من الآفات التي ابتلي المسلمون بها في عصور الانحطاط الفكري، و الضمور الفقهي: النعرات القبلية، و الدعوات العنصرية التي تفشت بين بسطائهم حول تاريخ الإسلام، و
سيرة الخلفاء، حتى لكأنها جزء من العقيدة أو ركن من أركانها !
فأنت لا تعدم أن تجد بعض المسلمين ممن
يتشدقون بمعرفة الإسلام، و يحشرون أنفسهم في الخلافات التاريخية بين ما جرى
لبعض أفراد الرعيل الأول من أصحاب الرسول، أن يجهروا أمامك بالقول أن بني أمية هم
سبب تفرق الأمة ! و
أنهم أصل لكل شر، و أنهم المعنيون بالشجرة الملعونة في القرآن ! و أن بني أمية ظلوا أوفياء لتاريخهم
الجاهلي ! و
أنهم رأوا في الإسلام وسيلة لعودة سيطرتهم على رقاب العرب كما كان آباؤهم و
أجدادهم! و أن مبتغاهم كان دائما القضاء على الإسلام، و إبادة ذرية الرسول
و أهل بيته.
باختصار فقد أصبح بنو أمية في خيال هؤلاء
السذج يماثل النازيين الألمان في خيال الأمريكي أو الحس اليهودي. فمن المسؤول عن
بث هذه الأحقاد؟ و ترويج هذه الأكاذيب السخيفة على بني أمية؟ وأين تقف الحقيقة من
كل هذه الدعاوى العريضة الماردة؟
الحق أن ترويج هذه الأفكار العنصرية، و هذه
النزعة القبلية المقيتة قد بدأ مبكرا جدا، فقد ظهر أيام بزوغ قرن الشيطان السبئي،
و حتى قبل الفتنة الكبرى التي لعب فيها السبئيون الدور الأخطر و الرئيسي، فقد بدأ
اليهودي المتخفي عبد الله بن سبإ دعوته الهدامة أيام خلافة عثمان رضي الله عنه،
إذ بدأ أولا بالنقمة على عثمان، و اختلاق الأكاذيب عنه و عن ولاته من بني أمية، و
قد استغل سماحة عثمان، و عدم أخذه الناس بالاحتياط والظنة، و تسامحه مع
أخطائهم، فعاث في الأرض فسادا، و تنقل بالدسيسة بين مصر و الحجاز، و جمع له
من الأنصار ما قويت به شوكته، و كون له عصابة من حملة فكره الفاسد، و كما يفعل
الروافض اليوم فيستميلون إليهم أكثر ما يستميلون الأميين من ضعاف الإيمان، أو
الناقمين على الإسلام و أهله– حتى إنك لا تكاد تجد بين المرتدين عن مذهبهم إلى
مذهب الرفض سوى الجهلة بالعلم الشرعي، و أنصاف المتعلمين، فقد كان عبد الله بن سبإ
يسير على نفس النهج الذي يسير عليه أحفاده الروافض اليوم و في كل عصر.
لقد تطورت نقمتهم على ذي النورين عثمان
الأموي الأصل، إلى الدرجة التي بدأوا يؤلبون الغوغاء على قتله، و في غفلة من الدهر
تمكنوا من اغتيال صهر الرسول و مجهز جيوشه، و لما طالب ابن عمه معاوية بدمه، و
الاقتصاص من القتلة الجبناء الذين اغتالوه و هو يقرأ في المصحف، اندسوا في جيش
علي رضي الله عنه،و أتاحت لهم الأحداث زيادة تأجيج نعرتهم العنصرية ضد بني أمية. و أخذوا
يختلقون الأقوال و الأحاديث في ذمهم –لكن جهابذة الحديث ما كانت هذه الأكاذيب لتمر
من خلال ثقوب مناخلهم المجهرية الدقيقة، فرُميت في حيز الأحاديث الموضوعة والضعيفة.
لكن أنى لجاهل أن يميز ببين حديث ضعيف أو صحيح؟ أو بين حسن و موضوع !؟ إن معيار تصحيح الأحاديث أو تكذيبها عند
الروافض، و عند العامة من السذج الذين استحمروهم هو أهواؤهم التي يغلي زيتها على
نيران أحقادهم على أصحاب الرسول، و على الرعيل الأول الذي عاش في خير القرون. و إذا
حاولت أن تفهم هذه الفئة كذب تلك الأحاديثـ، أو صحة أخرى التي تفند باطلهم، أغمضوا
عنك أعينهم وقالوا بعصبية و تشنج: إن بني أمية هم من يطعن في تلك الأحاديث التي
يروجها شيعة علي ! ثم
قالوا عن الأحاديث الصحيحة الواردة في أعظم، و أدق، و أصح كتب الحديث في التاريخ،
وهي صحيح البخاري و صحيح مسلم، و ما صح من الكتب و الموسوعات الحديثية
الأخرى، قالوا في عصبية أيضا إن بني أمية هم من اختلقوا تلك الأحاديث و هم
من كانوا يموّنون البخاري و مسلم ليكتبانها !
