لقد أصبت بنوع من الصدمة و أنا أقرأ مقالا متشنجا للمدعو إدريس هاني الذي تستأجره إيران و الدوائر المرتبطة بها للترويج لأطروحتها المذهبية و القومية عن طريق كتابة المقالات،و الظهور على بعض القنوات. ذلك المقال ينقلك مرغما إلى الأجواء الصاخبة التي تنفث في عبقها قناة الدنيا السورية، أو قناة المنار اللتين أصبحتا موضع تندر في أوساط المتعلمين و غيرهم على السواء، و أكثر ما راعني هو حجم التخوين للدول العربية و الخليجية بالخصوص و المعارضة السورية الداخلية و الخارجية و الجيش السوري الحر، في مقابل كيل المديح و التزلف المخزيين لنظام بشار.و إيران، و روسيا، و كوريا الشمالية و كوبا و كأنه يجهد في إدخالهم جميعا تحت عباءة مرشده الأعلى و نائب ولي الزمان المهدي الذي يعتقد إدريس هاني كغيره من الرافضة أنه ما يزال مختبئا في سرداب مظلم تحت أرضي في مكان ما في سامراء !! منذ ما يزيد عن 1260 سنة، "خوفا من أن يشي به الناس إلى الحكام " كما نص كبيرهم الطوسي !!
كنت أظن أن إدريس هاني يتمتع بنوع من اللباقة و الحذر في كيل الاتهامات و إلقائها جزافا على الدول العربية و الإسلامية بحيث لم ينج من سلاطة اتهاماته حتى الدول التي جاء بها الربيع العربي مثل تونس. التي اتهمها جزافا بالوقوع تحت ضغط قطر لطرد السفير السوري متجاهلا كل المطالب الشعبية العربية المطالبة بذلك ،و متباكيا على النظام السوري الذي ادعى أنه فتح ذراعيه "لآلاف الفارين من بطش بن علي ! مختصرا سوريا في بشار و نظامه المستبد بقوله أن "سوريا" صمدت لأكثر من عشرة أشهر ! عندما يمدح الجزار لصموده طويلا في قتل شعبه و تعذيبه مُصِمّاً أذنيه عن كل دعوات الاستنكار العالمية، فهو الدرك الذي لا يتصور درك دونه في التزلف للطغيان.
فالذي ما يزال يستطيع متابعة قنوات "الدنيا" و "المنار" و "العالم " يكاد يجزم أن مقالة إدريس هاني إن هي إلا تلخيصا لبعض المقابلات المغرضة التي تجريها هذه القنوات التافهة مع بعض الكتاب المعبَّئين لتسويق بضاعة الإعلام السوري و الإيراني، و نشر غسيلهما على العالم العربي. و قد رصدت في مقالته على صغرها 15 مغالطة واضحة. سأضغطها في ست ثم الرد عليها اختصارا.
المغالطة الأولى:
نفيه أن تكون سوريا دولة معزولة بحجة أنها "استطاعت أن تحصد "بكل طمأنينة" إعتراضين في مجلس الأمن لصالحها في ظرف قياسي." و الحق أن روسيا و الصين تبحثان عن مصالحهما الاقتصادية، و هما بهذا الموقف يساومان من أجل الحصول على ثمن وازن لبيع ورقة النقض التي في أيديهما، فروسيا ترى نفسها قد خدعت في ليبيا، و لم تحصل على مقابل كما حصلت عليه من قبل في الحرب على العراق. أما الصين التي كانت في الغالب تكتفي بالامتناع فقد رفعت ورقة النقض هذه المرة تعضيدا للموقف الروسي نظرا لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في الخليج العربي إذا ما تعذر وصول النفط الإيراني إلى موانئها بسبب تراكم العقوبات، أو بسبب ضرب إيران المحتمل في سياق التوتر الحاصل في الملف النووي الإيراني. عندها ستلتجئ الصين إلى النفط الروسي. و ما يؤكد أن حبل الانعزال أخذ يضيق يوما بعد آخر على عنق النظام السوري هو تصويت 137 دولة لصالح المبادرة العربية في مقابل 12 دول فقط منها إيران و روسيا و الصين و فنزويلا وأصدقاء رئيسها هوجو تشابيز في أمريكا الوسطى و كوريا الشمالية. فالمسألة لا تتعلق ب"الإعلام النفطي " و إنما النظام المستبد هو الذي عزل نفسه بسلوكه طريقة همجية في قتل مواطنيه و تجويعهم، و تعذيبهم في أقبية المخابرات الحزبية.
