدت مصالح الناس و هلكوا بالفوضى ، قالت مثل ماذا ؟ قلت مثل العدالة ، الناس كلهم يحبون العدل والقسطاس ، و الأمن ، و الحرية ، و الصحة ، و حب الحياة و القائمة طويلة فهذه القيم كانت دائما محبوبة و مطلوبة لدى الأسوياء من البشر ! و في المقابل هناك أشياء لا يتبدل كره الناس و مقتهم لها  و لاتتقادم. مثل الظلم ، و الطغيان ، و التعاسة ، و المرض ، و الخوف، و الموت  و القائمة أيضا طويلة ، فمنذ أن و جدت الخليقة و الناس تحب الصفات الأولى و تكره الصفاة الثانية، و قوانين الإسلام إنما جاءت لتحقق- فيما تحقق- الصفات الأولى و تقيم صرحها الراسي القويم بين الناس ، و تبعد عنهم الصفات الثانية، فكل ما يعالج هذه الأمور الثابتة في النفس البشرية لا يمكن تغيير تشريعاته ، و لذلك فقد  و ضع  القرآن و السنة أسسا تشريعة هامة تنتظم هذه الضايا الجوهرية؛ كما أن هناك تشريعات أخرى تتسم بالمرونة تتبدل حسب مصالح الناس ، و تطور و سائلهم المدنية و الحضارية، وكل تنويعات الحضارة الحالية يمكن بسهولة حصرها ضمن قواعد تشريعية و مجالات فقهية لا يعزب عنها شئ !.و قد بلغ  النظام التشريعي في الإسلام حدا من التطور جعل الفقهاء في مرحلة ما يعيشون ترفا فقهيا جعلهم يفترضون الحلول لقضايا لم تحدث بعد! و كانوا يعبرون عنها بقولهم إذا وقع و نزل فحكمه كذا !! و لذلك فلا معنى لتقادم التشريعات القرآنية! و استمر النقاش ما يقرب من 45 دقيقة واستطعت أن ألين قليلا من نبرتها الحادة التي استهلت بها الحوار،  إلى عبارات أكثر ودية عندما كانت تقول في آخر حديثنا:  I see what you mean أي أدرك ما تعني ، أو أرى ما ترمي إليه، بل و تحولت –و الله يشهد-إلى مدافعة عني عندما هاجمتني رفيقتها و كانت عجوزا إيرانية ، تتكلم بإنجليزية ذات لكنة عندما أبصرت في يدي كتيبا  إسمه : The Origin of Bahaism   أو : أصل البهائية، كنت قد التقطته من الرواق الإيراني،و لم أكن أعلم أن ذلك الكتيب كان معروفا لدى البهائيين و يتأذون منه، فقالت في قلة أدب :
You’re carrying a piece of dirt in your hand
أي : أنت تحمل قطعة من الوسخ بيدك! فقلت لها : لا أظن ذلك ! بل هذا مجرد بصيص نور ضعيف يلقي الضوء على تاريخ البهائية و علاقته بالاستعمار البريطاني ، وباقي الإجابة تولتها عني تلك الشابة الأمريكية التي غاضها تصرفها الفج فصرفتها عن وجهي إلى واجهة أخرى.
يؤسفني أن أقول بأن الدكتور يعاني من خلط فكري و غبش في الرأيا حول ما هو ثابت و ما هو متغير ،في التشريع الإسلامي ، و ما يمكن أن نستورده وما يجب أن نتجنبه من منتوجات الغرب ،فهو يرى أنه كما أننا لا نسأل عن حكم استيراد و ركوب الطائرات ، فكذلك يجب أن نفعل مع استيراد النسخ الديمقراطية الغربية.  هل نحن في حاجة حقا  إلى أن نذكر بأن ركوب السيارات و الطائرات ، واستيراد المراصد و المجاهر ، و آلات التصبين و تقنية المشافي و غيرها أمور مباحة لأنها لا تحمل عقيدة و لا أيديلوجيا، و هي في الواقع إرث بشري قد ساهم في تطوره كثير من حضارات الأرض ، ما الحضارة الإسلامية عن ذلك ببعيدة !بل هي في الواقع ذات التأثير المباشر باعتبارها المحطة التي استلم منها الغرب شعلة الحضارة وكمل الطريق، و الحضارة دورات و تداول بين الناس، خلافا لتطرف حاملي فكر نهاية التاريخ.من مريدي فوكوياما. كما أن شعوب الأرض كلها تساهم بشكل أو بآخر في تطور الصناعات الغربية .
  فالصناعات الأمريكية و الغربية بصفة عامة ما كان لها أن تتطور و تخطوا خطواتها العملاقة للأمام  لو لم تكون تصدر منتجاتها إلى جميع القارات دون تفريق بين متخلف ومتطور ، و لاما بين من ساهم في الماضي و جامد في الحاضر، فمثلا هل كان في الإمكان لشركة البونج العملاقة لصناعة الطائرات المدنية أن تطور صناعتها و تحافظ على تفوقها لعقود في السوق الدولية، لولا طلبات الشعوب الغير مصنعة ؟ و هل كان بالإمكان لشركات صناعة السلاح العملاقة سواء في أمريكا أو في أوروبا أن تطور من تقنيات اسلحتها المختلفة لولا ملايير الدولارات التي تتدفق عليها  نهرا جارفا من سائر دول العالم ، في طليعتها الدول الإسلامية .