كثيرا ما كنت أَصدم ببعض الجهلة من متعصبي
الروافض، أو المسترفضين الجدد، عندما أدرك أنهم يتصورون أن الإمامين أبا أسماعيل
البخاري، و الإمام مسلم كانا يعيشان في الدولة الأموية، و ينعمان في قصور الأمراء
الأمويين.! وأنهما كانا موظفين عند الدولة الأموية من
أجل وضع الأحاديث التي تروقهم، و تضعيف الأحاديث التي تغيظهم !!! و عندما كنت أهُمُّ بإخبارهم أن الإمام
البخاري لم يزداد للوجود إلا بعد أن شبع آخر خلفاء بني أمية موتا، و بعد جيلين من
سقوط الدولة الأموية سنة 132 هجرية،- فالبخاري رحمه الله ازداد سنة 194 هجرية، و
توفي سنة256وكذلك الأمر بالنسبة لتلميذه الإمام مسلم النيسبوري الذي ازداد سنة 206
و توفي سنة 261 -كنت أتردد في ذلك لأنهم لن يتوانوا في اتهام الموسوعات
التاريخية بأنها زورت تاريخ ميلاد البخاري و مسلم، وطمست حقيقتهما !!
الحق أقول لقرائي الكرام أن الإسلام بعيد
كل البعد عن هذه العصبيات القبلية، و النعرات الجهوية.التي يعمل بعض فاسدي العقيدة
من الباطنية على تأجيج صراعاتها بين المسلمين.الإسلام دين جاء به الرسول محمد
للعالم أجمع، "و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا" و الرسول ص
قد أعطى أعظم مثال على ترفعه السامي عن مثل هذه المفاهيم القبلية الضيقة، بل إنه ص
لما رأى يوما بعض المسلمين من أهل المدينة يتنادون بأسماء الجاهلية حتى كادوا أن
يقتتلوا، قال لهم و من خلالهم لكل البشرية: "دعوها فإنها منتنة". و
القرآن الكريم يعلمنا في وضوح لا مثيل لنصاعته في تقرير حقيقة الإسلام و هدفه
الأسمى، في قاعدة تصلح أن تكون مرجعا ترتكز عليه كل القوانين الدولية المتعلقة
بحقوق الإنسان و هي قوله تعالى:
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و
أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
هذه المفاهيم العليا، و هذه القيم الإنسانية
المثلى، تضيع أمام هذا الزخم من الدعوات الجاهلية التي يروج لها كل من في قلبه
مرض من الفرق الباطنية، والمقتاتون على مخلفاتها من بعض السذج،أو الذين أعمتهم
العصبية الطائفية. بل حتى من يُفترض فيهم الوعي بالتاريخ، و حقائقه مثل المفضوح حسن نصر الله
يساهم في هذا التضليل، و نشر هذه الروح القبلية المقيتة، فهو أثبت وفاءه لمذهب
الرفض الفاسد الذي يعتنقه، فقد قال في إحدى خطبه التي شاهدها الملايين عبر العالم
أن أبا سفيان كان عدوا للإسلام و مات كذلك. و لست أدري أين يضع نصر الله موقفه
المخزي من قتل الأبرياء في سوريا و دعمه لأكبر سفاح عرفته سوريا في تاريخها. و
عندما تواطأ مراجع الروافض مع الاحتلال الأمريكي الذي أدخلهم إلى العراق فوق
دباباته، رأينا بعض مراجع الشيعة يؤججون لنيران المذابح الشيعية ضد أبناء العراق
من أهل السنة، و سمعت الهالك عبد العزيز الحكيم الذي تصفه المخابرات الأمريكية
بالحليف الاستراتيجي لها في العراق، يؤجج مشاعر غوغاء رافضة العراق في حملته لمهزلة
الانتخابات، يحث أتباعه للوقوف في وجه أتباع بني أمية و أحفاد بني أمية، و يقصد
بذلك أهل السنة في العراق.
صلة النسب بين الرسول ص
و بني أمية
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق