تكريم محدث العصر سيدي عبد الله التليدي- أحمد الرواس

شهدت مدينة طنجة مساء يوم الجمة الأخير حدثا بارزا، ألا و هو تكريم العلامة المحدثالفقيه الأصولي اللغوي المفسر الناقد النحرير السيد عبد الله التليدي الحسني و ذلك بمقر المجلس العلمي بطنجة ، حيث ضاقت القاعة عن الأعداد الغفيرة من الحاضرين الذين توافدوا من كل حدب و صوب للوقوف على ذخائر سيرة هذا العلامة المتبحر و المربي الكبير، سيدي عبد الله التليدي الحسني. و أنا شخصيا قد حصل لي الشرف بأن أتتلمذ على يده في مقتبل الصبا، و أعرف الكثير من الجوانب المشرقة لهذا العلامة الناسك. حيث درست عليه مجموعة من الدروس في علوم اللغة المختلفة، و أصول الفقه، و التفسير و علم الحديث.. و الشيخ العلامة يتميز بتعدد الاختصاصات و موسوعية معرفته بمختلف العلوم الإسلامية و التاريخية….و قد حصل على هذه العلوم و تخصص فيها بفضل الجد و الاجتهاد المنقطعي النظير في تحصيل العلوم و الاشتغال بها، و حياة الشيخ كلها مقسمة بين الاشتغال بالعلم دراسة و تأليفا و بحثا، و عبادة و تهجدا و تسبيحا و سفرا هادفا للعبادة و التأمل و الخلوة الروحية، داوم على ذلك حياته كلها، و كنا أيام الدراسة عليه نتعجب من كثرة نشاطاته و تحمسه الافت للتبحر في العلوم.

و مع زحمة الدروس التي كان العلامة يلقنها للطلبة و التي كانت تبتدئ من عتمة الصباح بعد الفجر إلى وقت صلاة الضحى ثم بعد صلاة الظهر و بعد صلاة العصر ثم بعد صلاة المغرب فإن العلامة التليدي كان يخصص ما تبقى من وقته اليومي للإشتغال بالتأيف الذي شرع فيه في وقت مبكر جدا من حياته.. و قد وصلت تآلفه  إلى نحو من 65 تأيفا فيها الرسائل الصغيرة و فيها كتب ذات مجلدات و صل بعضها إلى 12 مجلدا. و هذه بعض العناوين لبعض كتبه: 
1- تهذيب جامع الترمذي 2- تهذيب الخصائص الكبرى 3- جواهر البحار بصحاح الأحاديث القصار 4- إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة 5- دلائل التوحيد انطلاقاً من القرآن والكون 6- تهذيب الشفا  7- الجواهر وللآلئ المصنوعة بتفسير كتاب الله بالأحاديث الصحيحة المرفوعة 8- نصب الموائد في الفتاوى والنوادر والفوائد - أسباب هلاك الأمم 10- المبشرون بالجنة 11- الأنوار الباهرة في فضائل الذِّرية الطاهرة 12-فضائل الصحابة في القرآن والسنة وموقف الشيعة منهم 13- تهذيب الاستنفار في غزو التشبه بالكفار 14- القدس وكيف احتله الصهاينة؟ 15- المرأة المتبرِّجة وأثرها السيئ في الأمة. 16- أهل السنة والشيعة بين الاعتدال والغلو.  17- بداية الوصول بلُبِّ الأمهات والأصول.

و يعد كتابه المسمى: تهذيب الترمذي 3 مجلدات ضخاما آية في بابه، بل يعد أسلوبه الشامل المتتبع لكل صغيرة و كبيرة و الموثق لكل الأحاديث فيه و مواطن ورودها في كتب الحديث كلها رقما بعد رقم، و تتبع مسالك الاستدلال بها في مختلف أبواب كتب الفقه و الحديث، ثم بسط الحديث في علاتها و رجالها، و تحقيق القول في كل ذلك، يعد ميزة لم يسبق إليها، و هذا الكتاب وحده يرفع بصاحبه إلى مراتب المحدثين الحفاظ و النقاد الكبار مثل الحفظ الذهبي و الحافظ العراقي و أحمد شاكر و الألباني في العصر الحديث. بل لقد اتفق أهل الميدان أنه لا يوجد فوق الأرض اليوم من هو أعلم و أعرف بسنن الترمذي من المحدث التليدي.

ما يميز العلامة التليدي هو الانفتاح على الآخر في وقت لم يكن يعرف للانفتاح قيمة، و على الرغم من أنه كان أحيانا سريع التأثر و الانفعال إلا أنه يتميز بسرعة مراجعة الذات و تصحيح الأخطاء و كان و لا يزال وقافا على مقتضيات النصوص القرآنية و الحديثية. و لم نعهده يوما تجاوز حديثا صحيحا إلى غيره.و بالرغم من تتلمذه و تعلقه الشديد بالعلامة العبقري سيدي أحمد بن الصديق إلا أنه لم يرتض لنفسه تقليده فيما ظهر له فيه مخالفة للصواب و مجانبة للحق خصوصا في مسألة الغلو في التصوف الإشراقي الفلسفي، و في مسألة الموقف من معاوية و عمرو بن العاص الذي كان تأثر فيها العلامة بن الصديق ببعض مقولات الشيعة. و في سيرته الذاتية المسماة: ذكريات من حياتي إفصاح واضح عن هذا الأمر.كما أنه قد أنكر عقيدة وحدة الوجود و حكم على القائلين بها بالكفر في كتابه نصب الموائد في الفتاوى والنوادر والفوائد و العلامة التليدي يعد من المحدثين و  النقاد الكبار الذين تنهمر معلوماتهم الواسعة انهمار الغيث في يوم ماطر, و لا يملك المرء و هو يستمع إلى تدفق علوم الحديث رواية و دراية من فيه هذا المحدث الفريد تدفق السلسبيل إلا أن يسبح الله الذي يهب العلم و الحكمة لمن يشاء. و كنا نخاله في توسع حفظه كأنه يحفظ صحيحي البخاري و مسلم و الكتب الست كلها، وهو إضافة إلى تبحره في علم الحديث فهو أيضا متبحر في علم الفقه و قضى عشرات السنين يدرس الفقه على المذاهب الأربعة.

و قد تشرفت بمرافقة الشيخ عبد الله التليدي في أكثر من رحلة منها الرحلة إلى الديار المقدسة سنة 82 التي مررنا فيها على مدريد و القاهرة و دمشق وقضينا  أياما في كل هذه الأماكن. و قد رأيت منه خلقا دمثا،و نشاطا منقطع النظير فكان لنا بمثابة المرشد السياحي يمر بنا على الأثار التاريخية و مراقد الصحابة و العلماء و المحدثين في كل من مصر و سوريا، و يسهب بمعلومات تاريخية عن كل منطقة نزورها، و أذكر من دماثة خلقه موقفا وقع في مكة المكرمة حيث ذهب الوفد الذي كنا فيه لطواف القدوم رفقة الشيخ و عند الانتهاء و خروجنا من باب السلام ضل أحد أفراد الوفد و بقي تائها مدة يوم كامل و لما عاد به بعض الإخوة الذين كانوا يبحثون عنه أقبل على الشيخ بغضب لائما له على ما وقع له، فما زاد الشيخ على أن نظر إلى الأرض قائلا : لا إله إلا الله.و تعامل بحلم لافت مع ذلك الرجل مقدرا حالته النفسية. و للشيخ عشرات من مثل هذه المواقف المشرقة أدبا و حلما.

إن رجلا كهذا هو مفخرة ليس للمغرب وحده و لكن للعالم الإسلامي بأسره نظرا للإضافات العديدة التي أسهم بها في علم الحديث و مواصلته لكوكبة المحدثين و العلماء الكبار الذين يضيئون تاريخنا المجيد. و لذلك فإنني أقول : لقد شرفت مدينة طنجة و المغرب كله بهذا العلامة الذي اجتمع لديه من العلوم الشرعية و المعارف الإسلامية ما تفرق لدى غيره. و لذلك فإنني أقول : هنيئا للمجلس العلمي و لوزارة الأوقاف بتكريم سيدي عبد الله التليدي الحسيني. لقد تربع العلامة المحدث عبد الله التليدي على عرش " محدث العصر" بكل جدارة و استحقاق.

4 تعليق

4 تعليق على “تكريم محدث العصر- العلامة عبد الله التليدي (أحمد الرواس)”

1.     يوسف أبجيك قال:
أبريل 16th, 2012 at 10:55 ص

حياك الله سيدي احمد الرواس على هذه الكلمات الطيبة في شيخك العلامة الكبير فخر بلاد المغرب الآن في هذا العلم على باقي البلدان سيدي عبد الله التليدي، بارك الله فيك وجزاك الله خيراً

2.     أحمد الرواس قال:
أبريل 16th, 2012 at 1:27 م

شكرا أخي يوسف على زيارتك لمدونتي أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالتأدب مع العلماء و التعلق بذخائرهم العلمية.

3.     عبد الناصر كنون قال:
يوليو 3rd, 2012 at 4:42 ص

أنا عبد الناصر كنون
جزاك الله خيرا على ماقدمته من في حق شيخنا تعبير جيد ولغة سالمة عالية وأسلوب في ميزة جيدة وأحسن اللخ إليك

4.     abdenassar قال:
يوليو 3rd, 2012 at 4:44 ص