الأحد، 22 ديسمبر 2013

بعد مؤتمر جنيف: أي دور حددته أمريكا لإيران

إستفاق كثير من القادة العرب على واقع جديد في العلاقات الإيرانية الأمريكية خاصة و الغربية عامة أصاب الكثير منهم بقلق و إحباط . فقد أثبتت إيران أنها أكثر قدرة على المناورة، و أشد استعدادا للتنازل عما أوهمت العديد منهم بأنه مصالحها الإستراتيجية و مبادئها الأيديولوجية الثورية التي لا تقبل التفاوض. و على افتراض هذا العناد تجاه الغرب بنى كثير من العرب، خصوصا دول الخليج رؤيته الاستراتيجية للعلاقة الإيرانية الغربية. متصورين وهما أن ستستمر إيران في عنادها ،و تصلبها على مواقفها مما تسميه بالحقوق النووية للشعب الإيراني، و بالتالي فقد توقعوا مزيدا من التأزم في العلاقة بين طهران، و العواصم الغربية  مراهنين على أن الغرب سيكفيهم  مؤونة محاصرتها، و معاكسة مشاريعها المناوئة  لدول الجوار العربي، كالسعودية، و البحرين ،و الكويت و اليمن.
و بالرغم من تحذير كثير من الباحثين الاستراتيجيين في دول المنطقة من تهافت هذا التصور، و نَبَّهوا مرارا على خطورة الاعتماد على هذه النظرة الكلاسيكية في التعامل مع إيران، كالدكتور النفيسي، و الدكتور المسفر، و غيرهما إلا أن بعض قادة دول الخليج استكانوا إلى  تلك النظرة التقليدية في تصورهم للعلاقة بين إيران و الغرب. حتى فوجئوا بتهاوي قلاع تلك النظرة بسرعة في الأيام الأخيرة..
لقد تبين للجميع الآن أن إيران كانت تتفاوض في السر مع أمريكا منذ أكثر من سنة، وتبين أن تسليم سوريا المفاجئ لمخزونها الاستراتيجي للسلاح الكيماوي كان جزء من تلك المحادثات السرية، حيث ضغطت إيران على بشار كي يسلم السلاح الكيماوي لأمريكا دون أي تردد لتَسْلم لها مشاريعها في المنطقة.و تبين أيضا أن إيران كانت تتفاوض على بنود تصادم كل شعاراتها الموجهة للإستهلاك المحلي و الإقليمي، كمراعاة أمن إسرائيل، و التعهد بعدم المساس بأمنها، و هو ما  صرَّحت به الوفود الأوروبية المشاركة في محادثات جنيف الأخيرة، و أكده أكثر من مرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. و تفاوضت أيضا على التنازل التدريجي عن تخصيب اليورانيوم  يبدأ  بموافقة إيران على تخفيض مستوى التخصيب إلى 5% كبداية. مما يعني انتهاء حلم إيران في الإفلات بصنع قنبلة نووية. كما وافقت إيران على إخضاع جميع منشآتها النووية للمراقبة المباشرة، و للتفتيش الدوري و المفاجئ.
كل هذا في مقابل رفع العقوبات الغربية على إيران، و ربما إطلاق 
 يدها في المنطقة و هو ما يعني إيران أكثر الآن،و هذه النتائج التي تناولت فيها إيران عن كل شيء بينما لم تكلف الغرب غير التخفيف من العقوبات التي فرضها مما يسفه أحلام بعض المنخدعين الذين ما يزالون يردون مقولة أن إيران تتفاوض كند لأمريكا !. و هذا  المنحى الذي برز إلى السطح قد  أقلق دول الخليج خصوصا السعودية التي باتت إيران- بنفوذها الكبير في العراق -على حدودها الشمالية، و أصبحت قذائف جماعاتها الشيعية تنزل على الأراضي السعودية لأول مرة، كما حدث في منطقة حفر الباطن عقب تفجير السفارة الإيرانية في بيروت.
دول الخليج و بعد تغيير بوصلتها نحو دعم الانقلابيين في مصر، و ما استنزفته هذه الخطوة الغير محسوبة من مال، و سمعة، و مصداقية عربيا و إسلاميا، باتت تدرك اليوم أنها الخاسر الأكبر في المعادلة الجديدة . فلا الانقلابيون استطاعوا أن يقمعوا تطلعات الشعب المصري من الإخوان و من لحق بهم، و درء خطر انبعاث رياح الربيع العربي في الجوار، و لا أمريكا أسعفتهم في مشاكسة إيران و عرقلة مشاريعها الزاحفة.
أي دور يريده الغرب لإيران في المنطقة؟
بات واضحا للعيان اليوم أن الغرب الذي لا تتحرك خطواته الديبلوماسية و السياسية إلا على ضوء تصاميم خططه الاستراتيجية التي يسهر على وضعها، و مناقشتها جيش من المفكرين الإستراتيجيين قد هيأ لإيران الدور الذي تلعبه في المنطقة، و ضَمن لنفسه لا عبا جديدا وافق على اللعب ضمن الإطار المحدد الذي لا يمس بمصالحه، و تعهداته الأمنية لحليفته الاستراتيجية.و باتت بعض الدول العربية في الخليج تدرك أنها ليست لها تلك المكانة في الأولوية الأمريكية، و أن أمريكا مستعدة أكثر من أي وقت مضى لإتاحة فرص أكثر لإيران لإزعاج دول الخليج. و قد عبر ت بعض هذه الدول صراحة على هذا الانزعاج من خلال رفض السعودية لتسلم مقعدها الدوري في مجلس الأمن احتجاجا على عدم القيام بدوره في حماية الشعب السوري من مجازر بشار و احتلال  إيران و حزب الله للأراضي السورية –كما صرحت السعودية أكثر من مرة. و أكثر ما استرضت به أمريكا حلفاءها في الخليج هو تطمينهم الشفوي بأن من بين ما نوقش في المفاوضات مع إيران هو تعهد إيران بعدم التدخل في شؤون دول الجوار،و أمام إفلات المبادرة من يد دول الخليج لم تجد هذه الأخيرة إلا أن تبارك التوجه الإيراني الجديد تجاه الغرب، الشيء الذي يمكن تفسيره بمجاملة القبول بالأمر الواقع !

قبل فترة قرأت للبروفيسور الأمريكي تريطا بارسي كتابه: " التحالف الغادر" المعاملة الخفية بين 
إيران و إسرائيل و أمريكا
 قبل فترة قرأت للبروفيسور الأمريكي تريطا بارسي كتابه: " التحالف الغادر" المعاملة الخفية بين إيران و إسرائيل و أمريكا
 And the USA The treacherous Alliance: Secret dealings between Iran Israel
و ذهلت لما احتواه من معلومات توثق لتلك الاتصالات السرية التي لم تنقطع منذ قيام الثورة و أنتجت توريد أسلحة من إسرائيل لإيران طيلة سنوات في عهد الخميني و كذلك التعامل المباشر مع المخابرات الأمريكية في أكثر من قضية ، أهمها قضية ما سميت يومها بقضية إيران كونترا، كما قرأت مقالة للكاتب الأمريكي  دايفيد إجناتيوس  في الواشنطن بوست عدد الجمعة 13 أبريل الماضي تحت عنوان:
For a new order in Iran, look to post-revolutionary France
من أجل ترتيب جديد في إيران يجب التطلع إلى "نموذج" فرنسا ما بعد الثورة.
 ذكر فيه كيف أن الغرب اليوم يتجه بقوة نحو التعامل مع إيران على أسس استراتيجية جديدة. تتلخص فيما سبق أن ذكره هينري كيسينجر ، أحد أكبر واضعي السياسات الاحتوائية ،و سياسات الهيمنة التي سارت في ركبها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أن كان وزيرا لخارجيتها في عهد نيكسون سنة1977.
كيسينجر منذ مدة و هو يروج لاعتماد سياسة جديدة تجاه إيران مستلهما ما كتبه في أطروحته لنيل درجة الدكتورة من جامعة هارفيرد و التي أسماها: القوة المستعادة:   The Restored Power  و تمحورت حول أنموذج السياسة الاحتوائية التي انتهجها كل من الكوت ميترنيخ النمساوي Von Metternich )  1773-1859 و اللورد كاسليريغ البريطاني الذين برزت مهارتهما في سياسة احتواء العنفوان الثوري الفرنسي في مؤتمر فيينا عام 1815.