المغالطة الثانية: يزعم السيد هاني أن العرب واقعون تحت الضغط الأمريكي الخليجي في تقديمهم للمبادرة العربية في الجمعية العامة و التصويت عليها ! و الواقع الذي لا مراء فيه هو أن الغرب عموما أظهر تلكأ مريبا في التفاعل مع الوضع في سوريا، فلو أجرينا مقارنة بين تحركه و تفاعله مع ليبيا و بين موقفه المتخاذل في سوريا لما يقرب من عام حتى الآن لتبين لنا أن العرب هم من يسعون إلى تحفيز الغرب للوقوف مع قضية الشعب السوري الذي يذبح في واضحة النهار،و ليس الغرب هو الذي يحفز الدول العربية ..و ربما يمكن فهم تلكإ الغرب الواضح، و دأبه على إرسال رسائل و إشارات مريبة و مطمئنة للنظام السوري بأنه لن يتدخل عسكريا في سوريا، أقول ربما يمكن فهم هذا التلكإ في ضوء قلق إسرائيل مما ستؤول إليه الأمور في سوريا بعد سقوط النظام ،و هي التي ترى أن الربيع العربي قد حمل ألد خصومها إلى سدة الحكم في كل البلاد التي تحررت، و هم الإسلاميون بشقيهم السلفي و المعتدل، و هي التي ترى أن جماعة الإخوان المسلمين هي أبرز فصائل المعارضة السورية. و لا زالت استطلاعات الرأي في الكيان الصهيوني تظهر أن الغالبية الكبرى من الإسرائيليين مع بقاء بشار الأسد. لأنه لا أحد ينكر أن هذا النظام الذي يقتل الآلاف من أبنائه بالدبابات و المدفعية قد وفر في المقابل لإسرائيل الطمأنينة التامة في الجولان المحتلة، طيلة العقود الأربعة الماضية، فلم يسبق لهذا النظام أن أطلق رصاصة واحدة و لا حرك دبابة واحدة نحو الجولان، بل حتى لما تعرضت منشآته للتدمير قرب دير الزور بواسطة 8 طائرات إسرائيلية من طراز ف18 في 7 سبتمبر 2007 للإشتباه لكونها مشروعا لمفاعل نووي أنشأته سوريا بالتعاون مع كوريا الشمالية لم يحرك ساكنا، بل لم يعلن عنه إلا بعد مدة طويلة من وقوعه !
المغالطة الثالثة: أن هاني يختصر المعارضة السورية في "حفنة من المسلحين يشرف عليهم –في زعمه – أيمن الظواهري ! و يتهم قطر من طرف خفي بأنها تنسق مع القاعدة من أجل الإطاحة ببشار، و دليله المزلزل هو " تزامن إطلالة الظواهري على الجزيرة مع دعوة قطر لدعم:" المسلحين المتطرفين" في وجه" الملايين" من السوريين. على حد زعمه، و لا أظنني أحتاج إلى كثير عناء لدحض هذه التهمة الجزافية، و إنما أوردتها لإظهار مدى التهور و الدرك الذي أخذ ينزلق إليه المنافحون عن جزار الشام، المنتظمون في الحملة العدائية الإيرانية التقليدية ضد العرب والتي ما تزال تشيطن الدول العربية خصوصا منها دول الخليج و السعودية على وجه أخص. من يتابع الأحداث في سوريا و الصور الواردة من مآت المواقع و المناطق و منذ أكثر من 10 أشهر لا يرى بتاتا أي أثر للقاعدة بين صفوف الشعب السوري المسالم بالطبيعة. و لكن الذي نراه هو خروج الشعب في مظاهرات سلمية شهد العالم عبر مآت من القنوات الفضائية تعرضها لإطلاق النار و سقوط آلاف الشهداء، و قد دأب الإعلام الرسمي لبشار في ادعاء أن الذي يقتل المتظاهرين ضد بشار هم الجماعات المسلحة التي يحاربها النظام، لكن عندما يحشر النظام في ساحاته مؤيديه طوعا و كرها لا يتعرض أحد منهم للأذى، أما كيف تقتل هذه الجماعات الوهمية أعداءه و تستحيي مؤيديه دائما فهذا سؤال يوجه لهاني و من هم على شاكلته. ما رأينا أحدا في سوريا يرفع صورة لأي رمز من القاعدة، و الظواهري يبحث له عن منبر يظهر فيه و يفك عنه العزلة التي أوقعته فيها الثورات العربية السلمية،و محاولة صبغ الثورة السورية بتطرف القاعدة من طرف النظام و أعوانه الإعلاميين يظهر مدى اليأس الذي أصابهم و التخبط الذي فيه يعمهون.و هو أسلوب يبشر بقرب سقوط الطغيان، لأن هذه المرحلة من اللجوء إلى مشجب "القاعدة "قد مر بها كل طاغية سابق سقط.
المغالطة الرابعة:
حديثه باستخفاف عن "تركيا أردوغان،" و قوله أن تركيا قد "أخرجتها القضية السورية من حالة الالتباس إلى "الفضيحة "و كونها أصبحت عبارة عن كارتتشي تستقبل المرتزقة و المتطرفين !" و من لا يعرف تركيا- و قليل من بات لا يعرفها اليوم- يحسب أن السيد هاني يتحدث عن الصومال أو كامبوديا. تركيا، و تركيا أردوغان بالخصوص، أمست دولة تشرف كل من ينتسب إليها، تركيا يا سيد هاني قد قفزت في عهد أردوغان عشرات الدرجات في سلم التقدم، و أمست بجدارة في مصاف الدول المتقدمة في جميع المجالات. و نسبة النمو في اقتصادها هي من الأعلى في العالم.مع أنها لا تملك النفط و لا الغاز، بينما إيران التي تتباهى بها دائما ، و تنشر غسيلها علينا منذ تشيعت هي دولة نفطية و غازية، و ثاني مصدر للنفط في الأوبك، و مع ذلك لا يقارن ناتجها المحلي بناتج تركيا، بالرغم من أن النفط و الغاز يشكلان أكثر من 80 في المائة من الناتج المحلي للإيران. أما عن حقوق الإنسان في إيران فسل عنها مآت من المعارضين الذين يتدلون كل شهر من أعمدة الرافعات في حفلات شنق صاخبة، و يسأل عنها آلاف السجناء السياسيين القابعين في السجون الإيرانية، أو حبيسي دورهم في الإقامات الجبرية، و يسأل عنها الذين دهستهم آلة القمع في شوارع طهران و أصفهان عندما خرجوا محتجين.الواجب يقتضي شكر تركيا على توفيرها الملجأ الآمن للسوريين الهاربين من جحيم الدكتاتور بشار.تركيا دولة مسئولة و قد فعلت المستحيل لثني بشار عن قتل الشعب السوري، و أعطته الفرصة تلو الأخرى،و لكن بشار أهدر تلك الفرص كلها، و المطلوب من تركيا التحرك الجدي لوضع حد لكل تلك المجازر التي تحدث وراء حدودها الجنوبية. تركيا ليست مثل إيران التي لا تتحرك إلا على أساس طائفي، و تساهم فعليا في قتل الشعب السوري و إبادة الآلاف من أفراده نساء و رجالا و أطفالا، و عندما قام المقبور حافظ بمجزرة حماة في فبراير 1982 التي قتل فيها على مدى شهر كامل ما بين 30 إلى 42 ألفا من الأبرياء كانت إيران تروج كما تفعل اليوم بأن النظام يقتل الإرهابيين و عملاء أمريكا و إسرائيل.
المغالطة الخامسة: إدعاؤه أن أمريكا كانت تريد بمطالبتها بالحصانة لجنودها الباقين في العراق بعد الانسحاب من العراق ، أن تدرب المرتزقة و تبعث بهم إلى سوريا، و لكن المالكي تنبه إلى هذا و رفض الطلب ! و في هذا الزعم العريض من التضليل ما فيه فهو يحاول أن يصور لنا بدافع مذهبي بيّن أن المالكي أحد الممانعين أيضا، و الكل يعلم أن المالكي ليس إلا بيدقا قد أتى به الاحتلال الأمريكي ليحكم العراق، فهو جزء من اللعبة الأمريكية الناتجة عن الاحتلال المتفق عليه مع المعارضة الشيعية بما فيها حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي، فبول بريمر هو الذي أعطى الانطلاقة لحكم هؤلاء العراق بتعيينه من شاء في الحكومة الأولى التي أنشأها، و إيران كانت الدولة الأولى في العالم تعترف بحكومة الاحتلال الأمريكي. ثم تناسلت عنها كل الحكومات الاحقة بما فيها حكومة المالكي . أريد أن أذكر السيد هاني بأن حكام العراق في ظل الاحتلال لم يكن لهم شرف مقاومة ذلك الاحتلال، بل تعاونوا معه لقتل المقاومين، و المالكي – كما يقول ملايين العراقيين - همه أن يخدم مصلحة إيران المتماهية مع طموحاته الطائفية و مصلحة أمريكا التي بفضلها و على دباباتها دخل العراق .
المغالطة السادسة: هي اعتباره مطالبة الجامعة العربية بإنشاء قوة عربية أممية لمراقبة وقف إطلاق النار بأنها تلبي طموحا إسرائيليا لاختراق الجيش السوري !مُعرِّضا أن هذه القوة لن تحرر الجولان و كأن النظام السوري منهمك في تحريره ! معيبا على العرب أن يتعاطفوا مع الدم السوري و قد سكتوا –في زعمه- عن أنهار من دماء الفلسطينيين و اللبنانيين ، و الإنصاف الذي لم نر صبابة منه في مقال إدريس هاني، يقتضي الاعتراف بأن الدول العربية على تخاذلها في القضية الفلسطينية قد قامت بما هو أكثر مما تقوم به تجاه سوريا، بالرغم –و هذا يقتضيه الإنصاف أيضا- بأن وتيرة القتل في سوريا و حجم الجرائم البشعة التي طالت حتى الأطفال في أقبية التعذيب قد فاقت الوحشية الإسرائيلية المعهودة، ففي ظرف 10 أشهر قتل ما يناهز 10 آلاف إنسان و دمرت أحياء بأكملها و نكبت مدن و هجرت قرى. و حتى لو أن العرب قد فرطوا في القضية الفلسطينية فإن المثل يقول: خطآن لا يصنعان صوابا واحدا.two mistakes don’t make one right فكيف و الأمر لا يتعلق بأخطاء بل بجرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية؟.
إدريس هاني الذي يتنكب لكل الدول العربية و يرميها بالعمالة عن قوس واحدة يتجاهل أن دول الخليج كانت تربطها علاقة متينة بسوريا، و يتجاهل المساعدات السخية التي تلقاها هذا النظام من دول الخليج، فكم من طريق و كم من مستشفى و كم من جامعة و كم من محطة لتوليد الكهرباء قد أنشأتها سوريا بتمويل سعودي أو قطري أو إماراتي أو كويتي،و يتناسى أن قطر قامت بإعادة بناء الجنوب اللبناني،معقل حزب الله و عمقه الطائفي، و أن الإمارات فعلت نفس الشيء في غزة. بينما يكتفي "الممانعون" بالهتافات و الشعارات الشعبوية و المسارعة إلى تخوين من يعارض بطشهم بالشعب السوري ، لأن ذلك في نظرهم –كما جاء في مقال إدريس هاني- تدخلا في الشؤون الداخلية الذي يمنعه البند الثامن من القانون الأساسي لجامعة الدول العربية. من الغريب فعلا أن ينحدر بعض الكتاب المتزلفين إلى أن يصوروا للقراء أن من حق أي حاكم عربي أن يفعل في شعبه ما يشاء، و كأنه يملك رقابهم إن شاء ذبحهم و إن شاء استحياهم !. فإدريس هاني قد صدع رؤوسنا و شقق أسماعنا بالحديث عن وعاظ السلاطين كلما اقتضاه تعصبه للرافضة متهما علماء أهل السنة بأنهم وعاظ السلاطين، و ها هو اليوم يتقمص دور حامل المبخرة في كنيس الطغاة المبيرين، و مجرد منظف لسيوف الطغاة في سوريا و إيران. و إنني لا أجد جملة أختم بها هذا المقال أفضل من القولة الذهبية لعمر الفاروق:
" متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"
فبراير 24th, 2012 at 3:24 ص
خبر تشيع غسان بن جدو