الأحد، 3 فبراير 2013



اللغة العربية  الواقع و الآفاق/
أحمد الرواس 1/2 


         أثبتت جميع الدراسات العلمية  و اللغوية أن اللغة العربية  من أقوى و أمتن، و أطوع لغات العالم، و أنها تمتاز بخصائص دلالية و بنيوية و نحوية  و بلاغية و صوتية لا تحظى بها أية لغة أخرى .و معلوم أن اللغة العربية  تنتمي إلى اللغات السامية  مثل الآرامية و السريالية و العبرية و الآكادية ….الخ و من يدرس تاريخ تطور هذه اللغات السامية و ما تفرع منها من لهجات في منطقة واسعة تمتد مما وراء الحبشة  في الجنوب إلى أرمينيا في الشمال .و ما يقع بينهما من شبه الجزيرة العربية و العراق و سوريا و فلسطين ، و الذي يمتد في البعد الزماني من 2000 سنة قبل الميلاد إلى القرن الأول  قبل الميلاد.
 و حسب بعض الدراسات فإن أقدم النقوش باللغة العربية بطورها المعروف الآن فهو نقش عجل بن هفعم الذي عثر عليه في قرية الفاو (قرب السليل)في المملكة العربية السعودية، وقد كتب بالخط المسند ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد،. من يدرس كل ذلك يصل إلى استنتاج بأن اللغة العربية حازت محاسن كل تلك اللغات و اللهجات، فكما أن الله اصطفى محمد من خير القبائل كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه
  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اصطفى من ولد إبراهيم اسماعيل، واصطفى من ولد اسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
 
فكذلك قد اصطفى الله اللغة العربية من بين لغات و لهجات شتى كل واحدة كانت تصب محاسنها في الأخرى قبل أن تندثر فاجتمعت كل محاسن تلك اللغات و اللهجات  في اللغة العربية .و لذلك فليس من العبث أن يختارها الله حاضنة لرسالته الخاتمة التي حازت محاسن رسالاته السابقة، و ناطقة بمراده الأعلى ، و مستوعبة لوحيه  الأسمى.
و معلوم لكل باحث أن اللغة العربية قد دلفت بنزول الوحي إلى مرحلة من التطور و الرقي لم تحلم به أية لغة في العالم ، و هكذا انطلقت العربية في مسار الرقي مع تطور المجتمع الإسلامي الذي كان يزخر بالحيوية الحضارية ،و تسوده مفاهيم جديدة من الوحي تضم في مشروعها هداية العالم بأجمعه إلى دين الإسلام،  و هكذا دقت معانيها و لطفت تعبيراتها  مع نزول الوحي  و اتسعت آفاقها لتستوعب كل المعاني مهما دقت أو عظمت ، حتى لكأن عباراتها و ألفاظها الدقيقة ، و همساتها المجازية اللطيفة لكأنها رسل أرواح تحلق في كل الآفاق و لكأنها أنوار دقت أمواجها فاخترقت كل الحدود و الأجسام  .
و بسرعة قياسية تسنمت اللغة العربية مكانة عالية و رفيعة في المجتمع الإسلامي فأمست عي اللغة الرسمية للدولة الإسلامية ، و أمست لغة كل العلوم المعروفة آنذاك ، و أقبل علماء العجم على إتقانها و تعلقوا بجمالها ، بل و تخصصوا في علومها . و صارت بحق لغة العلم الأولى ، فكان كثير من علماء الغرب يقبل على دراستها و إتقانها حتى يتمكنوا من نهل العلوم العديدة المكتوبة بها سواء في ميادين الرياضيات أو الطب أو علم الفلك، و الجغرافيا ، كما أن كثيرا من مترجمي الغرب خصوصا في الأندلس كانوا  يقبلون على العربية دراسة و فهما حتى يستطيعوا أن يترجموا كتب الفلسفة اليونانية التي كان العرب قد ترجموها من الاتينية ، بعد أن نقحوها و زادوا عليها جهدا فكريا عظيما، نذكر منهم :
- (يوحنا الإشبيلي)، تولى نقل الكتاب من اللغة العربية إلى اللغة القشتالية العامية (الكاستيجا).
- (
دومينيكو جونديسالفي) تولى الترجمة من القشتالية العامية إلى اللغة اللاتينية الفصحى، ومن بعض الكتب التي ترجمت، كتب ابن سينا، الطبية والعلمية الأخرى والفلسفية..
- (
مرقص الطليطلي)، تولى ترجمة كتاب "جس النبض" لجالينوس، ولكن ليس عن لغة الكتاب الأساسية، التي هي اليونانية، وإنما نقلاً عن ترجمة عربية سابقة لهذا الكتاب، قام بها حنين بن اسحاق، وبهذا يكون فضل العرب مضاعفاً بهذه الحالة.
جيرار الكرموني ) Gerard de Cremone1114م- 1187م)، هذا المترجم بالذات كان نشيطاً لدرجة قام بالترجمة من اليونانية والعربية إلى اللاتينية نيفاً وسبعين كتاباً في الصيدلة والطب والفلسفة وغيرها من العلوم، وعلى سبيل المثال نورد بعضها:
في علم الصيدلية ؛ ترجم كتاب "الأدوية المركبة" للكندي.
في الطب: ترجم كتاب "القانون" لابن سيناإضافة إلى كتاب: "التصريف لمن عجز عن التأليف" للزهراوي، وكتاب "المنصوري" لأبي بكر الرازيومن المفيد ذكره في هذا الصدد، أنه ظل كتاب "القانون" يدرس في الجامعات الأوربية حتى بداية القرن السادس عشر، وكتاب "التصريف…" كان المرجع الأول لعلم الجراحة في أوربا وكذلك كتاب "الجراحة الكبرى" للزهراوي، كان المعتمد الأساس في علم الجراحة في أوربا حتى ظهور الجراح الفرنسي "آمبروا زباريه" في القرن السادس عشر. أما كتاب الرازي "المنصوري" فقد كان المجلد التاسع منه ذا تأثير كبير في تطور علم الطب في القرون الوسطى وكانوا يسمونه (the Ninth - Mansori ) أي المنصوري التاسع.  
و لا تعرف لغة في الأرض تعمقت فيها الدراسات اللغوية و النحوية و البلاغية و الإيقاعية  مثل العربية . و ما تزال الدراسات اللغوية الدقيقة التي وصل إليها علماء اللغة  العرب مثل بن جني في الخصائص مثلا ، و  الخليل  في عبقريته عن كشف علم العروض و البحور في الشعر العربي ، و الأصمعي في كتبه العديدة حول عبقرية اللغة العربية ما تزال معظم تلك الدراسات قمما لم يصلها أحد من اللغويين المحدثين رغم كثرة ما ينتجون في مجال فلسفة اللغة، و العلوم اللسانية الحديثة.و كثير من الدراسات اللسانية الحديثة تستمد بعضا من أبحاثها و أفكارها من كتب و تراث علماء اللغة العرب كما اعترف بذلك نعوتشومسكي  أب الدراسات اللسانية الحديثة.
 هذه نظرة خاطفة عن أهمية اللغة العربية و تاريخها، و إمكانياتها التي سادت بها الأرض لقرون عديدة  و لكننا اليوم و نحن نعيش فترة الاستعمار الثقافي و لاقتصادي باسم العولمة فإن كثيرا من الغافلين لا يعرف عن مميزات هذه اللغة العظيمة شيئا ، و لا يأبه بهجر هذه اللغة  و التبرم منها في مقابل التعلق بقشور لغات استعمارية منافسة أخرى لا تغني عنه في واقع الحال شيئا .
 معظم الدول العربية قد خرجت من الاستعمار العسكري لتدخل في مجاهل الاستعمار الثقافي الذي يفرض لغته و معها عاداته و تقاليده.فاللغة –أي لغة – لا تضم الحروف و الأسماء و الأفعال فقط بل تضم أيضا نمط التفكير و المنظور الحضاري ، و مقومات الشخصية … و غني عن التأكيد أن أسهل الناس انسلاخا من شخصيته القومية هو ذلك الإنسان الغير متشبع بلغته القومية و الغير متقن لها، و هو ذلك الإنسان الذي يطعم بلغة الأجنبي منذ سنوات دراسته الأولى ، أي في مرحلة الطفولة .فمرحلة الطفولة هي بمثابة مزرعة لنباتات الشخصية ، و شخصية الإنسان في الغالب تكون طبقا لما زرع فيها في هذه المرحلة المبكرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سبق أن نشرها أحمد الرواس ، في 6 أغسطس 2010 الساعة: في مدونة مكتوب

3 تعليق على “اللغة العربية الواقع و الآفاق/أحمد الرواس 1/2”

  1. مدونة ثرية
    تحوى معلومات قيمة
    تزينها افكار ذكية
    سعدت بتواجدى بين سطورها
    كل الود
    نزيلة
  2. شكرا نزيلة على إطرائك و مرورك وأرحب بك في مدونتي نزيلة أو مارة! أرجو أن تشرفي دائما بقراءة مواضيعي المتنوعة، التي أرجو أن تجدي فيها الفائدة المرجوة فأنا لا أحب الاعتباط في الكتابة بل إنني كما ستلاحظين ويلاحظ الكل ما من شيء أكتبه إلا وأقيم عليه الدلائل و البراهين. في بعض الأحيان يتطلب مني مقال واحد إنهاء أكثر من 12 بحثا علميا سواء بالعربيةأو الإنجليزية.
    دكت عاشقة للعلم والحقيقة
    وفقك الله
    أحمد الرواس 
  3. عاشقة الزهور قال:
    اخي أحمد الرواس
    بارك الله جهودك
    لي عودة إن شاء الله للتعليق
    اختكم / عاشقة الزهــــور

0 التعليقات:

إرسال تعليق