 و قد استطاعت هذه السياسة المنصوح بها احتواء ذلك الحماس الثوري الأيديولوجي لفرنسا من أجل التعايش والاستقرار في ضوء المصالح الاستراتيجية لكل من النمسا و بريطانيا يومها. كيسنجر بدا مقتنعا في المحاضرة التي كان ألقاها قبل شهور في جامعة هارفرد التي نال منها درجة الدكتورة و عمل فيها محاضرا حتى التحاقه بالحكومة سنة 1969 بإمكانية توظيف الزخم الثوري و الطائفي لإيران لصالح المصالح الاستراتيجية للغرب. و بدا متحمسا في الدفاع عن حق إيران في نشر أيديلوجيتها - مذهبها -والبلوغ بها إلى أقصى ما يمكن. عبر الترويج لفكرته السالفة الذكر، و التي ذكر فيها أنه:  "جوهريا لأية قوة ثورية أن تملك شجاعة الدفاع عن معتقداتها، بل و التشوق لبسط مبادئها،  و الوصول بها إلى منتهاها. و خوفا من مظنة التدليس، فإنني أورد عبارته كما هي :
It is the essence of a revolutionary power that it possesses the courage of its convictions, that it is willing, indeed eager, to push its principles to their ultimate conclusion.”
و يؤكد كاتب المقال داوود إجناتيوس أن هذا الوصف الكيسينجيري هو ما يجب أن نطبقه على إيران الملالي. أي أن يسمح لها بنشر مذهبها على أوسع نطاق في المحيط السني من حولها، والسماح لها بالتعايش السلمي مع الغرب، في مقابل شرط واحد هو عدم ابتزاز الغرب نوويا. و بعبارة أخطر. فإن الغرب مستعد للسماح  لإيران بالاستيلاء المذهبي على  المنطقة في مقابل ضمان مصالحه الاستراتيجية.و لقد برزت في تلك المقالة عبارات تلمز أهل السنة كونهم لم يستوعبوا بعد كنه الثورة الإيرانية، فبالأحرى الثورات الربيعية التي اجتاحت منطقتهم._ يقصد الحكام طبعا- لأن أكبر ما يؤرق المفكرين الاستراتيجيين الغربيين هو سرعة انتشار الدين الإسلامي بين أبنائه في الغرب، خصوصا المثقفين منهم، و المعلوم إحصائيا أن أكثر من 99% ممن يدخلون الإسلام في الغرب يحتضنهم السُّنة، و يغريهم ما عليه الأمة الإسلامية التي أكثر من 93 في المائة منها من أهل السنة و الجماعة. و لذلك فهم ليسوا طائفة - كما يشاع - بل الطائفة و النحلة هي الفصائل المنشقة عن الأصل.، و الذين يدخلون التشيع منهم  لا يكادون يبلغون نسبة 1% . فالممارسات الشيعية في الحفلات الدموية في عاشوراء مثلا، و طقوس التطبير المقززة  و التي أصبحت القنوات المعادية للإسلام في الغرب تتعمد نقلها على الهواء، و تصر على عرضها على مآت الملايين من المشاهدين الغربيين  لتبشيع صورة الإسلام في حسهم، هذه الصورة تنفِّر كل من يشاهدها من الاقتراب من تلك النحلة. فذلك الأنموذج الموغل في البشاعة لا يمكن إلا أن يستنكف منه  كل ذي ذوق سليم. و لا يمكن أن يغري من يتمتع بأي حس إنساني. إضافة إلى أن الشيعة يركزون جهودهم على استغفال السذج من بسطاء السنة في هوامش و أطراف بلاد المسلمين، أو في المهجر حيث الأمية الدينية و الثقافية. و استغلال عاطفتهم السنية على آل البيت. ولا يعيرون كبيرَ اهتمام بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام. و من يفعل ذلك  منهم يلاقي دوما فشلا ذريعا، فالنموذج الطائفي الإيراني لا يبدو أنه يغري أحدا في الغرب.
من هنا ربما نفهم الدواعي الخفية، و الحقيقية لهذا المنحى  الذي بات الغرب يتجه نحوه، و قد ازداد زخما  بالاحتلال الأمريكي للعراق الذي تواطأت فيه إيران، و المراجع الشيعة، و من يقلدهم مع المحتل، و ليس صدفة أن تكون إيران هي الدولة الأولى التي  تبادر إلى الاعتراف بحكومة بريمر التي أقامها الاحتلال الأمريكي في العراق.
