الاثنين، 7 أبريل 2014

هل يحقق ابن كيران في المغرب ما حققه أردوغان في تركيا

بين أردوغان و بن كيران

برغم التفاوت العملي، و البعد  الجغرافي، والاختلاف  الجيوسياسي بين النموذج التركي و النموذج المغربي إلا أن المرء لا يقوى على تجاهل طيف العدالة و التنمية المغربي و هو يطالع نموذج العدالة و التنمية التركي، و العكس صحيح. و هذا التشابه لم يأت من مجرد تشابه أسماء الحزبين، و تطابقهما فقط، بل أوجه التشابه كثيرة لعل أبرزها أن كلا الحزبين ينطلقان من نفس المرجعية الإسلامية. و نفس المنظور الإصلاحي القائم على أرضية الاعتدال، و الانفتاح المنضبط على مختلف المكونات الاجتماعية و التشكيلات الأيدلوجية المختلفة، فكلا الحزبين يركزان أولويتهما على جهود التنمية، و نشر العدالة في المجتمع مع توخي النزاهة و نظافة اليد. و لا أظن أن أحدا يجادل في أن حزب العدالة و التنمية المغربي –سواء اتفقنا معه أو اختلفنا- يتسم بميزة نظافة اليد...و هذا ما شهد به حتى مناوئوه من المنصفين، و هو معطى ثمين جدا بالنظر إلى ما كان يسود المشهد السياسي في كلا البلدين من تجاوزات و اختلاسات و اختلالات انعكست  بشكل شبه كارثي على مجهودات التنمية و مخططاتها الموضوعة على الأوراق. و التي أدى الشعبان المغربي و التركي ضريبتهما لعقود في صور التخلف في شتى المجالات الاقتصادية و السياسية و العلمية و حتى الأخلاقية. ظل فيه هذان البلدان في مؤخرة ركب الدول في العالم طيلة القرن الماضي.
حزب أردوغان شق طريقه عبر متاريس المعسكر العلماني الأتاتوركي الذي أمم السياسة و المجتمع منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية سنة 1924 و قد شهد تاريخ الحركات الإسلامية في تركيا منذ السبعينيات تدافعا و قمعا تمثل في عدة انقلابات أطاحت بعدد من الحكومات الديمقراطية و تعرضت الحركة الإسلامية منذ نجم الدين أربكان إلى مضايقات، و مصادمات مع النظام العلماني كانت تؤدي إلى حظر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية خوفا على النظام العلماني المورث من العودة إلى النظام الإسلامي المحظور !
و كان أقطاب العلمانية في تركيا ينعتون الإسلاميين بالتخلف و الظلامية و أنهم متى ما وصلوا للحكم فسيعودون بتركيا إلى الوراء. لكن على عكس ذلك فلم تعرف تركيا بوادر حركة حقيقية إلى الأمام إلا في ظل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية سواء في عهد نجم الدين أربكان الذي أطاح به العسكر أو في عهد أردوغان و عبد الله أوغلو  حيث حققت تركيا في عهد حكومات العدالة و التنمية في ظرف عقد من الزمان ما لم تنجح تركيا في تحقيقه في مدة 80 سنة من حكم الأحزاب العلمانية . فقد استطاع حزب العدالة و التنمية أن يقفز بتركيا من الرتبة 111 عالميا إلى المرتبة 16 مما يشبه المعجزة فعلا، و اليوم و برغم الأزمات الاقتصادية المدمرة التي اجتاحت و لا تزال العلم المتقدم فإن تركيا لا تزال تحقق نسبا عالية في النمو الاقتصادي بالقياس إلى الدول الأوروبية. فقد حقق تركيا نسبة 4.4% السنة الماضية 
و في المغرب لا يزال الوقت مبكرا للحكم على تجربة العدالة و التنمية المغربي، التي دخلت على إرث ثقيل من الاختلالات  و التجاوزات تراكمت خلال عقود،لكن من الواضح أن تركيزها ينصب حول وضع الأساس لإصلاحات جوهرية في شتى المجالات مع مراعاة الخصوصية المغربية. و تضع حكومة ابن كيران الجانب الأكبر من أولويتها في الجانب الاقتصادي لتحقيق الحد الأدنى من التوازن الاجتماعي لصالح الفئات المهمشة و الضعيفة. و من هنا جاء تركيزها على إصلاح صندوق المقاصة و كذلك جاء مخطط بن كيران تخصيص مدخرات للتوزيع المباشر على الفئات الفقيرة ذات الوضعية المعيشية الهشة قبل أن يعارضه حليفها السابق في الحكومة قبيل مغادرته.و في هذا الإطار جاء مخطط راميد الهادف إلى تحسين الوضع الصحي للمواطن. و كذلك الالتفات إلى وضعية الطلبة في الجامعات. و غيرها من المشاريع.

لكن هذه المشاريع الإصلاحية تحتاج لإنجاحها إلى تكاتف الجهود، و تعاون الفرقاء حكومة و معارضة، و كل تأزم للعلاقة بين الحكومة و المعارضة تصب نتائجها السلبية كسادا في سلة المواطن الذي عانى من تيه الجوقات السياسية  و التي لم تعُد عليه بأي نفع طيلة العقود الماضية.
للأسف فإن المواطن المغربي يلاحظ  اليوم أكثر من أي وقت مضى أن أحزاب المعارضة الرئيسية لا يهمها سوى ما يصب في مصلحتها الحزبية الضيقة، و يشعر المواطن العادي أنه مستهدف لاستغلاله كوقود في حملاتها الدعائية دون أي اكتراث حقيقي بمصلحته التي ظلت هذه الأحزاب تلوكها بألسنتها في كل حملة انتخابية قبل أن تمجها مج النواة بعد أن تضع الحملات الدعائية أوزارها و تصل إلى مبتغاها في الاستوزار أو المقاعد المريحة و المحصنة في مجلس النواب.
هل يمكن لحكومة بن كيران أن تخطو بالمغرب إلى الأمام كما فعلت بتركيا حكومة أردوغان؟
هناك طبعا رأيان رئيسيان في الموضوع. أحدهما يقول بأن ذلك غير ممكن بالنظر إلى اختلاف النظامين في كل من البلدين. فالنظام المغربي يبقى في النهاية نظاما ملكيا يسود فيه الملك و يشرف و يدبر و يعين، و الحكومة في المغرب تبقى بالضرورة خاضعة لإرادة القصر و إملاءاته.

بينما فئة أخرى تقول بأن الملكية من الخصوصيات المغربية، و من العوامل الرئيسية للإستقرار نظرا للإرتباط الديني والمذهبي بالبيعة المستمدة من صميم دين الشعب. و أن الملكية في المغرب متجذرة في أعماق هذه التربة، و تمتد على 1200 سنة و بالتالي فإن أي مخطط حضاري للنهوض بهذا البلد يجب أن يضع في أولوية اعتباراته هذه الحقيقة و إلا واجه الفشل المحقق.
و أنا هنا أدرك أن كل الأحزاب المغربية اليسارية منها و اليمينية تُسلم إلى حد ما بهذه الحقيقة. لكن هذا لا يجعلنا ننسى أن كثيرا من الأحزاب المغربية ذات مرجعية أيديلوجية قد نبتَ أصلها بعيدا عن هذا الوطن و تاريخه و تراثه. بل قد نبت بعضها في بلدان تقوم على أيديلوجيا محاربة للملكيات في العالم. و بعضها الآخر نبت في دول قامت على أسس لائكية متطرفة جعلت أساس انطلاقها فصل الدين عن الحياة..و كلا هذين الأيديلوجيتين لا يناسبان الشعب المغربي المسلم المنسجم المذهب. و حزب العدالة و التنمية يبدو  جد منسجم مع هذه الحقيقة بعد أن حسم خياراته منذ ألثمانينات. فالملك يستمد شرعيته من الدين نفسه. والحكم في المغرب كان منذ مولاي إدريس الأكبر قائما على أساس البيعة المفصلة في الفقه الإسلامي. فالبيعة القائمة على الشورى هي أساس الحكم في المغرب. و لذلك لا تَعارض بين ما يقوم به ملك البلاد من جهود التنمية و محاربة الفقر و السهر على المشاريع الكبرى و بين ما تقوم به الحكومة. فالكل نراه يصب في الهدف نفسه إذا ما تجنبنا بعض التحليلات القائمة على سوء الظن.
هناك عدة أوجه من التشابه بين تركيا و المغرب
فكلا البلدين مسلمين سنيين  و كلاهما مطلان على أوروبا، و كلا البلدين لا يملكان حتى الان أية كميات معتبرة من النفط أو الغاز. و كلا البلدين بهما مؤهلات سياحية كبرى. وكلا البلدين يتوفران على ثلة من السياسيين تعمل بجد في اتجاه الإصلاحات، و كلا الحزبين يواجهان تنكبا من طريق فصيل إسلامي ضم صوته و قوته للأحزاب العلمانية، ففي تركيا قلبت جماعة فتح الله كولن للعدالة و التنمية ظهر المجن، و في المغرب تنكب فصيل إسلامي عريق لكل الأرضية المشتركة و المبادئ المشتركة التي تجمع بينهما في الأصول و الفروع و آثروا تكثير سواد الأحزاب العلمانية المعادية لخيارات الأمة و تراثها على أن يضموا صوتهم إلى إخوانهم في الهدف ، و المقصود طبعا جماعة العدل و الإحسان. و لذلك من حيث المبدأ لا شيء يقف في طريق المغرب كي يقفز إلى مصاف الدول المتقدمة إذا ما توفر العدل و خلا المشهد السياسي من المغرضين، و من المؤامرات المستجيبة للجهات المعادية المتربصة بخيار المغرب الذي هو الإصلاح في ظل الاستقرار. لكن للأسف فإننا نرى بعض زعماء الأحزاب يفعلون كل ما في وسعهم لتعكير الأجواء، و بث الإشاعات،و عدم الثقة بين المواطنين البسطاء، و تبخيس كل جهد إصلاحي تقوم به الحكومة التي تقودها اليوم العدالة و التنمية.و النزول بالخطاب السياسي إلى مستوى هابط غير مسبوق في بلادنا. و للأسف نجد بعض مكونا أساسيا من  الإعلام المغربي الذي يموله المواطن يساهم مع بعض الجهات في عرقلة جهود الحكومة، و تشويه صورتها أمام المواطنين بقضايا مفتعلة و غير حقيقية. وصورة الكارثة التي حلت بالتجربة الديمقراطية في دول طغى فيه الإعلام المغرض على الإعلام الرزين ماثلة أمامنا بقوة.
مما لا يشك فيه اثنان أن هناك متطرفون متربصون بالتجربة الديمقراطية المغربية التي رامت الإصلاح في ظل الاستقرار. هؤلاء المتربصون تحركهم الأحقاد الأيديولوجية أو هوس الإسلاموفوبيا . و بعضهم يملكون من المال ما يستطيعون به شراء آلاف الذمم، بل و شراء أحزاب بأكملها لتنفيذ مخططاتهم الآثمة التي يبيتونها في الخفاء ليبدلوا نعمة الأمن و الاستقرار في الأوطان إلى نقمة الخوف والاضطراب و الجريمة و العصيان.
و قد دفعهم الغرور إلى محاولة تقويض التجربة التركية الرائدة لكن وعي الشعب التركي حضر بقوة أذهلت الجميع و وضع نهاية صاعقة لكل تلك المحاولات الآثمة و أبان عن رفضه المطلق لكل تلك المؤامرات المبيتة داخليا و خارجيا ضد خياره الديمقراطي الرائد. فنزل بقوة إلى الشوارع و صوت لصالح الاستقرار و الديمقراطية و مزيد تقدم للأمام.
و الشعب المغربي في تقديري ليس أقل وعيا و فهما لما يجري من الشعب التركي، و لذلك فهو سيحمي تجربته من الفشل و من خطر  العودة إلى عصور التحكم و الفساد.



0 التعليقات:

إرسال تعليق