الثلاثاء، 2 أبريل 2013

إستغلال القضاء لخدمة الأهواء - أحمد الرواس


تماما كما استفاق الشعب المصري مذهولا أمام قرار المحكمة الدستورية و هي تنزع منه سلطته التشريعية و تمنحها للعسكر بالمجان، فكذلك كالصاعقة نزل خبر تجريد نواب العدالة و التنمية لمدينة طنجــة من مقاعدهم البرلمانية بدعوى استعمالهم للرموز الدينية ! و ذلك لأن الملصق الدعائي الذي يحمل صور مرشحي العدالة و التنمية ظهرت في إحدى زواياه صورة لصومعة مسجد بوعبيد التاريخية و التي تعد من أبرز و أهم معالم مدينة طنجة. و هذا الحكم أصدره المجلس الدستوري معللا قراره بأن المادة 36 من القانون التنظيمي لمجلس النواب "تمنع القيام بالدعاية الانتخابية في أماكن العبادة" و الذي تقدم بهذه الشكوى الغريبة هو أحد أعضاء حزب البام أو الأصالة و المعاصرة. و لم يكن أحد ليصدق قبل صدور هذا الحكم العجالي أن يصدر، ذلك لأن لي عنق هذه المادة لتنطبق على ذلك الملصق و تلك الصورة الباهتة في الملصق تحتاج إلى قدر كبير من الإجحاف في تأويل النصوص القانونية، فالمادة إنما تنص على عدم جواز خوض الدعاية الانتخابية في أماكن العبادة، و هذا لا ينطبق على الحالة التي عرضت عليه  من طرف خصم لدود لهذا الحزب كالأصالة و المعاصرة، فحزب العدالة و التنمية لم يخض حملته الانتخابية من أماكن العبادة ، فالكل يعرف ذلك و وجود صورة لصومعة في زاوية من زوايا الملصق كان يجب أن تفهم في إطار مجالها الحقيقي و هو أنها تمثل معلما من معالم المدينة التاريخية التي يمثلها أولئك النواب.. فالذي ينظر إلى الملصق و يلاحظ تلك الصورة يتبادر إلى ذهنه لأول وهلة مدينة طنجة و تاريخها العريق قبل أي اعتبار آخر تفرضه هواجس الكيد السياسي بين الأحزاب.

و إن كان هذا القرار الصاعق الملزم  قد نجح في شيء، فقد نجح في كشف جانب من جوانب الكيد السياسي المحموم الذي تنفثه  في الأجواء بعض الأحزاب الفاشلة مدفوعة بمرارة الانتكاسة المروعة التي تعرضت لها في الانتخابات التشريعية الأخيرة ل 25 نوفمبر الماضي . كما أنها تكشف عن مدى شراسة قوى جيوب المقاومة ضد إصلاح الأوضاع في البلاد. فقد تحالفت بعض الأحزاب مع بعضها و تكتلت من أجل عرقلة سير هذه الحكومة المنبثقة من إرادة الشعب المغربي الحقيقية إلى حد بعيد و التي عرفت قدرا كبيرا من الشفافية لأول مرة بشهادة الجميع ربما. لقد شمرت هذه الأحزاب الخاسرة عن سواعدها من أجل وضع العصي في دواليب حكومة المصباح حتى لا تمضي بعيدا  في تنفيذ برنامجها الإصلاحي الذي وعدت به، ثم فيما بعد ترتدي تلك الأحزاب نفسها مسوح الحريص على مصلحة المواطنين، و تعيير الحكومة بأنها لم تحقق شيئا مما وعدت به و هي التي تصل الليل بالنهار من أجل وضع العراقيل في طريق هذه الحكومة حتى لا تحقق شيئا مما وعدت به المواطنين ، و هكذا قررت بعض هذه الأحزاب للأسف الانحشار في دائرة ذلك التيه الكيدي النكد. الاستماتة في عرقلة سير الإصلاحات بوضع مختلف المطبات في طريق الحكومة ثم إقامة الدنيا  صراخا و ملئها ضجيجا على عدم تحقيق الحكومة لشيء من الإصلاحات التي وعدت بها. و الضحية طبعا هو الشعب المغربي الذي يرغم قسرا على الدخول في هذا التيه من المكائد السياسية الدائرة في ردهات كتلة أحزاب المعارضة.
معالم الأهداف السياسية لهذه الأحزاب يبدو أنها أهداف تقليدية لكنها هذه المرة تضرب خارج السياق التاريخي، و تعاني من انفصام نكد عن الواقع يغريها الطمع في العودة إلى سابق عهدها بالتفرد بالمشهد السياسي مرة أخرى. و لذلك فهدفها أمسى واضحا و هو إما تكثيف الضغط بجميع الوسائل الممكنة على حزب المصباح و دفعه لليأس و الابتئاس حتى يقدم استقالته  و يعلن عجزه عن السير قدما في هذا الطريق الموحش و المليء بركامات من العراقيل التي لا تنفك تلك الأحزاب تلقيها أمامه و بالتالي يعودون إلى قلاعهم التي فقدوها. أو أنهم يستمرون في ضغوطهم المتوالية و السعي  إلى إفراغ حز ب المصباح من محتواه و إظهاره للشعب المغربي بصورة العاجز الخانع الذي لا يستطيع تحقيق شيء مما وعد به، و بالتالي يعود المواطنون إلى التصويت على أحزابهم و هجر حزب العدالة و التنمية.. و في سبيل الوصول إلى أحد هذين الهدفين أمسى كل شيء مباحا لدى بعض هذه الأحزاب من الديمغوجيا الموغلة في التضليل إلى الحملات الإعلامية التشويهية، إلى  محاكمة النوايا، إلى إلقاء التهم المجانية على مختلف أعضاء حزب العدالة و التنمية، إلى الملاحقات القضائية انطلاقا من سوء نية تأويل نصوص القوانين إلخ إلخ.
لكن ما غاب و يغيب على هذه الأحزاب المتربصة أن الشعب المغربي قد يئس تماما من تلك الأحزاب التقليدية منها و الطافية على السطح فجأة ، و أن أي استطلاع للرأي بين المواطنين حول تلك الأحزاب يكشف عن هول قنوط الناس و تبرم عامة أفراد الشعب المغربي من تلك الأحزاب بعد أن خبروها في الحكومات السابقة، و بعد أن رأوا بأعينهم مستوى الاختلالات الخطيرة التي عمت  مختلف المجالات. و بالتالي فإن المراهنة على الكيد لحزب العدالة و التنمية و إسقاطه  هي مراهنة جزافية  قد تتضمن المراهنة بمستقبل البلد.. فمما لا شك فيه أن المغرب كان قاب قوسين أو أدنى من الانحدار إلى بوتقة العنف في أجواء ثورات الربيع العربي، و الثورة على الأوضاع المزرية التي أوجدتها تلك الأحزاب و سياساتها و أداؤها الباهت  لولا المبادرة الملكية الحكيمة التي وعدت بمزيد من الشفافية في تدبير الشأن العام، و تحقيق مزيد من المكاسب السياسية و تحقيق طموح المغاربة في دولة الحق و القانون و الضرب على أيدي المفسدين الذين يسيئون إلى بلدهم و مؤسساتها العريقة. و كانت أولى بشائر تحقيق تطلعات الشعب في ظل تلك المبادرة الملكية هو شفافية الانتخابات التشريعية الماضية و التي خلت بنسبة 80%على الأقل من الفساد الذي اشتهرت به في العهود الماضية. فصوّت الشعب على حزب العدالة و التنمية كأمل أخير في الأحزاب المغربية ..و كان المنطق السائد أو الدافع الأبرز لدى بعض الناخبين الذين يئسوا من باقي الأحزاب يقول : دعنا نجرب حزب العدالة و التنمية كحل أخير. و بالتالي فإن الذين يراهنون في عودتهم إلى السيطرة على مقاليد الأمور عن طريق عرقلة سير قطار الإصلاحات التي تنتهجها حكومة العدالة و التنمية في انسجام مع المبادرة الملكية للإصلاح هو مراهنة  بمستقبل البلاد و الدفع به إلى حافة الفوضى لا سمح الله.
الكل يعلم أن كثيرا من القوى التي كانت تحبذ الاستمرار في العصيان المدني، سواء من الذين بقوا في  حركة 20 فبراير أو الذين انسحبوا منها قد عابوا على حزب المصباح قبوله بالبادرة الملكية و الأخذ بيد البلاد إلى بر الأمان في ظل رياح الربيع العربي العاصفة، و اتهموا حزب المصباح بعرقلة سير البلاد نحو ثورة تقلب كل الأوضاع كما حدث في دول عربية أخرى، و أكدوا و ما يزالون يؤكدون أن حزب العدالة لن يستطيع التغلب على حراس معبد الفساد و لن يستطيع أن يوقف سيطرة المخزن على كل الأوضاع و أن الحزب قد راهن بشعبيته الكبيرة، و أنه  قد أساء التقدير و وقع في خطإ تاريخي سيؤدي في نظرهم حتما إلى أن يعلق المخزن و أحزابه كل الفشل على حزب العدالة و التنمية و يخرجه من الحكومة بخفي حنين بعد أن يكون قد جرده من  شعبيته تماما. 
و لكن السؤال إلى متى سيظل حزب المصباح متحملا لعبئ كل هذه العراقيل المتناسلة باستمرار؟ إلى متى سيظل يبدد جهوده في مواجهة الخطط الماكرة التي تبيتها بعض الأحزاب المتربصة و التي لها امتدادات داخل نسيج إمبراطورية المصالح الفرانكفونية و كارتيل مصالح الحيتان الضخمة. التي تمتد أياديها الأخطبوطية في الإعلام و السياسة و الاقتصاد و الثقافة ؟ لقد ذهلت هذه الأحزاب عن الرسالة التي يجب أن تلعبها أية معارضة محترمة و هي التعاون من أجل مصلحة البلاد العليا في الأمن و الرخاء الاقتصادي و التقدم العلمي و السلم الاجتماعي و الحصانة الثقافية إلخ بدل نسيان كل هذه الأهداف النبيلة و الهرولة وراء جوقة التشهير و الشيطنة التي تنفخ في أوارها قوى لا تهمها  سوى مصلحتها الذاتية و إشباع نزواتها السياسية و إرضاء ميولاتها الثقافية الشاردة عن تراث البلاد و تاريخه الحضاري.
يحق لنا أمام هذا التشخيص المجرد للأوضاع أن نتساءل : إلى  أي مدى كان قرار "المجلس الدستوري" محايدا في حكمه و هو يحرم بجرة قلم غالبية سكان هذه المدينة العريقة مدينة طنجة من نوابه الشرعيين الذين اختارهم دون غيرهم على أساس الكفاءة و النزاهة و ليس على أساس صورة الصومعة في الملصق، ليمثلوه في مجلس النواب ؟. و ما سر هذا التجاوب السريع مع تلك الشكوى من خصوم لدودين لحزب المصباح القائمة على سوء تأويل لملصق يحمل جانبا من معلم المدينة التي يمثلونها؟ و لماذا لم يتحرك المجلس الدستوري ليحقق في شكاوى عديدة تقدم بها حزب العدالة و التنمية عن استعمال بعض الأحزاب المال لشراء الذمم مع ما يملكه الحزب من أدلة دامغة؟ و لماذا لم يحرك المجلس الدستوري ساكنا أمام الشكاوى التي تقدم بها الحزب بتلاعب بعض الأحزاب بالقوائم الانتخابية حيث قدمت ما يستحق التأخير و أخرت  ما يستحق التقديم للتحايل على القانون المنظم  لهذا المجال؟ أسئلة عديدة تنتظر الجواب مما يعني أن استقلال القضاء و تنزهه ضرورة قصوى، و أولوية الأولويات  في أي إصلاح جاد لكنه للأسف لا يزال أحد أبعد الأهداف عن التحقيق.
 هل يمكننا بعد هذا أن نلوم أولئك الذين يقولون بأن ذلك الحكم جاء كرد فعل عاجل على تصريحات الوزير محمد نجيب بوليف عن استفادة شركات كبرى من صندوق المقاصة مع أنها تحقق أرباحا بالملايير كل سنة؟ هل يؤدي حزب العدالة و التنمية ضريبة صراحته مع الشعب المغربي ؟ من من مصلحته الضغط في اتجاه اليأس و العودة إلى المربع الأول؟ 

في 19 يونيو 2012

ملحوظة: عندما كتبت هذا المقال قبل شهور جاءتني بعض الردود منم مؤيدي فلول المقاومة، تبشر باكتستاح أحزابهم  للمقاعد المطعون فيها بحجج واهية، ثم وقعت أكثر من استحقاقات جزئية فاكتسح حزب ع ت أغلب المقاعد، أما حزب الجرار الذي جر الناس إلى هذا التشكيك لم يجر غير ذيل الهزيمة و لم يفلح في استعادة ولو مقعد واحد، ليتبين له أن المغاربة أذكى من أن يتم الزج بمعظمهم في غياهب التضليل و الحملات الدعائيةو التشهيرية حول قضايا زائفة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق