سلسلة الإعجاز العلمي
الجبال في القرآن2/2
أحمد الرواس
http://www.youtube.com/watch?v=qiseTb6sj1c
هل الجبال حقا تضرب بجذورها في باطن الأرض؟
هذه الحقيقة لم تكن معروفة في الأوساط العلمية إطلاقا، و قد رجعت إلى عشرات القواميس المعتمدة و بعض الموسوعات العلمية التي لا تجدد نفسها حسب المعطيات الجديدة ، باحثا عن تعريف شافي للجبال فما وجدت شيئا يشير إلى بعدها الداخلي و تجذرها، فمجمل التعريفات تدور حول كون الجبال عبارة عن كتل مرتفعة عما حولها من الأراضي المنبسطة،أو هي نتوءات مميزة تنتشر على وجه الأرض،و هذا وصف خارجي وسطحي لا يشير إلى حقيقة الجبال ودورها. ويمكنني أن أتجرأ فأضع هذا التعريف : الجبال هي كتل صخرية هائلة منصوبة فوق الأرض ومتجذرة في قشرتها بأعماق متفاوتة، و تلعب دورا أساسيا في المحافظة على توازن الأرض سواء في حركاتها المحورية و المدارية أو تثبيت القشرة الخارجية فوق ما دونها .
و هذا التعريف- وإن كان طويلا بعض الشيء- إلا أنه ضروري لاستيعاب ما خفي من أدوار أساسية تقوم بها الجبال.و قد أشار القرآن- كما أسلفت - فيما أشار إلى هذه الحقيقة في آية واضحة جلية تكاد لا تقبل الشرح و التوضيح و ذلك في سورة النبإ عند قوله تعالى : " ألم نجعل الأرض مهادا و الجبال أوتادا" فكلمة أوتاد أدق وصف يمكن أن يطلق على هذه الحقيقة المكتشفة حديثا ، فمفردة وتد تدل بالضرورة على مدلول التثبيت و الحماية من الاضطراب، و الوتد يطلق على أي معول حديدي أو خشبي، يغرس بعمق داخل الأرض لتثبيت ما يربط فيه مثل الخيمة، أو الدابة،. و هذا الأمر ينطبق على الجبال بشكل مدهش فقد اكتشف علماء الجيولوجيا أن الجبال ضاربة بجذورها في باطن الأرض،و أن جزءها الذي لا يظهر في باطن الأرض هو أضعاف ما يبدوا على السطح. و مع تقدم العلوم و تظافرها و استفادة علم طبقات الأرض من الأدوات التكنولوجية الحديثة المتعلقة بالمسح السطحي، و قياس الاهتزازات ، و رجع الصدى أو قياس عبوره لمختلف الكثافات، و المعرفة الدقيقة بخصائص العناصر و سرعة اختراق الصدى و الأمواج الصوتية و الضوئية لها، فقد أمكن لهذا العلم أن يميط لنا اللثام عن حقيقة ظلت مطوية عن العلماء أحقابا طويلة.و قد كنت أقرأ في كتاب للدكتور تيد نيلد المسمى : القارة الخارقة- The supercontinent فوجدته يشير إلى هذه الحقيقة بكل وضوح في قول له ترجمته كما يلي:
إن الجبال –كما يصرح إيري Airy تبذل جاذبية سحب أقل مما يجب لأن لها جذورا، و تتجذر عميقا داخل الأرض بسبب مادتها الأخف كثافة بحيث ترتكز على قاعدة أكثر كثافة داخل الأرض فهي تطفوا عليها كما تطفوا جبال الجليد على الماء الأكثر كثافة منه.
و قد وضع علماء الجيولوجيا معادلات تحسب بها نسب عمق الجبال داخل القشرة الأرضية، فحسب الموقع التخصصي في علم الجيولوجيا geology.edu فإن المعادلة التي تحسب مختلف الأعماق للجبال هي كالتلي:
معدل كثافة الجبل و التي هي 2.8 جرام للسنتمتر المكعب مضروب في الارتفاع من على سطح البحر مقسوم على: كثافة طبقة الوشاح Mantle ذات معدل الكثافة 3.3 جرام للسنتمتر المكعب، ناقص معدل كثافة الجبل:
فإذا افترضنا أن لدينا جبلا بارتفاع1 كيلومتر فإن المعادلة الرياضية تكون كما يلي:
أي أن نسبة تفاوت ما بين علو الجبل فوق سطح الأرض و امتداده داخل القشرة الأرضية هي نسبة 5.6 كيلومتر لكل كيلومتر ، فإذا كان ارتفاع الجبل 2 كيلومتر فإن عمقه يمتد إلى 11.2 كيلومتر !