و ليس صدفة أن مكنت إدارة بوش عملاءها من رؤساء الأحزاب الشيعية مثل المالكي من حزب الدعوة الشيعي، و عبد العزيز الحكيم رئيس ما كان يعرف ب"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" من تبوإ مناصب قيادية عليا في حكومة الاحتلال.
و ليس صدفة أن أصدر أكبر مرجع شيعي آية الله السيستاني الإيراني الأصل فتواه التاريخية الشهيرة بتحريم مقاومة الاحتلال الأمريكي بل و حسن التعاون مع جنود الاحتلال.
و ليس صدفة أنه صَمَتَ صَمْتَ القبور على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الاحتلال الأمريكي ضد عشرات الآلاف الذين سحقوا قتلا سواء في الفلوجة أو الرمادي أو في بغداد أو البصرة أو غيرها من المناطق، و لم ينطق ببنت شفة في فضيحة سجن أبي غريب الذي أهين فيه المآت من العراقيين و أهين دينهم و استهزئ فيه برسولهم و كتابهم.
و ليس صدفة أن  يسكت مراجع الشيعة، خصوصا من كان في الحكومة  مثل، عبد العزيز الحكيم و ابنه عمار الحكيم و غيرهما على إبادة عشرات العراقيين في الفلوجة باستعمال الفسفور الأحمر.
كما  أنه ليس صدفة أن يعقد عبد العزيز الحكيم لقاء مطولا مع هينري كيسينجر في واشنطن، و يتدارس معه مستقبل العراق ! و كان إلى عهد قريب يتصنع العداء لأمريكا بنعتها بالشيطان الأكبر !!!
و ليس صدفة أن يعترف كل من رفسنجاني و علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني بأن إيران قد لعبت دورا أساسيا في تمكين أمريكا من احتلال كل من بغداد و كابول.
و اليوم ليس صدفة أن يتغاضى الغرب عن الدعم الإيراني الفاضح لأشد الأنظمة دموية في التاريخ الحديث، و ليس صدفة أن يتعامى عن دعم عملائه في حكومة العراق الشيعية للطاغية بشار بالعتاد و المقاتلين كما يرد في مصادر إخبارية شتى، و كما صرح نائب الرئيس طارق الهاشمي قبل التآمر عليه.
كل هذا و عشرات الوقائع الأخرى ليست صدفة. فمن ما يزال يفسر الأحداث السياسية على قاعدة حسن النية الطوباوية أثبتت الأيام أنه ما يزال يغط تحت لحاف الغفلة السميك !
أهم دور رسمته أمريكا لإيران اليوم هو مقاتلة الجماعات الإسلامية المعادية لها على أرض سوريا. هذا الأمر أمسى من أوضح الأشياء و الغريب أن حسن نصر الله سبق أن صرح بهذا الأمر قبل سنتين و قبل أن يفتضح تدخله المباشر في سوريا، لكنه اليوم قد انخرط في هذا الهدف الأمريكي بكل قوة. بعد أن انقلبت المفاهيم السياسية لديه تماما و من مؤشرات ذلك تصريحه الغريب قبيل اتفاقية جنيف حيث قال بأن التقارب الأمريكي الإيراني هو لصالح المقاومة. مما يعد استهزاء بمن ما يزالون منخدعين به.
 قبل فترة قرأت للبروفيسور الأمريكي تريطا بارسي كتابه: " التحالف الغادر" المعاملة الخفية بين 
إيران و إسرائيل و أمريكا
 قبل فترة قرأت للبروفيسور الأمريكي تريطا بارسي كتابه: " التحالف الغادر" المعاملة الخفية بين إيران و إسرائيل و أمريكا
 And the USA The treacherous Alliance: Secret dealings between Iran Israel
و ذهلت لما احتواه من معلومات توثق لتلك الاتصالات السرية التي لم تنقطع منذ قيام الثورة و أنتجت توريد أسلحة من إسرائيل لإيران طيلة سنوات في عهد الخميني و كذلك التعامل المباشر مع المخابرات الأمريكية في أكثر من قضية ، أهمها قضية ما سميت يومها بقضية إيران كونترا، كما قرأت مقالة للكاتب الأمريكي  دايفيد إجناتيوس  في الواشنطن بوست عدد الجمعة 13 أبريل الماضي تحت عنوان:
For a new order in Iran, look to post-revolutionary France
من أجل ترتيب جديد في إيران يجب التطلع إلى "نموذج" فرنسا ما بعد الثورة.
 ذكر فيه كيف أن الغرب اليوم يتجه بقوة نحو التعامل مع إيران على أسس استراتيجية جديدة. تتلخص فيما سبق أن ذكره هينري كيسينجر ، أحد أكبر واضعي السياسات الاحتوائية ،و سياسات الهيمنة التي سارت في ركبها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أن كان وزيرا لخارجيتها في عهد نيكسون سنة1977.
كيسينجر منذ مدة و هو يروج لاعتماد سياسة جديدة تجاه إيران مستلهما ما كتبه في أطروحته لنيل درجة الدكتورة من جامعة هارفيرد و التي أسماها: القوة المستعادة:   The Restored Power  و تمحورت حول أنموذج السياسة الاحتوائية التي انتهجها كل من الكوت ميترنيخ النمساوي Von Metternich )  1773-1859 و اللورد كاسليريغ البريطاني الذين برزت مهارتهما في سياسة احتواء العنفوان الثوري الفرنسي في مؤتمر فيينا عام 1815.
 و قد استطاعت هذه السياسة المنصوح بها احتواء ذلك الحماس الثوري الأيديولوجي لفرنسا من أجل التعايش والاستقرار في ضوء المصالح الاستراتيجية لكل من النمسا و بريطانيا يومها. كيسنجر بدا مقتنعا في المحاضرة التي كان ألقاها قبل شهور في جامعة هارفرد التي نال منها درجة الدكتورة و عمل فيها محاضرا حتى التحاقه بالحكومة سنة 1969 بإمكانية توظيف الزخم الثوري و الطائفي لإيران لصالح المصالح الاستراتيجية للغرب. و بدا متحمسا في الدفاع عن حق إيران في نشر أيديلوجيتها - مذهبها -والبلوغ بها إلى أقصى ما يمكن. عبر الترويج لفكرته السالفة الذكر، و التي ذكر فيها أنه:  "جوهريا لأية قوة ثورية أن تملك شجاعة الدفاع عن معتقداتها، بل و التشوق لبسط مبادئها،  و الوصول بها إلى منتهاها. و خوفا من مظنة التدليس، فإنني أورد عبارته كما هي :
It is the essence of a revolutionary power that it possesses the courage of its convictions, that it is willing, indeed eager, to push its principles to their ultimate conclusion.”
و يؤكد كاتب المقال داوود إجناتيوس أن هذا الوصف الكيسينجيري هو ما يجب أن نطبقه على إيران الملالي. أي أن يسمح لها بنشر مذهبها على أوسع نطاق في المحيط السني من حولها، والسماح لها بالتعايش السلمي مع الغرب، في مقابل شرط واحد هو عدم ابتزاز الغرب نوويا. و بعبارة أخطر. فإن الغرب مستعد للسماح  لإيران بالاستيلاء المذهبي على  المنطقة في مقابل ضمان مصالحه الاستراتيجية.و لقد برزت في تلك المقالة عبارات تلمز أهل السنة كونهم لم يستوعبوا بعد كنه الثورة الإيرانية، فبالأحرى الثورات الربيعية التي اجتاحت منطقتهم._ يقصد الحكام طبعا- لأن أكبر ما يؤرق المفكرين الاستراتيجيين الغربيين هو سرعة انتشار الدين الإسلامي بين أبنائه في الغرب، خصوصا المثقفين منهم، و المعلوم إحصائيا أن أكثر من 99% ممن يدخلون الإسلام في الغرب يحتضنهم السُّنة، و يغريهم ما عليه الأمة الإسلامية التي أكثر من 93 في المائة منها من أهل السنة و الجماعة. و لذلك فهم ليسوا طائفة - كما يشاع - بل الطائفة و النحلة هي الفصائل المنشقة عن الأصل.، و الذين يدخلون التشيع منهم  لا يكادون يبلغون نسبة 1% . فالممارسات الشيعية في الحفلات الدموية في عاشوراء مثلا، و طقوس التطبير المقززة  و التي أصبحت القنوات المعادية للإسلام في الغرب تتعمد نقلها على الهواء، و تصر على عرضها على مآت الملايين من المشاهدين الغربيين  لتبشيع صورة الإسلام في حسهم، هذه الصورة تنفِّر كل من يشاهدها من الاقتراب من تلك النحلة. فذلك الأنموذج الموغل في البشاعة لا يمكن إلا أن يستنكف منه  كل ذي ذوق سليم. و لا يمكن أن يغري من يتمتع بأي حس إنساني. إضافة إلى أن الشيعة يركزون جهودهم على استغفال السذج من بسطاء السنة في هوامش و أطراف بلاد المسلمين، أو في المهجر حيث الأمية الدينية و الثقافية. و استغلال عاطفتهم السنية على آل البيت. ولا يعيرون كبيرَ اهتمام بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام. و من يفعل ذلك  منهم يلاقي دوما فشلا ذريعا، فالنموذج الطائفي الإيراني لا يبدو أنه يغري أحدا في الغرب.
