الأحد، 11 أغسطس 2013

ما ذا خسرت السعودية بدعمها لإنقلاب في مصر؟

يحفظ  أغلب المسلمين للسعودية مكانة خاصة في نفوسهم لما تضمه من أقدس الأماكن في دينهم، و لأن الحجاز هي مهد الإسلام منذ النبي إبراهيم عليه السلام ، و خلال التاريخ الحديث كان المسلمون يربأون بتلك البقعة عن الصراعات السياسية، و التجاذبات الإقليمية حتى لا تنتقل الفتنة من دنياهم إلى دينهم، و لذلك فقد كانوا يقبلون من ملوك السعودية الالتزام بالخط العام للإسلام، واحترام البلاد الإسلامية مقابل مهادنة و حسن نية، بل واستعداد للدفاع عن السعودية أمام أي خطر يهدد أمنها، و هذه الروح التضامنية مع السعودية كانت منتشرة من باكستان إلى أندونيسيا حتى المغرب الأقصى.
و خلال العقود الأخيرة تعرض هذا الشعور التضامني مع السعودية لعدة اهتزازات تعلق أغلبها بحرب الخليج الثانية عندما رآى العرب والمسلمون وقوف السعودية مع القوى الغربية المتحالفة لضرب العراق، و رأوا تسخير القواعد الأمريكية في شرق المملكة لضرب دولة عربية و مسلمة شقيقة.و أمست سمعة المملكة السعودية في الحضيض عند قطاعات واسعة جدا من العرب و المسلمين، و خرجت مظاهرات عارمة في طول الوطن العربي و الإسلامي و عرضه منددة بتحالف السعودية مع الغرب لتدمير العراق.
 ثم جاءت النكسة الثانية عندما قامت حر ب الخليج الثالثة بدعوى أسلحة الدمار الشامل، و العلاقة مع القاعدة، و بالرغم من أن الدور السعودي لم يكن واضحا في حرب بوش الإبن على العراق، و الإطاحة بصدام و نظامه إلا أن موقف النظام السعودي من المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي الغربي للعراق كان سلبيا تماما. خصوصا على مستوى الإعلام، حيث لم يكن هناك فرق بين وسائل الإعلام الأمريكية أو السعودية من المقاومة العراقية السنية، حيث كان الإعلام السعودي الداخلي و الخارجي يصف المقاومة العراقية بالإرهاب على الرغم من أن الأحداث اللاحقة أثبتت أن تلك المقاومة السنية على الرغم من وجود عناصر القاعدة في بعض جوانبها المضخمة إعلاميا، هي تمثل صمام أمان حقيقي أمام الخطر الإيراني الداهم الذي أمسى باستلامه العراق من الاحتلال يقبع اليوم على الحدود الشمالية الغربية للسعودية.
كل هذه المواقف المتخاذلة السابقة قد وجد لها البعض بعض التبريرات. مثل القول أن تحالف السعودية مع أمريكا في حرب الخليج الثانية كان بسبب اعتداء صدام على دولة شقيقة هي الكويت، و موقف المملكة من المقاومة العراقية كان بسبب اختراقها من قبل القاعدة العدو اللدود للملكة  – على الرغم من عدم دقة هذا الادعاء- إلا أن انضمام السعودية للدول المتآمرة على مصر و تجربتها الديمقراطية هو اعتداء سافر لا مبرر له غير التماهي مع أعداء الإسلام لضرب الخيار الإسلامي. و لذلك فقد صعق غالبية المسلمين و العرب من انتظام السعودية و الإمارات في سلك المؤامرة الخسيسة ضد خيار الشعب المصري والإطاحة بحكومته المنتخبة، ودعم الانقلابيين الدمويين ب12 مليار دولار من أجل تحقيق هدفهم في الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين، و اعتقال رموزهم و الزج بالمآت من الأبرياء في غياهب السجون  واختطاف الرئيس الشرعي لدولة شقيقة.
يعز على كل عربي حر اليوم أن يرى السعودية و الإمارات تساهم بدعمها الإعلامي و المالي لنقلابيين دمويين، و يعز على المسلمين أن يروا أموال المملكة تسخر في إراقة دماء زكية على أرض مصر دونما سبب إلا التماهي مع مخططات أعداء هذه الأمة التاريخيين.
لا شك أن هذا التورط السعودي الإماراتي هو أسوأ تورط  في تاريخ المملكة، فكثير من الناس اليوم يتساءلون :
ما ذا فعل الإخوان المسلمون للسعودية أو للإمارات حتى تقابلهم بهذه العداوة و التآمر ؟
أي ضرر ألحق الإخوان المسلمون بهذه الأنظمة أو بشعوبها حتى تظل هذه الدول تبيت ضدهم المؤامرات منذ شهور؟
و كيف دعم حكام السعودية نظام مبارك البوليسي الذي كان يكبت أنفاس المصريين و يسوسهم بالبندقية و سيوف البلطجية  بينما تآمروا على الدكتور محمد  مرسي  الذي لم يعتقل من بالغ في شتمه و لم يغلق وسيلة إعلام واحدة في عهده؟
لا يجد المرء من مبرر لهذا الموقف سوى الاعتداء السافر، و التدخل الصفيق في الشؤون الداخلية لدولة شقيقة يكن شعبها خصوصا الإسلاميون منهم للسعودية الاحترام و التقدير.
سياسة التخبط
هذا الموقف الغريب من السعودية تجاه حكومة الإخوان المسلمين دليل بيِّن على التخبط و العشوائية التي باتت تطبع السياسة السعودية، لأن هذه الخطوة في دعم قوى الانقلاب هي في غير صالح السعودية لا في المدى البعيد و لا في المدى القصير، فالقوى الانقلابية تضم في صفوفها ألد أعداء السعودية مثل القوى العلمانية المتطرفة، و القوى اليسارية الحاقدة، و القوى القبطية الطائفية و شذاذ الآفاق من البلطجية و قطاع الطرق .
.
سياسة السعودية تبدو خارج السياق تماما، فمصلحة السعودية المادية و المعنوية تتمثل في دعم مرسي و ليس في دعم العلمانيين في مصر .
فالعلمانيون أكثر التيارات تنديدا واحتقارا للنموذج السعودي لا في الحكم و لا في العيش و لا في المعتقد.
إن دعم الانقلابيين صرف اهتمام العالم، خصوصا العالم العربي و الإسلامي عن قضية خطيرة جدا هي الثورة السورية التي دخلت إيران وحلفاؤها بقوة على خط جبهتها.
و في خضم هذا الانشغال بالانقلاب في مصر سقط حي باب عمرو و داس حلفاء إيران الطائفيين على قبر خالد بن الوليد و ما له من رمزية.
إيران اليوم تشعر أنها تستطيع أن تنتهك كل مقدسات أهل السنة و تقتل من تشاء من أبنائهم، و تقترب أكثر من مقدساتهم في مكة و المدينة  دون أن تحرك دولهم ساكنا لما هم مشغولون به فيما بينهم كدول عربية يكيد بعضها لبعض. و تسابقهم على تنفيذ مخططات تهدمهم هم قبل غيرهم.
لأول مرة منذ مدة تلتقي سياسة السعودية و الإمارات و إيران و إسرائيل و أمريكا على مائدة واحدة هي الانقلاب على الشرعية في مصر. إنها من مفارقات هذا الزمان..
لقد كان العرب و المسلمون متعاطفين مع السعودية في صراعها العلني و الخفي مع محور إيران الذي يهدف إلى السيطرة على المنطقة و قد وضعوا السعودية في مركز سياستهم التوسعية.و أحاطوا بها من جهة اليمن و العراق و اريتيريا
للأسف ملايين العرب اليوم فقدوا ذلك الحماس و كثير منهم سيفسرون أي اعتداء إيراني مستقبلي على السعودية كونه انتقام إلهي . و جزاء وفاقا لسياسة السعودية المتآمرة و المسيرة أمريكيا.
و إذا كان حكام السعودية و الإمارات يهدفون من وراء هذه المؤامرة المكشوفة إبعاد رياح ما سمي بالربيع العربي عن بلدانهم، فإنهم على عكس ذلك تماما قد هيأوا أنسب جو لتلك الرياح و هي النقمة الداخلية، فقد بات غالبية الشعب و غالبية علماء الحجاز  و الإمارات ممتعظين من هذا الدور التآمري لدولتهم ضد شعب يكن لهم الاحترام و التقدير. يشهد بذلك مواقع التواصل الاجتماعي متنفسهم الويد في هذه الدول.
لقد فقدت السعودية أغلى ما كان لديها عند الشعوب العربية و الإسلامية ألا و هو الثقة و حسن الظن، و هذه لعمري أكبر خسارة لو أن واضعي السياسات السعودية يفقهون..

0 التعليقات:

إرسال تعليق