و قد جاء في موسوعة الجبال التي من مؤلفيها الدكتور فرانك بريس Frank Press رئيس أكادمية العلوم و المستشار السابق للرئيس الأمريكي جيمي كارتر التأكيد على أن الجبال لها جذور ضاربة في أعماق الأرض و قد شبهها بالمسامير التي تثبت الأشياء على لوح الخشب، و نص على أن الجبال تلعب الدور الأساسي في استقرار القشرة الأرضية و ذلك في ص 141 .
بعض المصادر الأخرى شبه فيها علماء الجيولوجيا الجبال بالأسافين! Wedges كما صرح بذلك عالم الجيولوجيا الياباني Siaveda سيابيدا و الذي أكد أن جميع الجبال- سواء تلك التي على اليابسة أو التي في المحيطات كلها عبارة عن أسافين تضرب عميقا في باطن الأرض و تشكل جذورا ترسي هذه الجبال و ترسي معها القشرة الأرضية المنصوبة على طبقة لزجة ذائبة. بسبب معادلتها لثقل الأرض.
أما دورها في تليين حركة الأرض و منعها من أن تميد بمن عليها و تضطرب بمن فوقها فإن القليل فقط هو المعروف عن هذا الجانب ، و لكن لنقترب من الموضوع قليلا من الناحية الفيزيائية، إن كل شيء يدور بأي سرعة و يرتبط بمحور في دورانه إلا و يحتاج في استقراره إلى تساوي الأحجام في أجزائها المتقابلة، عموديا أو أفقيا، و أي تفاوت في هذه الأحجام سيؤدي حتما إلى اضطراب في هذه الحركة ، و كل ما يلزم لتوليد الاهتزازات الميكانيكية في أية حركة محورية متسارعة هو أن تحدث تفاوتا في توزيع الأثقال في دولب محوري ، و لتبسيط الأمر فإنك لو أضفت ثقلا معينا إلى جانب من جوانب أي عجلة للسيارة فإنك ستلحظ ارتجاجا و اضطرابا ملحوظا في سيرها مما سيضطرك إما إلى تبديل العجلة أو زيارة مرآب ضبط التوازن . و الأرض كما سبقت الإشارة تدور بسرعة محورية هائلة فهي تقطع مسافة 44000كيلومتر في اليوم أي ما يعدل 1833 كيلومتر في الساعة الواحدة !و مع ذلك فلا يحس المرء بأي ارتجاج أو اضطراب، كما أنها في نفس الوقت تجري بسرعة تتعدى 100 ألف كيلومتر في الساعة في مدارها الهائل حول الشمس.وصدق الله العظيم إذ يقول:
"و ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم " أي جعل في الأرض جبالا راسيات تحفظ الأرض من الاضطراب في حركتها.و لقد ورد هذا المعنى في أكثر من آية في القرآن في سور مختلفة منها قوله تعالى:
"وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم " 31/21
" وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم و بث فيها من كل دابة" لقمان31
" و جعلنا فيها رواسي شامخات" المرسلات27
" وجعل فيها رواسي من فوقها" فصلت41
فهناك ربط جلي في هذه الآيات ما بين انتصاب الجبال في القشرة الأرضية وبين سلاسة حركة الأرض. و قد يكون للجبال دور في التقليل من البراكين و الزلازل نظرا لأن الجبال في الغالب أكثر كثافة وأشد صلابة مما حولها من القشرة الأرضية و أكثر عمقا و ثقلا و بالتالي فمبدئيا فإن الجبال أكثر مقاومة لما تحتها من الضغط الهائل ،وأكثر امتصاصا للموجات الزلزالية و وأدا لها.
و أغلب المراجع العلمية التي كتبت ما قبل منتصف القرن العشرين ليس فيها ذكر لهذه الحقيقة العلمية التي ذكرها القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 سنة،إلا أن علماء الجيولوجيا تفطنوا إلى أن هناك قوى فيزيائية هائلة تعمل على معادلة الضغط على القشرة الأرضية، فظهر للوجود فرع في علم طبقات الأرض يسمى ب: نظرية توازن الضغط على القشرة الأرضية Isostasy و قد عرف قاموس New Webster على النحو التالي: يعني جيولوجيا تحقيق التوازن العام في القشرة الأرضية في ظل قوة الجذب –السحب- الأرضية.
أما الموسوعة البريطانية التي تجدد نفسها دوريا، فقد عرفت هذه النظرية بما ترجمته كما يلي:
وصف النظرية: إيسوستاسي هي حالة توازن الكتلة في القشرة الأرضية المعالجة لكل الكتل الضخمة في قشرة الأرض، كما لو كانت تطفوا على طبقة تحتية أكثف، حوالي 70 ميلا في العمق، في هذه النظرية فإن الكتل فوق مستوى سطح البحر تكون مدعومة بما تحتها من طبقات أكثف ، و لهذا فإن الجبال العليا لا بد أنها مناطق كثيفة الكتلة و بجذور عميقة تمتد إلى طبقة الوشاح Mantle . وهذا مشابه لجبال الثلج وهي تطفوا على سطح الماء بحيث يكون الجزء الأعظم منه تحت الماء"
تجدر الإشارة إلى أن عمق الجزء المغمور تحت الماء في جبال الجليد بالنسبة لما هوفوق سطح الماء هي 1 إلى 9 ،وبالنسبة للجبال هي 5.8 كما سبقت الإشارة أعلاه. أنظر المعادلة .
كما أنني وجدت إشارة واضحة لدور الجبال في المحافظة على التوازن الحركي للأرض، بسبب معادلتها لوزن الأرض الموزع عبرها و ذلك في كتاب : تغير سطح الأرض لصاحبه م.ج سلباي : 28. M. J. Selby
Earth’s Changing Surface (Oxford: Clarendon Press: 1985), 32
وصدق الله العظيم القائل:
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه و إليه النشور" سورة الملك. و صف الذلول يطلق على الناقة الطيعة في سربها، الحثيثة في سيرها، المريحة لراكبها في أسفاره، فهي لا تضطرب في مشيتها، و قد شبهت الأرض في سلاسة جريانها حول محورها و حول دورانها حول الشمس بالناقة الذلول، و الجبال تلعب الدور الأساسي في كل ذلك.
فمن الذي أخبر محمدا ص بأن الجبال ضاربة بجذورها في القشرة الأرضية؟ ومن أنبأه أن الجبال تلعب دورا أساسيا في المحافظة على هدوء الأرض و سكونها في سرعاتها الهائلة و الدائبة؟ إن هذا لأكبر دليل و برهان خالد على أن هذا القرآن هو من عند الله الواحد الذي قال في محكم التنزيل: " سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد"
و أكبر برهان على خلود رسالة الإسلام بخلود هذا الذكر المبين الذي تعهد الله بحفظه و من أصدق من الله قيلا هو استمرار كشفه للآنام عن مكنوناته العجيبة و آياته الباهرة ، فكل عصر يكشف من خباياه ما يبهره و يأخذ بيده إلى الهدى و الصراط المستقيم، وقد قال خاتم الأنبياء صلوات الله عليه في حديث طويل يصف القرآن الكريم :
"…………. ولا يخلق عند رده، وهو الذي لا تُفنى عجائبه، من يقل به يصدق، ومن يحكم به يعدل، ومن يعمل به يؤجر، ومن يقسم به يقسط" رواه أحمد في مسنده.
.و لو لم يرد في القرآن الكريم سوى هذه المعجزة لكفت العقول المستنيرة منارا يهديها إلى نور حقيقة الإسلام الأزلية، فكيف والقرآن الكريم يضم مآت الآيات الإعجازية التي تحير فيها العقول؟
ديسمبر 1st, 2010 at 12:00 م
وسع ربي كل شيئ علما
تحيتي ومودتي