ملحوظة: يحسن بمن لم يقرأ الجزء الأول من هذه الدراسة أن يطلع عليها
في المقال السابق
يتبين إذن أن توريث الخلافة
فكرة زائفة و لا دليل عليها من الكتاب أو من السنة الصحيحة الصريحة، و يكذبها
الواقع الذي عاشه الصحابة بعد النبي ص ، و أكبر برهان داحض لها هو الخليفة الراشد
علي بن أبي طالب نفسه، فهو لم يذكر يوما أنه منصوص عليه في الكتاب و السنة. بل
عندما قتل عثمان ر واجتمع الناس عليه تلقائيا ليبايعوه رفض الأمر و قال : "
دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان . لا تقوم له القلوب ولا
تثبت عليه العقول . وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت . واعلموا أني إن أجبتكم
ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب . وإن تركتموني فأنا كأحدكم
و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم . وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا .
ففي هذا التصريح المفصل نسف مفصل أيضا لكل الأسس التي انبت عليها النظرية الإثاعشريةـ
ففيه نفي صارخ لدعوى النص على إمامته، و فيه نفي صارخ لدعوى وصية رسول الله له
بالخلافة، و فيه نفي صارخ لدعوى اغتصاب الصحابة لمنصب الخلافة الإلهي ففي قوله:
" و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم" إدانة منه لمن يزعم تبرأه
من باقي الخلفاء الراشدين بدعوى اغتصابهم للخلافة.و في قوله: " وأنا لكم
وزيرا خير لكم مني أميرا" إعتراف منه بجواز إمامة المفضول، و أنه لا يشترط في
الخلافة الأفضلية المطلقة التي لفقها الإثناعشرية لأئمتهم و أضافوا إليها بأهوائهم
و غلوهم من الصفات التي لا تليق إلا برسول الله، مثل العصمة، و التشريع،و منها ما
لا يستحقه إلا الله تعالى مثل : علم الغيب،و تدبير الكون، و محاسبة العباد يوم
العرض على الله، مما تزخر به كتبهم العقائدية و الحديثية. مثل : أصول الكافي لأبي
يعقوب الكليني و : الفقيه لمن لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي، و التهذيب و الاستبصار
للطوسي، و البحار للمجلسي و غيرها من الكتب . و يكفي دليلا على نسف كل الأدلة التي
يتعلل بها الشيعة الإمامية الإثناعشرية ، كآية الولاية، و آية إيتاء الزكاة ركوعا
على حد تأويلاتهم، و أحاديث الغدير، والمنزلة، و حديث السفينة،و حديث مدينة العلم
و غيرها أن عليا رضي الله عنه لم يستشهد يوما بواحدة منها، و من الغريب حقا تصديق
السذج بتلك التأويلات الموغلة في العبث و التي يذيل بها الإثناعشرية تلك الأحاديث
مع أن صاحب الأمر نفسه لم يخطر له على بال الاستشهاد بواحدة منها ! فكيف إذن
يزعمون إتباع علي كسيد أهل البيت و هو لم يذكر شيئا مما يفترون؟ و لا أذن لهم في
مثل تلك التأويلات المبتسرة و المغرضة؟ و الآن دعنا نتفحص في أهم أدلة الشيعة
الإثناعشري التي يزينون بها أمرهم للعامة و الجهلة من أبناء السنة فيردون عقولهم و
يشلون بعد ذلك إرادتهم و يغلون عقولهم بالشبهات ثم يرمونها في خضم أساطيرهم
المضحكة. يقترب منك الشيعي الرافضي فإذا آنس من جانبك جهلا أو غفلة أو قلة اطلاع،
حاول أن يتدرج معك في الحديث،من محبة آل البيت إلى محاولة إقناعك بأن آل البيت هم
الأحق بالخلافة، و أولهم علي..فإذا طالبته بالدليل من القرآن لم يتردد في أن يصدع
أمامك بما يسمونه بآية الولاية، حيث يكسرون ياءها و الحق أن الآية تتحدث عن
الوَلاية بفتح الواو بمعنى المناصرة و المحبة و النصرة، و ليست الوِلاية بمعنى
الخلافة التي قامت كل الدلائل العقلية و النقلية على تزييفها. و آية الولاية عندهم
هي الآية 56 من سورة المائدة و هي قوله تعالى : " إنما وليكم الله و رسوله و
الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون" حيث يتصرفون في
الآية على هواهم خارج كل القواعد المعروفة لدى المفسرين و الأصوليين. فيقولون لك
بأن الولي في الآية معناه الخليفة! و الواو في " و هم راكعون" واو الحال
، ثم يأتونك بعدد من الأحاديث التي تشير إلى أن الذي زكى و هو راكع هو علي، إذ
جاءه سائل يطلب الصدقة فأخرج علي خاتما من أصبعه ثم ناوله للسائل و هو في حالة
ركوع ! و على غرابة هذا التفسير و مصادمته للعقل و النقل فإن فرقة الإثناعشرية من
الشيعة لا تكل أبدا من ترويجه و التشبث بتأويله. و الآن لنلق نظرة سريعة على هذه
الآية و نناقش الشبهات التي يثيرها الإثناعشرية حولها. أول ما يطالعنا من أدلة
تزييف هذا التأويل الشيعي للآية هو السياق الذي جاءت فيه، و معرفة السياق و
مراعاته أساس في تفسير القرآن الكريم و الحديث الشريف، بل حتى في أي كلام معتبر، و
محاولة الشيعىة الإثناعشرية و كذلك من شابههم من أهل الأهواء القفز على السياق
القرآني و الحديثي يفضح نيتهم المبيتة في التزوير. فما هو إذن سياق هذه الآية ؟
لقد جاءت هذه الآية المباركة متوسطة بين سياق سابق و آخر لاحق في التحذير من
موالاة اليهود و النصارى من أعداء الإسلام، و النهي الشديد عن محالفتهم فقد سبق
هذه الآية قول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى
أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم
الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة
فعسى الله أن ياتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين
.يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم
فأصبحوا خاسرين، يا أيها لا ذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يات الله بقوم
يحبهم و يحبونه أذلة على المومنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و
لايخافون لومة لائم ذلك فضل الله يوتيه من يشاء و الله واسع عليم، إنما و ليكم
الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون. و من
يتولى الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزء و لعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و الكفار
أولياء، و اتقوا الله إن كنتم مومنين. و يستمر القرآن في نفس السياق الذي يحذر
الله فيه جماعة المومنين من الميل إلى أعدء الإسلام و محاربيه و التحذير من عقد
الأحلاف معهم بالشكل الذي يؤدي إلى استحكام سيطرتهم على المومنين. و تذويبهم في
مشاريع الهيمنة التي لم تزل تراودهم.مصداقا لقول الله تعالى : " و لن ترضى
عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم" و لذلك قال هنا: " و من يرتدد
منكم عن دينه….إلى آخر الآية" و إن محاولة اقتلاع هذه الآية من سياقها و
فصلها عن محيطها الذي تنزلت فيه، ثم تحميلها بحمولات فكرية تخدم الميثلوجيا
الشيعية الإثناعشرية هو اختطاف يقوم به الذين في قلوبهم زيغ ابتغاء تضليل الآخرين
و جرهم نحو نحلهم و فرقهم المفارقة لجماعة المسلمين. فالسياق إذن يأبى أن يسلم
باختطاف الآية من منظومتها البيانية و بنيتها المتراصة المحكمة. و هنالك حجج أخرى
و علل عديدة تفند ما يحاوله أهل أصحاب هذه النحلة. في الحلقة الثالثة سأبسط القول
بحول الله في العلل الناسفة لهذا المنحى الذي إليه يجمحون، و هي علل عديدة يحسن
بالدارس لأساسيات عقيدة هذه النحلة من الشيعة أن يقف عليها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق