إستيقظ العالم العربي و الإسلامي بل و العالم أجمع على فضيحة من العيار الثقيل تورط بها النظام الإيراني عندما قام إعلامه الرسمي بتزوير خطاب رئيس أكبر دولة عربية في قمة عدم الانحياز في دورتها السادسة عشر التي انعقدت في طهران الخميس. حيث عمدت إيران إلى ممارسة كل أنواع و ضروب التزوير و التدليس في ترجمة مباشرة من حذف لمقاطع بأكملها من خطاب رئيس مصر و مسخ لفحوى الخطاب، و استبدال أسماء دول بأسماء دول أخرى لم ترد أصلا في خطاب الدكتور محمد مرسي، و قلب عبارات الإدانة للنظام السوري إلى عبارات المديح و الإكبار والاعتزاز بالنظام الدموي في دمشق.فقد عمدت إيران إلى مسخ خطاب مرسي و توجيه كل عبارات الإدانة و الشجب لما يقوم به سفاح سوريا ضد شعبه نحو دولة أخرى لم ترد أصلا في خطاب الرئيس و هي البحرين. و ها كم بعض العبارات التي تم تزويرها بكل وقاحة و التي أمست اليوم من النكت المتداولة للتندر و السخرية من النظام الإيراني على مستوى واسع يشمل العالم أجمع و بشتى اللغات.
فعندما قال الرئيس مرسي:
إن الشعبين الفلسطيني و السوري يناضلان ببسالة مبهرة من أجل نيل حريتيهما
سمعها الإيرانيون من القناة الرسمية الإيرانية الأولى كما يلي :
إن الشعبين الفلسطيني و البحريني يناضلان ببسالة مبهرة من أجل نيل حريتيهما و العزة و الكرامة!!
و عندما قال الرئيس مرسي:
حيث كانت قبلها بأيام قلائل ثورة تونس ثم تلا ذلك ثورة ليبيا و اليمن و الآن ثورة سوريا على النظام الظالم فيها.
زورت إيران ذلك باستبدال سوريا بالبحرين فصارت الجملة ……" و الآن ثورة البحرين على النظام الظالم فيها"!
و عندما قال مرسي:
إن الفيتو شل يد مجلس الأمن عن حل الأزمة السورية. مسخها الإعلام الإيراني كما يلي:
إن الفيتو شل يد مجلس الأمن عن حل أزمات التحولات الشعبية!!
أما من استعمل الفيتو ضد "حل أزمات التحولات الشعبية" و متى ؟ فلا يكترث الإعلام الإيراني لسخافة هذا الكذب ربما لاعتقاده أن الشعب الإيراني أبلد من اكتشاف هذه السخافة، و هذا يظهر أن الأنظمة الشمولية التوتاليتارية تتعامل مع الشعوب كما لو كانت قطيعا من الماشية الهزيلة حقها أن تتلقى العصا على قرونها و أدبارها. و هو نفس المفهوم الذي درج عليه نظام البعث في سوريا حليف غيران الاستراتيجي و الطائفي.
و عندما قال مرسي :ٍ إننا نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرات التي تحاك ضد هذا البلد!!
سمعها الشعب الإيراني المستغفل كما يلي: إننا نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرات التي تحاك ضد هذا البلد
و عندما قال مرسي :
إن وحدة المعارضة السورية ضرورة سمعها الشعب الإيراني هكذا:
إننا نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرات التي تحاك ضد هذا البلد!!
و قد دفع هذا التزوير بمملكة البحرين إلى تقديم احتجاج رسمي و مطالبة إيران بالاعتذار عن هذا التصرف المشين.
من النكت المتداولة اليوم على نطاق واسع، أن "سوريا" تعني " البحرين" باللغة الفارسية. !!
منذ عقود عديدة كتب عالم الاجتماع الإيراني علي شريعتي كتيبا أسماه" النباهة و الاستحمار " سلط فيه الضوء بإيجاز على الطرق التي يتم بها اسغفال الشعوب و استحمارها، و من بين مواضيع الكتاب الأساسية فصول يتحدث فيها عن تسخير الملالي و المعممين للدين كوسيلة لاستحمار الشعوب و استبغالها، و يبدو أن صناع القرار في إيران قد انتبهوا إلى فعالية هذه الوسيلة لاستحمار الشعب الإيراني فأسرفوا فيها إلى حد عرضهم لسخرية شعوب الأرض.هذا المنحى الشاذ و الغريب يظهر إلى أي حد يغالي النظام الإيراني في التعصب و الانغلاق ، فعندما ترضى الرئيس مرسي عن الخلفاء الراشدين في مستهل خطابه أحس مترجم القناة الرسمية الأولى الإيرانية كما لو لدغته أفعى من شفتيه فتلعثم و أغفل ترجمة الجملة بأكملها.
إن الأنظمة الشمولية و القمعية لا تحتمل سماع رأي مخالف لما تلقنه لشعوبها ، فهي لا تعترف بحق شعبها في الاختيار و التحليل و حرية الرأي، و تتوجس من كل فكر حر أو رأي أو خطاب مخالف لما دأبت على بثه على أسماع و أنظار شعوبها، فهي لكثرة ما بثته في الأجواء من ظلمات الأكاذيب و عكرت به صفو فطرة شعبها من أضاليل تخشى من أي بصيص من نور الحقيقة لأنها تتصور أن أي شعاع من نور الحقيقة كفيل بأن يفسد عليها سياستها و يفضح تدليسها.
فالنظام الإيراني عكف بإعلامه على إيهام الشعب الإيراني على أن الربيع العربي ليس إلا تجلي لليقظة الإسلامية التي جاء بها- في زعمهم الموبوء - خميني ، و خلفه بعده نائب ولي الزمان و صاحب العصر الولي الفقه خامنئي, و قد حاول نظام الملالي في إيران أن يركب على ظهر ثورة مصر العظيمة فبادر خامنئي إلى إلقاء الخطب في الموضوع و كذلك فعل ربيبه قاتل الأطفال في سوريا حسن نصر الله، أثناء المظاهرات المليونية في مصر قبل أن تمجه الجماهير المصرية في ميدان التحرير و تعلن بوضوح عن براءتها من النظام القمعي الطائفي في إيران، لكن الشعب الإيراني لم تكن له في غالبيته الفرصة لمعرفة الحقيقة أمام كثافة الأكاذيب التي ما تنفك يبثها الإعلام الإيراني الرسمي ، فقد صور للشعب الإيراني على أن الثورة في مصر و غيرها قد أفرزت قوى متحالفة مع إيران و تتبنى التوجه الذي يرشد إليه ولي صاحب الزمان، حيث صوروا الإخوان المسلمين كحلفاء و تلاميذ للولي الفقيه. فما تزال إيران تروج حتى اليوم أن انتصار الثورة في مصر هو انتصار لها لذهاب نظام حسني مبارك، و مجيء حزب الحرية و العدالة. و أوهموا الشعب الإيراني أن لإيران سمعة طيبة في العالمين العربي و الإسلامي و أن الشعوب في معظمها مؤيدة لحكم الملالي في إيران ذلك أن المرشد الأعلى و الولي الفقيه يطرح نفسه في إيران على أنه و لي كل المسلمين في أصقاع الأرض كلها، فهذا المفهوم هو الذي ينسجم مع أسطورة المهدي القابع في السرداب منذ 1260 حتى الآن و التي لم يزل إعلام الجمهورية الإيرانية يروجه على أسماع المستحمرين دينيا و سياسيا، في استدبار تام للعقل و الوعي حتى في مستواه الأدنى, و لذلك فإن سماع الشعب الإيراني لخطاب الرئيس مرسي على حقيقته كان كفيلا في توجسهم المرضي بإحداث ضجة في إيران وافتضاح التزوير و الاستحمار الذي يمارسه الملالي المتحكمين في رقاب الشعب الإيراني. فاختاروا لاهروب إلى الأمام، فلقد صور الإعلام الإيراني للإيرانيين أن مرسي هو بمثابة التلميذ الوفي لخامنئي و بالتالي فهو يتبنى موقفه من النظام الدموي الطائفي في سوريا، فماذا سيقول للشعب و هو يستمع إلى كلمته الطافحة بعبارات الشجب و التنديد بدموية و وحشية النظام البعثي في سوريا، و هو الذي تصوره إيران لشعبها كحمل وديع يواجه المؤامرات الكونية نظرا لموقفه من المقاومة من أجل تحرير فلسطين واسترداد القدس الشريف. فكان لا بد إذن من المضي قدما في مسلسل الاستحمار للشعب و تزوير الخطاب و مضمونه و إسماعه ما يريد الإعلام الرسمي أن يسمعه بعيدا كل البعد عن الحقيقة التي يبدوا أن النظام الإيراني موقن تماما أن الشعب الإيراني لا يستحق سماعها ،لأنه في نظرهم شعب غير ناضج، و لم تفده 32 سنة من التعبئة الثورية للملالي في اكتساب المناعة الضرورية ضد مثل هاتيك الخطابات من قبيل خطاب الرئيس المصري.
إذا كان هذا هو مسلك الإعلام الإيراني الرسمي مع رئيس صُور إيرانيا على أنه يتشوق إلى إعادة العلاقة الطبيعية بين مصر و إيران، فكيف هو مسلك هذا الإعلام مع غيره؟
ما فعلته إيران و تورطت فيه من فضيحة هو درس أخير ربما لبعض البقايا المتخلفة في آخر قافلة الأمة و الذين ما يزالون يترنحون تحت تأثير مخدر التقارب المذهبي الذي تحقنه يف أوصالهم إيران المخادعة، إذا كانت إيران لم تطق حتى مجرد سماع الترضي على كبار أصحاب النبي ص و هم أصهاره و أصهار علي ، مع أن حاكي الكفر ليس بكافر كما يقال، فكيف سيقبلون بالتعايش في إيران مع المذهب السني ؟ يجب على هؤلاء الذين تخلفت بهم الأيام و تجاوزتهم الحقائق و الأحداث أن يدركوا أنهم كانوا ضحية خداع رخيص منذ أكثر من 3 عقود.
إن النظام الإيراني قد صادر عمليا حق الشعب في سماع الحقيقة لأنه في نظره ليس أهلا بعد لسماعها، فهو – أي الشعب – هش في ثقافته ضعيف في مداركه سهل في انخداعه و لذلك يستلزم الحجر عليه إلى أجل غير مسمى ربما إلى أن يخرج المهدي من سردابه و هو موعد تراه فئة نجاد و ملاليهم قريبا بعد أن تواترت لديهم أخبار التقائه ببعض علمائهم الحوزاتيين.
أبلغ ما قيل في الموضوع هي الجملة التي ختم بها مراسل الجزيرة تقريره حيث قال : " بعد سماع ترجمة خطاب مرسي لم يفهم الشعب الإيراني لماذا انسحب الوفد السوري من قاعة الاجتماع أثناء إلقاء مرسي خطابه.
لمن يريد أن يقف على صنوف التزوير الذي قام به الإعلام الرسمي الإيراني فليدخل هذا الرابط.
0 التعليقات:
إرسال تعليق