أما استيراد القوانين المجتمعية ، و التشريعات الدستورية فهي نتاج فلسفات إقليمية ونتاج تصورات خاصة عن الكون و الإنسان و الحياة نبتت في أوساط ومناخات خاصة  قد تناسب المجتمعات المادية و المنسلخة تماما عن الدين  ولا تناسب المجتمعات الأخرى.فالغرب مثلا ، و عندما أقصى الدين عن الساحة تماما و فسح المجال أمام فلاسفته الماديين ، و الذين هم ملاحدة في غالبيتهم ظهر للوجود اليوم مجتمعات غربية لا ترى بأسا بإباحة اللواط، و عقد قران بين الذكر و أخيه الذكر و ما بين أنثى و أخرى بل وأباحت للشواذ أن يتبنوا لأنفسهم الأطفال حتى لا يحرموا من الاستمتاع بتربية الأطفال على أذواقهم الشاذة ، و لا بأس في الغرب أن يفتح الطفل عينيه في بيت محموم بالشذوذ، لا يعرف فيه من هو أبوه ومن هي أمه فالكل ذكور أو الكل إناث !! و لا بأس في أن ينشأ الطفل شاذا هو الآخر بحكم وسطه البيتي ! و الغرب في كل ذلك لا يحس أنه يرتكب بذلك أفظع الجرائم ضد الإنسانية، بل و يؤسس بخطى حثيثة لانتشار سلاح الدمار الشامل من نوع آخر الذي يستهدف الإبادة البطيئة للنسل البشري ، بالقضاء على مؤسسات الزواج الطبيعي و عزوف الشباب في الغرب عن الزواج، و من تزوج منهم سرعان ما ينتهي بهم المطاف منفصلين أو مطلقين وكلا الأمرين واحد ، فالانفصال جاء نتيجة لصعوبة إجراءات الطلاق في الغرب التي تقارب حد المستحيل ، و لو ضمت أعداد المنفصلين لسنوات عن بعضهم إلى أعداد المطلقين لوصل إلى أكثر من 90في المئة.وباختصار فإن مشروع الزواج في الغرب يعرف تراجعا و تدهورا خطيرا و سريعا، و كل ذلك ناتج على تلك الفلسفات و القوانين و التشريعات المتلاحقة و التي ما يزار الغرب ساحة محمومة لها منذ زمن بعيد.فلو صوت أعضاء البرلمان في أية دولة غربية على إباحة زنا المحارم لأصبحت المؤسسات المدنية في يوم التالي  تعقد لقران بين أخ  و أخته  أو حتى بين الإبن و أمه . و لو صوتت أغلبية البرلمان على تشريع قوانين  تكميم الأفواه لوجدت المحاكم في اليوم التالي تصدر الأحكام المغلظة ضد كل من يفتح فاه ليعبر عن قناعاته في أية مسألة علمية كانت أو تاريخية ، كما حدث لمايكل إيرفينغ الذي رمي في السجن  في سويسرا قلب أوروبا ومفخرة الغرب عندما أبدى رأيا مخالفا في مسألة تاريخية اسمها الهولولكست  تمس صميم تخصصه كمؤرخ. و كما حدث للفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي الذي كمموا فمه بختم الديمقراطية عندما منعوه من الكلام  لأية جهة رسمية أو غير رسمية! فهو اليوم يقضي أيامه الأخيرة منزويا معزولا عن الصحافة كالمجروب .كل  ذلك باسم الديمقراطية. و إذا جرد النظام الديمقراطي عن خلفياته الفلسفية و توابعه الإقليمة عادت الديمقراطية مجردمفهوم لتداول السلطة و تناوب الحكم ، و عندنا في الإسلام ما يغنينا عن استيراد أية مفاهيم نمت في أوساط محمومة بالإلحاد و العبثية ، عندنا مفهوم الشورى و آياته في القرآن واضحة تعززها أحاديث نبوية عديدة ،واجتهادات و مواقف عديد من الفقهاء و العلماء ، فما على الفقهاء والمفكرين إلا أن يطوروا من آلياتها و يحرروا مفاهيمها من الشبهات التي اعتلت صفحتها الناصعة أيام السطو على دفة الحكم من طرف الأمويين و من تلاهم.  

 في 25 يناير 2010 الساعة: 22:07 م

 ،تعليق واحد على “الرد على مقال : أمراض الثقافة الإسلامية لخالص جلبي”

  1. شكرا اخي الكريم
    كما يسرني ان افيدك بملخص كتاب نظام الاهرامات ونموذج من الجيل الثاني للدولة.
    رابط تحميل
    http://up.ibtesama.com/dld1ze35043.pdf.html
    او
    http://www.4shared.com/get/YR9HQ_UJ/___.html

0 التعليقات:

إرسال تعليق