من هنا ربما نفهم الدواعي الخفية، و الحقيقية لهذا المنحى  الذي بات الغرب يتجه نحوه، و قد ازداد زخما  بالاحتلال الأمريكي للعراق الذي تواطأت فيه إيران، و المراجع الشيعة، و من يقلدهم مع المحتل، و ليس صدفة أن تكون إيران هي الدولة الأولى التي  تبادر إلى الاعتراف بحكومة بريمر التي أقامها الاحتلال الأمريكي في العراق.
و ليس صدفة أن مكنت إدارة بوش عملاءها من رؤساء الأحزاب الشيعية مثل المالكي من حزب الدعوة الشيعي، و عبد العزيز الحكيم رئيس ما كان يعرف ب"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" من تبوإ مناصب قيادية عليا في حكومة الاحتلال.
و ليس صدفة أن أصدر أكبر مرجع شيعي آية الله السيستاني الإيراني الأصل فتواه التاريخية الشهيرة بتحريم مقاومة الاحتلال الأمريكي بل و حسن التعاون مع جنود الاحتلال.
و ليس صدفة أنه صَمَتَ صَمْتَ القبور على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الاحتلال الأمريكي ضد عشرات الآلاف الذين سحقوا قتلا سواء في الفلوجة أو الرمادي أو في بغداد أو البصرة أو غيرها من المناطق، و لم ينطق ببنت شفة في فضيحة سجن أبي غريب الذي أهين فيه المآت من العراقيين و أهين دينهم و استهزئ فيه برسولهم و كتابهم.
و ليس صدفة أن  يسكت مراجع الشيعة، خصوصا من كان في الحكومة  مثل، عبد العزيز الحكيم و ابنه عمار الحكيم و غيرهما على إبادة عشرات العراقيين في الفلوجة باستعمال الفسفور الأحمر.
كما  أنه ليس صدفة أن يعقد عبد العزيز الحكيم لقاء مطولا مع هينري كيسينجر في واشنطن، و يتدارس معه مستقبل العراق ! و كان إلى عهد قريب يتصنع العداء لأمريكا بنعتها بالشيطان الأكبر !!!
و ليس صدفة أن يعترف كل من رفسنجاني و علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني بأن إيران قد لعبت دورا أساسيا في تمكين أمريكا من احتلال كل من بغداد و كابول.
و اليوم ليس صدفة أن يتغاضى الغرب عن الدعم الإيراني الفاضح لأشد الأنظمة دموية في التاريخ الحديث، و ليس صدفة أن يتعامى عن دعم عملائه في حكومة العراق الشيعية للطاغية بشار بالعتاد و المقاتلين كما يرد في مصادر إخبارية شتى، و كما صرح نائب الرئيس طارق الهاشمي قبل التآمر عليه.
كل هذا و عشرات الوقائع الأخرى ليست صدفة. فمن   ما يزال يفسر الأحداث السياسية على قاعدة حسن النية الطوباوية أثبتت الأيام أنه ما يزال يغط تحت لحاف الغفلة السميك !
أهم دور رسمته أمريكا لإيران اليوم هو مقاتلة الجماعات الإسلامية المعادية لها على أرض سوريا. هذا الأمر أمسى من أوضح الأشياء و الغريب أن حسن نصر الله سبق أن صرح بهذا الأمر قبل سنتين و قبل أن يفتضح تدخله المباشر في سوريا، لكنه اليوم قد انخرط في هذا الهدف الأمريكي بكل قوة. بعد أن انقلبت المفاهيم السياسية لديه تماما و من مؤشرات ذلك تصريحه الغريب قبيل اتفاقية جنيف حيث قال بأن التقارب الأمريكي الإيراني هو لصالح المقاومة. مما يعد استهزاء بمن ما يزالون منخدعين به.
 ما لا يعرفه الغرب أن الأمة اليوم أوعى بالمخاطر المختلفة التي تحوم حول ديارها من أي وقت آخر مضى. فآخر مغفل و مخدوع بالبريق الأيديولوجي الكاذب لمعسكر إيران قد سقط عنه قناع الغفلة تلقائيا و هو يرى قتل الأبرياء بالآلاف في سوريا، و تهجيرهم من ديارهم، و تهديم مدنهم على رؤوسهم بتواطإ تام، و و تمويل و تسليح من إيران و حزب الله و حكومة العراق الشيعية. إن ما جرى في العراق، و  سوريا قد وفَّر على الدعاة كُلفة سنوات بل و عقود من الجهود الدعوية و التثقيفية. لقد اكتسبت الأمة الإسلامية مناعة ضد كل الأباطيل و الأكاذيب التي كانت تزعم أن إيران و حزب الله يقفان مع المظلوم ضد الظالم ! و مع العلماء الربانيين المجاهدين ضد علماء البلاط و علماء السوء. و مع الدم ضد السيف.  اليوم يقفون مع الطاغية المستبد ضد الشعب السوري المستضعف لأن جريمته أنه سني.و أنه أراد الخروج من العبودية. و مع علماء السلطان الجائر ضد العلماء الربانيين الذين اصطفوا مع مطالب الشعب من أمثال العلامة المفسر محمد علي الصابوني،و الشيخ أسامة الرفاعي، و الشيخ نعيم العقسوسي و الشيخ نعيم الحريري و العلامة الشيخ محمد كريم راجح، و الشيخ أحمد صياصنة و الدكتور النابلسي، و الدكتور وهبة الزحيلي و باقي الكوكبة من العلماء المخلصين.
خاتمة:
من يقرأ لبعض الكتاب الاستراتيجيين الأمريكيين هذه الأيام و هم يدلون بدلوهم في رسم خطط للسياسة  الاستراتيجية و الدبلوماسية الأمريكية المتعلقة بمستقبل إيران و الشرق الأوسط يحس كما لو كان يقرأ لنظرائهم من الكتاب الاستراتيجيين الإيرانيين أمثال الدكتور محمد جواد لاريجاني صاحب كتاب: مقولات في الاستراتيجية الوطنية التي ضمنها ما أسماه : نظرية أم القرى. التي تدعو إلى اعتماد سياسة تستقطب المسلمين نحو محور قم بدل مكة.من يريد تفاصيله فهذا رابطه من مدونتي: 
 و يبدو أن بعض راسمي السياسات في منطقة الخليج قد وصلتهم طلائع هذه الرسالة الأمريكية والغربية عموما  واستشعروا خطر التحالف الغربي الإيراني  في أكثر من موقع خصوصا سوريا و العراق، الذي قالت عنه السعودية بأن أمريكا سلمته لإيران على طبق من ذهب. فهل بسبب هذا التحالف  الغير معلن  بين أمريكا و إيران والذي أصبح يرى في الأفق الملبد بسحب التقلبات السياسية في المنطقة كان وراء اندفاع دول الخليج إلى طلب الوحدة مع المغرب و الأردن؟ و هل بسبب هذا الارتياب من الموقف الأمريكي جاءت دعوات واضحة إلى الوحدة بين دول مجلس التعاون في قمته الأخيرة؟.
أرجو أن تكون الصورة جلية لمن  يقفون في الطليعة حتى لا يوردوا مَن خَلفهم مَوارد الهلاك. فالمسيرة طويلة و الأجواء محفوفة بالمخاطر منها ما ينطلق من محض مصالحه الأنانية، و منها ما قد انبعث ماردا من لجة الأحقاد التاريخية الطائفية  و القومية المقيتة. و لا شيء أنفع في درء هذا الخطر المستقبلي من التحام حقيقي للقاعدة  الشعبية مع الطليعة القيادة في ظل انفتاح شوري ديمقراطي و ظلال حكم عادل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق