الاثنين، 8 أبريل 2013

الثورة السورية و العواقب المحتملة - الجزء الثاني أ الرواس



               قراءة في حاضر و مستقبل الثورة السورية               
في الجزء الأول ألقيت نظرة مختصرة عن الخلفية التاريخية و المنطلقات الحقيقية للصراع في سوريا. و في هذا الجزء أتعرض لتلمس مآل الصراع المحتدم في سوريا.قلت أن الدول العربية بالنسبة للثورة السورية بدأت خافتة ثم متحمسة ثم مترددة حائرة. لأنها في غالبيتها لا تملك قراراتها بيدها، و هي مرتهنة بالموقف الدولي الذي تتحكم فيه أمريكا التي تتحكم إسرائيل في كثير م قراراتها خصوصا ما تعلق منها برسم و تنفيذ سياسات المنطقة.بينما في المقابل محور إيران و أداته الضاربة في لبنان و العراق لا يقيم وزنا لأية دولة أخرى، لأنه يملك قراراته بنفسه. و بالتالي كانت مواقف محور إيران واضحة و ثابتة، و يميزها الفعل، و يَقل فيها الكلام. بل إن فعلها يُبطل كلامها. على عكس الدول العربية التي تكلمت كثيرا عن دعم الشعب السوري، و دعم الجيش الحر، لكنها عمليا لا تزال تتردد إلى يومنا هذا في تزويده بالسلاح الفعال لإنقاذه من آلة القتل الفظيعة. حتى يئس الشعب السوري من العالم أجمع، و أسلم أمره لقدره أمام أنظار الدول العربية، و الدول التي نعتت نفسها بأصدقاء الشعب السوري.فالسلاح يتدفق على النظام من إيران، و روسيا، و المرتزقة يتوافدون من كل حدب وصوب عبر الحدود الصحراوية العراقية السورية، و الحدود اللبنانية، و عبر الموانئ في طرطوس و اللاذقية.

هناك إذن خلل كبير في المعادلة السورية، فهناك محور متوثِّب لا يعرف حدودا في دعمه الكاسح للنظام السوري، الذي يخدم مصلحته المستهدِفة ليس لمصالح محور الدول العربية و حسب، بل يستهدف على المدى البعيد وجودها و كياناتها. 
و محور متردد، و متوجِّس من خرق العقوبات على توريد السلاح للثوار. لكن في ظل هذا الخلل العام، إلى أي حصيلة سينتهي الصراع؟
نظرة عامة على خارطة الأوضاع 
عند إلقاء النظر على خارطة الصراع في سوريا، نلاحظ حقيقة لا مِراء فيها. و هي أن الثوار يتقدمون بخطى ثابتة. فبعد أن كان النظام يسيطر على كل البلاد، أصبح الثوار اليوم  يسيطرون على معظم البلاد، فلو استثنينا المناطق الصحراوية الواسعة الغير مأهولة تقريبا، و الواقعة في معظم النصف الغربي ، و الجنوب الغربي للبلاد، فإن الثوار اليوم يسيطرون فعليا على الشمال كله، إلا جيوبا ضيقة في حلب و ما حولها من ناحية الجنوب. فكل الحدود السورية التركية الشمالية، أمست اليوم في قبضة الثوار. و هم من يديرون شؤون الناس في بلداتها و قراها. و كذالك في الجزء الشرقي، و الشمالي، و الغربي لمدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا إلى غاية دير العسل المحرر حديثا. مما يشبه الطوق على مدينة حلب و لم تبق سوى الواجهة الجنوبية للمدينة، و خناق الثوار يضيق على قوات النظام بالمدينة شيئا فشيئا. فهم اليوم باتوا يسيطرون على الأحياء الجنوبية الشرقية المجاورة للمطار الدولي لحلب. كما أن المطار العسكري الملاصق له أصبح شبهَ محاصر، و يمكن أن يسقط في أية لحظة.و في الجهة الشرقية أصبح الثوار يسيطرون على المعابر مع العراق مثل معبر البوكمال، و منفذ اليعروبية في الحسكة.و في العاصمة يسيطر الثوار على مناطق واسعة في دمشق و ريفها. بعد أن كان وجود الثوار و الجيش الحر مقتصرا على ريف دمشق بالغوطة الشرقية و دوما شمال شرق العاصمة، و في الريف الجنوبي بداريا و المعظمية أصبح الثوار اليوم يتواجدون بقوة في الأحياء الشرقية و الجنوبية الشرقية على طول الطريق السيار الذي يربط العاصمة بمطار دمشق الدولي، ابتداء من المتحلق الجنوبي، كما يتواجدون في قرية حران العواميد الملاصقة للمطار من الناحية الشرقية، و في الأسابيع الأخيرة قام الثوار بالزحف نحو مناطق حساسة في قلب العاصمة دمشق، فهم اليوم يتواجدون في محيط ساحة العباسيين بقلب العاصمة، و سبق لي أن أقمت في فندق مشرف على هذه الساحة الاستراتيجية، و التي تمهد للثوار الطريق نحو جبل قاسيون حيث القصر الجمهوري، و مراكز المدفعية، و مقرات السلطات العسكرية العليا، مثل الحرس الجمهوري و غيره. 

سيطول بنا الحديث لو استرسلت في ذكر أماكن تواجد الثوار، و مآت المناطق المهمة التي فقدها النظام برغم الدعم الهائل الذي تقدمه إيران و آلاف المقاتلين الذين يدفع بهم حزب الله إلى سوريا لدعم جنود النظام ضد الثورة الشعبية هناك. كان آخرها تحرير مدينة الرقة الإستراتيجية. 

لكن بقي أن أذكر أن عددا من المطارات المهمة قد وقعت في قبضة الثوار مثل مطار تفتناز الاستراتيجي في إدلب، و مطار الجراح و مطار عقربة و مطار منغ في حكم المحرر بشمال حلب، و مطار مرج السلطان بريف دمشق. كما أن عددا من المطارات الأخرى هي تحت حصار الثوار كمطار كويريس و مطار حلب الدولي. 

في ظل هذه الصورة على الأرض، و في ظل حقيقة لا مِراء فيها، و هي أن نفوذ النظام في انحسار مستمر، و سيطرة الثوار في زحف مستمر. و أن كل المناطق تقريبا التي فقدها النظام لصالح الثوار لم يكن قادرا على استعادتها برغم كثافة النيران العشوائية التي يستعملها، ولجوء النظام إلى التدمير العشوائي للمناطق التي فقدها و لجوئه إلى استعمال صواريخ باليستية – الغير مجدية عسكريا في الحالة السورية- ضد مناطق سكنية في القرى و المدن التي فقدها، مما يعني بوضوح فقده لأمل استرجاعها، أو عودة بسط نفوذه عليها مرة أخرى. 

ما هو الخيار الأخير للنظام؟إن تركيز النظام لهجماته على مدينة حمص و القرى المجاورة لها، و تركيز وجوده و قتاله المستميت على طول الطريق الرئيسي الموازي و القريب للحدود اللبنانية، والذي يربط مدينة حمص المحاصرة بالعاصمة دمشق، و كذلك تركيز هجمات حزب الله على القرى الحدودية القريبة من حمص كالقصير مثلا، و مشاركة القوات النظامية في السيطرة على أحياء حمص المحاصرة، و ورود أنباء متطابقة عن نقل صواريخ و أسلحة مهمة إلى الجبل في ريف اللاذقية و طرطوس، و كذلك إحكام القبضة الحديدية على كل المدن الساحلية مثل بانياس و طرطوس و اللاذقية. كل هذا يدل بوضوح أن نظام الأسد يراهن على إنشاء دويلة لطائفته العلوية في جبال الساحل حول القرداحة موطن عائلة بشار في حالة ما إذا سقطت العاصمة دمشق. و ربما أصبح التركيز الإيراني على هذه المنطقة، حيث يتوفر الولاء الأعمى للنظام من طرف الأقلية العلوية. فمنطقة الساحل منطقة استراتيجية بسبب منافذها البحرية و موانئها المهمة، و بسبب وجود قواعد عسكرية روسية بما توفره لكل من النظام و إيران ككهف أمان ضد أي سيطرة محتملة للثوار على منطقة الساحل. النظام الإيراني يراهن على سيطرة نظام الأسد على المنافذ البحرية حيث سيتم نقل آلاف من الحرس الثوري للقتال في جبال الساحل لتثبيت دعائم النظام العلوي القادم. لقد بدأ محور إيران يفقد الأمل في إبقاء السيطرة على الجبهة الشرقية مع العراق، حيث تأمل إيران أن يبقى هناك خط جغرافي إستراتيجي موصول بالعراق بحيث يمكن إيصال الدعم العسكري عبر الحليف الطائفي العراق. و هذا ما يفسر استماتة النظام في الدفاع عن دير الزور، و المدن الشرقية مثل الحسكة, لكن كل تلك الهمجية لم تفلح في الاحتفاظ بهذه المنطقة فقد سقطت معظم المناطق الشرقية في أيدي الثوار بما فيها الحسكة و اليوم 9 مارس سيطر الثوار على الفيلق 113 في ريف دير الزور التي أمست شبه محاصرة اليوم و قد يعلن الثوار عن تحريرها قريبا.و قبل أيام سقطت مدينة الرقة المهمة. 
إحتمالات مستقبلية 
          بعد أن يتم إسقاط العاصمة دمشق ستتجه قوى النظام المتبقية إلى منطقة حمص لحماية ظهر النظام المنحسر في منطقة الساحل، و يأمل النظام أن يستطيع مقاتلو حزب الله، بالتعاون مع جنود النظام، أن يوفروا تواجدا مريحا في هذه المنطقة القريبة من الحدود اللبنانية. و قد بدأ هذا المشروع منذ شهور حيث أوكلت إيران إلى حزبها في الضاحية كي يحتل مناطق واسعة في ريف حمص، و قد بدأ الحزب هجوماته الغادرة على بعض القري المتاخمة للحدود اللبنانية المجاورة لمدينة القصير مثل : العقربية و كفر موسى و الغسانية و القطينة، و الفاضلية، و الحويك، و زيتا، و هي قرى صغيرة جدا إلا أن حزب الله يراها كمنطلقات لبناء قواعد هجومية، و قد استطاع مقاتلو الحزب أن يحتلوا بعض هذه القرى تحت الغطاء الجوي الذي يوفره النظام السوري. 
لكن في تقديري، إن مؤشر المعطيات على الأرض يشير إلى الانهيار السريع لهذا المخطط و ذلك للأسباب التالية: 

أولا: من المتوقع أن يزداد الجيش الحر تسلحا، و خبرة في إدارة المعركة ضد نظام متراجع. فالقرار الأخير للدول العربية يتيح -لأول مرة -لأية دولة عربية تسليح قوى المعارضة السورية بما يلزم من سلاح. كما أن الجيش الحر، و القوى الإسلامية العديدة الأخرى أهمها جيش النصرة، قد حصلت على كميات مهمة من السلاح من الثكنات و الفيالق، و الأفواج التي سيطرت عليها. 
ثانيا: من المحتمل جدا أن ينشق عدد كبير من جنود النظام في دمشق، عندما يرون ميل كفة الغلبة نحو الثوار. و قد لا يستطيع باقي الجنود الهرب نحو الساحل، خصوصا إذا سبق سقوط دمشق تطويق الثوار لها شمالا، و سيطرتهم على منفذها الشمالي نحو حمص فالساحل. 
ثالثا: قد لا يستطيع حزب الله أن ينفع النظام المنهار في شيء، عندما يكون في أمس الحاجة إليه، فهناك احتمال شبه أكيد من نشوب حرب لا تبقي و لا تذر بين الثوار و حزب الله بسبب ما وفّره من دعم للنظام، و بسبب الهمجية التي يمارسها ضد السنة في المناطق الحدودية و داخل حمص. فأفراد جيش النصرة مثلا لا يفرقون ما بين مقاتلي حزب الله، و مقاتلي جيش النظام. و بين الاثنين ثارات لم يفلح حزب الله في اعتداءاته المستفزة لكل المسلمين، والمتكررة على الشعب السوري إلا في إلهابها أكثر. 
رابعا: هناك شعب يغلي في لبنان، خصوصا في شماله السني الذي يرى تورط حزب الله في قتل الأبرياء وراء الحدود، و يرى مطاردة عناصر الحزب للجرحى السوريين في لبنان و اختطاف عدد منهم و تسليمهم لنظام بشار ليلقوا مصير التعذيب ثم القتل. كما أنهم و منذ أن تدجج هذا الحزب بالسلاح أمسى مستأسدا عليهم، يقتل أئمتهم و يغتال سياسييهم، و يفرض عليهم أيديلوجيته، كما فعل في أحداث ما يعرف في لبنان ب7 أيار حيث اجتاحت قوات حزب الله بيروت، و قتلت من قتلت، و استفزت بشعارات طائفية من استفزت، حيث كان جنود الحزب يتعمدون سب الصحابة، و لعن أم المومنين عائشة زوجة النبي في الشوارع تحت فوهة بنادقهم. 
و هذا يعني أنه بمجرد اشتعال شرارة القتال بين الثوار السوريين و الحزب الإيراني في الضاحية، فإن قوى كثيرة من سنة لبنان ستنضم تلقائيا إلى المعركة لأنها ستصبح معركة حياة أو موت في لبنان. و قد يفاجأ العالم بانتهاء دور الحزب في استفزاز اللبنانيين، لأن معركته ستكون لأول مرة مع مقاتلين لا يخشون الموت. بل كثير منهم –كجيش النصرة مثلا- يُقبلون على الموت بشغف لا يصدق. بخلاف أفراد الجيش الإسرائيلي الذين كان حزب الضاحية يواجههم فهم أحرص الناس على حياة. فقد جلبت تصرفات حزب الله العدائية إلى الحدود اللبنانية مقاتلين يحبون الموت كما يحب أفراد حزب الله الحياة. 

خامسا: في حالة سقوط نظام بشار المحتمل جدا، فإن النظام الإيراني سيجد صعوبة كبيرة جدا في مد حزب الله بالسلاح. لأنه لن يبق له سوى المنفذ البحري اللبناني الذي لا يسيطر عليه الحزب تماما. و ربما هذا سر هرولة إيران تجاه تمتين العلاقة مع مصر حتى تضمن عبور سفنها المحملة بالسلاح نحو الموانئ السورية ! لكن الضغط الشعبي و تورط إيران في الحرب المفتوحة ضد الثوار السوريين قد يدفع مصر إلى منع أية إمدادات عسكرية لميليشيا حزب الله من المرور عبر قناة السويس متذرعة بالحظر الدولي ضد توريد السلاح ، بينما ستظل خطوط الإمداد مفتوحة بالنسبة للثوار عبر سوريا المفتوحة على تركيا شمالا و العراق شرقا و الأردن جنوبا. و جزء من لبنان جنوبا و شرقا. 

سادسا: إن الحراك الشامل لأهل السنة في العراق، و في المحافظات المتاخمة للحدود مع سوريا مثل محافظة الأنبار، و نينوى مرشح للتحول إلى ثورة عارمة ضد حكومة المالكي الذي لا تخفى عمالته لإيران- بالنظر للتصلب و الخداع و التخوين الذي يواجه به حركة الاحتجاجات السلمية لسنة العراق. و هذه المحافظات لا يمكن أن تسمح لإيران و لا لحزب الله أن يتماديا في حرب الإبادة التي يشنانها إلى جانب قوة النظام. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التداخل السكاني العشائري، و المذهبي عبر الحدود بين هذه المحافظات السنية و سوريا، علمنا أنها لن تكون إلا موالية للشعب السوري، و مانعة نظام إيران أن يستغل علاقته بالمالكي كي يسخر العراق كمعبر لإمداد إيران العسكري، خصوصا عبر محافظاتهم التي لا يمكن العبور إلى أي جزء من سوريا إلا عبرهما. و هما محافظتي نينوى و الأنبار أكبر المحافظات العراقية. و حادث معبر اليعروبية الأخير الذي قام فيه أفراد في محافظة نينوى السنية باستهداف رتل لقوات الأسد و هي في طريق عودتها للأراضي السورية بعد أن فرت إليها تحت نيران الثوار، في مهمة قتالية تعززها قوات عراقية فتم القضاء عليها. هذه الحادثة تمثل أحد الخطوط العريضة لما يحتمل أن تتطور إليه الأمور في المستقبل القريب. 

سابعا: إن كل متتبع لمجريات الأمور و تطورها يلحظ حقيقة لا مِراء فيها، و هي أن تمادي إيران في سياستها العدائية الطائفية المستحكمة ضد الدول العربية عموما و السعودية و دول الخليج خصوصا، و محاولتها المستمرة تطويق هذه الدول، و خلق الفتن الطائفية ،و الاجتماعية، و السياسية من بينها، البحرين، الكويت، اليمن، السعودية، سوريا، لبنان، مصر إلخ جعلت هذه الدول تدرك أن الخطر الإيراني قادم لا محالة، وأن القوم يسكنهم طمع السيطرة على المنطقة، و يراودهم حلم إعادة "مجد" الإمبراطورية الفارسية البائدة، و هذا التوجه الإيراني الخطير لم يترك لهم خيار إلا أن يجابهوه بخطوات احترازية، فاتجهت دول الخليج إلى عقد التحالفات الاستراتيجية مع بعض الدول العربية حتى البعيدة جغرافيا مثل المغرب و الأردن و مصر في الطريق، كما عقدت السعودية حلفا استراتيجيا قويا مع دولة الباكستان النووية و المتاخمة للحدود الإيرانية. مما يفسر اغتياظ إيران التي عبرت عن سخطها من هذا التحالف !!!و تتجه أيضا إلى تمتين العلاقة الإستراتيجية مع تركيا، العملاق الاقتصادي و العسكري في المنطقة. مما يعني تطويقا مضادا لإيران. و إذا ما أضفنا إلى الصورة فشل الاحتلال الأمريكي في القضاء على طالبان بأفغانستان القابعة على الحدود الشمالية الشرقية لإيران، و استحضرنا العداوة المستحكمة بين إيران و طالبان الذين يرون في إيران عدوة عقائدية تعاونت مع أمريكا في قتل الشعب الأفغاني ،و رأينا سعي أمريكا إلى التفاوض مع الطالبان، و قرارها الأخير بسحب قواتها دون أن تحقق ما جاءت من أجله، علمنا كم تبدو الصورة كالحة بالنسبة لمستقبل إيران. و كم هو سهل على الحلف الآخر تحريك كل هذه العناصر في محاصرة إيران و شغلها لعقود في نفسها.و لعل من حسن الصدف التاريخية بالنسبة لمحور الدول العربية في هذا الصراع المحتدم، و الذي تورطت السياسة الإيرانية في الرفع من إيقاعه، و تقف اليوم عاجزة عن التخفيف من وتيرته مما يفرض عليها الهروب إلى الأمام ضد منطق الأشياء،أقول لعل من حسن الصدف أن كفة التأييد الشعبي مالت بقوة نحو المحور العربي، بعد أن فقد محور إيران الغالبية الساحقة من مؤيديه بسبب التورط الإيراني في المجازر ضد السنة في العراق و سوريا. و لعل من حسن الصدف أيضا أن هذا التحرك الشعبي العارم في العراق يمهد الطريق أمام هذا المحور كي يقطع من الخلف ذراع البطش الإيرانية الممتدة عبر العراق و سوريا إلى لبنان بالتزامن مع قطع متنها في سوريا و كفها في لبنان. و مما يساعد في إنجاح هذا المخطط المضاد، بلادةُ السياسة الإيرانية التي حشرها التعصب، و الطمع الإمبراطوري في زاوية الهروب للأمام ! حيث راهنت على نظام الأسد، و قايضت الشعب السوري كله بحفنة من القتلة النُّصيريين. كما أنه من بلادتها دفعها بالمالكي إلى التصلب في وجه مطالب السنة لتحقيق العدالة، و الرفع من مستوى تمثيلهم في الحكومة العراقية و في الجيش و الشرطة، الذي أنشأه الاحتلال على أساس طائفي ليدافع عنه أمام مقاومي الاحتلال من سنة العراق. 

الخلاصـــة :
أن الشعب السوري مقبل على الإطاحة بنظام بشار، ليس في دمشق وحدها، و لكن في الساحل أيضا، بسبب الزحف الذي سيقوم به الثوار من المناطق الشمالية من إدلب و حلب التي توشك على السقوط، و دير الزور و الحسكة، إضافة إلى حمص و حماة، و نظرا لكثرة الجبال، و وجود الفجاج، و الغابات، فإن مهمة الجيش النظامي في صد الثوار ستكون شبه مستحيلة.و بسقوط النظام السوري سيسقط حزب الله تلقائيا بعد أن يدخل في صراع وجودي مع الجيش الحر، و جيش النصرة، و ينقطع عنه المدد، أو على الأقل- إذا لم يسقط، فستُقلم أظافره، و يتراجع خطره على لبنان و أهله من السنة كثيرا، بعد أن يدفع هذا الصراع سنة لبنان حتما إلى التسلح، و هذا الوضع الجديد المرشح إليه لبنان سيؤدي بكثير من أبواق السياسة الإيرانية و مخططيها إلى الرحيل عن لبنان خوفا على جلدهم، مما سيقلص نفوذ إيران أكثر، و يصبح حلم حسن نصر الله إلحاق لبنان بولاية الفقيه - كما صرح بنفسه - حلما يستحيل التحقيق. و قد يفاجأ العالم بما لم يكن له في حسبان، وهو أن يتحالف حزب الله مع إسرائيل إذا ما أحس بأي خطر على وجوده. كما صرح بعض الشخصيات في حزب الله. شَهِد بذلك الأمينُ العام السابق لحزب الله: الشيخ صبحي الطفيلي ! 

و أنا لا أستغرب من ذلك، فقد سبق لأحد كبار مراجع الشيعة، و عملاء إيران، و هو باقر الحكيم أن تحالف مع الاحتلال الأمريكي، و دخل العراق على ظهر دبابة الاحتلال أو داخلها، و هو الذي كان يخرج في طهران مع مئات من أتباعه يهتف بالموت لأمريكا و الموت لإسرائيل.و عندما قُتل وصفه حسن نصر الله بأنه كان عالما ربَّانيا !!!!كما أن الشيخ صبحي الطفيلي صرح قبل شهور أن باقر الصدر، صاحب كتاب فلسفتنا ،أعرب له يوم كان معه في الكويت عن استعداده للتحالف مع "إسرائيل" من أجل الإطاحة بصدام. 

و العراق قد يستقر الأمر فيه على إعادة هيكلة موضوع الحكومة على ضوء واقع جديد مبني على إحصاءات سكانية حقيقية غير مفروضة من إيران، و على أساسها يتشكل الجيش و الشرطة و المخابرات حتى لا تتكرر مأساة اضطهاد أهل السنة. 

أما إيران فمقبلة على خسارة تاريخية، فخسارتها لسوريا الوشيكة ستجر عليها خسارة ثلاثية : خسارة لبنان ثم العراق بعد سوريا. و ستجد نفسها تتقوقع داخل حدودها كما كانت. هذا إن نجت من فتن و ثورة شعبية داخلية بسبب الظلم، والاضطهاد، و البطالة، و التضخم المرتفع بسبب تدهور سياسة المتشددين،و صرف المليارات على الحروب و الدسائس و شراء الذمم في الخارج و الداخل. فكل المؤشرات تقول بأن إيران مقبلة على صيف ساخن هذه السنة، بسبب تأثير العقوبات على اقتصادها و تدهور عملتها التي فقدت أكثر من 60% من قيمتها خلال سنة واحدة. 

المنطقة مقبلة على أيام حبلى بالمفاجآت.و وضع المنطقة مرشح ليشهد عهدا جديدا سيتميز باندحار النظم الاستبدادية،و النماذج الستالينية بعد أن ينحسر طيفها المخيف عن الشرق الإسلامي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق