أمام كثافة الدعاية
المروجة لصورة السيسي، و الحملة الإعلامية الغير مسبوقة المضادة للإخوان، قليلون فقط هم الذين كانوا يتوقعون هذه الفضيحة
الانتخابية الكبرى في مصر، و المتمثلة في المقاطعة الشاملة لمختلف الفئات الشعبية
للإنتخابات الرئاسية. تلك المقاطعة التي أصابت الآلة الإعلامية المصادرة
للإنقلابيين بالذهول. و سببت لها الترنح و فقدان التوازن. فهم يبدو أنهم قد وضعوا
في أنفسهم ثقة زائدة و ظنوا – مخطئين - أن
مصادرة الإعلام المخالف. و احتكاركل الإعلام لصالح العسكر، و الزج بالمعارضين في
غياهب السجون و الحكم على المآت منهم بالإعدام، و انهماكهم لشهور طويلة في تلميع
صورة السيسي و تبشيع صورة الرئيس المحتجز مرسي قد وفى بالموضوع. و مرر اللعبة على
أغلبية الشعب المصري. لكن المفاجأة كانت لهم بالمرصاد، حيث أثبت الشعب المصري مرة
أخرى أن الإعلام المغرض، و الدعايات الموغلة في بث الإفك و نشر الكراهية ضد أفراد
الحكومة الشرعية المنقلب عليها، لم تعد له
فعالية . و فقد قدرته على التأثيرالحقيقي.
لقد كانت المقاطعة شاملة بشكل مذهل. و لا وجه للمقارنة نهائيا بينها و بين ما شهدته آخر انتخابات رئاسية ديمقراطية في مصر. حيث شهد العالم كيف أن طوابير رباعية و خماسية تضم المآت، و أحيانا الآلاف من المصريين بمختلف فئاتهم و مشاربهم يقفون للساعات الطوال تحت حرارة الشمس اللافحة من أجل الإدلاء بأصواتهم في عرس ديمقراطي لم تشهد مصر مثيلا له في تاريخها. أما هذه الانتخابات فقد ظلت فيها مختلف المراكز الانتخابية خاوية على عروشها، إلا من المشرفين على صناديق الاقتراع و أفراد العسكر و الداخلية لحراستها. و كانت هذه الحالة عامة و شاملة على مختلف المراكز الانتخابية في كل المحافظات المصرية. و قد دفعت هذه الفضيحة سلطات الانقلاب إلى تمديد تلو تمديد لأيام الاقتراع، و إطلاق حملات ترهيب و ترغيب في طول مصر و عرضها لحمل الناس على النزول لصناديق الاقتراع. فما كان يهم سلطات الانقلاب العسكري هو تصوير الحشود في مختلف مراكز الاقتراع حتى و لو صوتت ضد السيسي أو وضعت أوراقا فارغة في الصناديق ! فإن أمر فوزه محسوم مسبقا بغض النظر عن عدد الأصوات المحصل عليها ! لكن يبدو أن الشعب المصري قد فطن لألاعيب الانقلابيين فحرمهم من تلك الصور التي كانوا يحتاجونها لتدبيج الصورة الدعائية التي بنوها للسيسي، و موقف الشعب المصري من انقلابه. و في محاولة إرغام الشعب المصري على النزول لمراكز الاقتراع تجند الإعلام المستأجر للإنقلابيين بكل الطرق مهما كانت وضيعة للتأثير على المصريين. فمن متهِم المقاطعين بالخيانة العظمى للوطن، و من مهدد للشعب بالكوارث الاقتصادية و الأمنية التي تنتظره إن لم يصوت للسيسي ! و من مطالب سلطات الانقلاب بقطع الماء و الكهرباء عن الشعب كي لا يتمتع بالمكيفات و التفرج على القنوات بينما مراكز الاقتراع خاوية !. و من مطالب بإنزال أقسى العقوبات على من ثبتت مقاطعته ! ...إلى آخر ما هنالك من مهازل.
لقد كانت المقاطعة شاملة بشكل مذهل. و لا وجه للمقارنة نهائيا بينها و بين ما شهدته آخر انتخابات رئاسية ديمقراطية في مصر. حيث شهد العالم كيف أن طوابير رباعية و خماسية تضم المآت، و أحيانا الآلاف من المصريين بمختلف فئاتهم و مشاربهم يقفون للساعات الطوال تحت حرارة الشمس اللافحة من أجل الإدلاء بأصواتهم في عرس ديمقراطي لم تشهد مصر مثيلا له في تاريخها. أما هذه الانتخابات فقد ظلت فيها مختلف المراكز الانتخابية خاوية على عروشها، إلا من المشرفين على صناديق الاقتراع و أفراد العسكر و الداخلية لحراستها. و كانت هذه الحالة عامة و شاملة على مختلف المراكز الانتخابية في كل المحافظات المصرية. و قد دفعت هذه الفضيحة سلطات الانقلاب إلى تمديد تلو تمديد لأيام الاقتراع، و إطلاق حملات ترهيب و ترغيب في طول مصر و عرضها لحمل الناس على النزول لصناديق الاقتراع. فما كان يهم سلطات الانقلاب العسكري هو تصوير الحشود في مختلف مراكز الاقتراع حتى و لو صوتت ضد السيسي أو وضعت أوراقا فارغة في الصناديق ! فإن أمر فوزه محسوم مسبقا بغض النظر عن عدد الأصوات المحصل عليها ! لكن يبدو أن الشعب المصري قد فطن لألاعيب الانقلابيين فحرمهم من تلك الصور التي كانوا يحتاجونها لتدبيج الصورة الدعائية التي بنوها للسيسي، و موقف الشعب المصري من انقلابه. و في محاولة إرغام الشعب المصري على النزول لمراكز الاقتراع تجند الإعلام المستأجر للإنقلابيين بكل الطرق مهما كانت وضيعة للتأثير على المصريين. فمن متهِم المقاطعين بالخيانة العظمى للوطن، و من مهدد للشعب بالكوارث الاقتصادية و الأمنية التي تنتظره إن لم يصوت للسيسي ! و من مطالب سلطات الانقلاب بقطع الماء و الكهرباء عن الشعب كي لا يتمتع بالمكيفات و التفرج على القنوات بينما مراكز الاقتراع خاوية !. و من مطالب بإنزال أقسى العقوبات على من ثبتت مقاطعته ! ...إلى آخر ما هنالك من مهازل.
و قد ابتدعت سلطات
الانقلاب العسكري أساليب غاية في التخلف من أجل إرهاب الناس على النزول للإقتراع.
بحيث جابت مختلف الشوارع و الأزقة سيارات بمكبرات الصوت تدعوا النساء إلى الانقلاب
على أزواجهم إن أمروهن بعدم النزول ! و تصف الأزواج المقاطعين
بفاقدي الرجولة و الشرف مما زاد من امتعاض المصريين، و تأففهم من هذه الأساليب
الاستبدادية التي تقتحم عليهم البيوت.
سخرية القنوات
الأجنبية
من تابع القنوات الأجنبية التي غطت فضيحة الانتخابات المصرية يشعر بالمهانة من
الوضع الذي أوصل إليه الانقلابيون مصر..بعد أن كانت الانتفاضة المصرية قد أمست ملهِمة
لبعض الشعوب الأخرى. و لم يتردد آخرون في وصفها كونها أعظم من الثورة
الفرنسية ! فمسحة التهكم كانت بادية في عبارات مراسلي عدد من
القنوات الأجنبية. فقد شاهدتُ مراسل قناة السي إن إن و هو يتجول على عدد من مراكز
الاقتراع الفارغة واحدة تلو الأخرى و يقول بأنه بالرغم من تمديد أيام الانتخاب فإن
عدد الجنود الذين يحرسون تلك المراكز أكثر بكثير من عدد المقترعين.مشيرا إلى تجند
الإعلام المصري ضد المقاطعين. و نفس السخرية تلمسها من قناة CBS و البي بي سي و غيرها.
مضامين المقاطعة
ما يزعج الانقلابيين
و الدوائر المساندة لهم هو أن مفاجأة هذه المقاطعة الواسعة لها ما بعدها، و ظهور
حقيقة لا مفر من قبولها و هي أن المليارات السخية التي بددتها بعض الجهات الداعمة
للانقلاب على جنرالات مصر و إعلامييها لم تنجح في جمع ما يكفي من المؤيدين للسيسي.
و كان الغرور قد أوهم لتلك الجهات أن حالة الفقر التي يعاني منها الشعب المصري
ستسهِّل عليهم خلق جماهير عريضة تؤيد خياراتهم المفروضة. خصوصا بعد أن سهُل عليهم
شراء عدد كبير من الذمم في مجال الإعلام المشاهد و المقروء و المسموع. فقد ثبت عمليا اليوم أن الغالبية الساحقة من
الشعب المصري مستاءة من الانقلاب، و من حالة الضياع الذي وصلت إليه مصر في عهد
الانقلابيين. و هذا الاستياء يشكل البيئة التي تتهيأ فيها مصر لثورة حقيقية قادمة
لا محالة. فإذا كان ما حدث في الأحداث التي أسقطت حكم مبارك مجرد انتفاضة طبقا
لبعض المحللين لأنه لم يشمل أسس دولة مبارك العميقة و أعمدتَها العتيدة مثل الجيش
و الداخلية و الإعلام و القضاء. فإن الثورة القادمة ستكون نقمتها أساسا على هذه
الأعمدة الأربعة لتورطها حتى النخاع في الدم المصري تأييدا للانقلاب. قمعا و
تقتيلا للمعارضين، و إصدار أحكام جائرة في محاكمات صورية، و تشويها لمعارضي
الانقلاب من قبل إعلام مستأجر و موجه.
و قد أظهرت هذه المقاطعة الواسعة زيف ما سماه الإعلام المصري المستأجر بثورة 30 يونيو التي ضخموا أعدادها بأساليب سينمائية قفزت بأعداد المشاركين و المفوِّضين للسيسي من مآت الآلاف إلى عشرات الملايين ! في مصادمة فاضحة لكل القياسات الرياضية و الحسابات الهندسية فميدان التحرير و الشوارع المجاورة له تمططت و تمددت في أحجامها عشرات الأضعاف لتَسَع الأعداد الخُرافية التي ضخموها. و أصبح لكل مصري و مصرية خرجت مؤيدة للسيسي عشرات الأبدال و القرناء الغير مرئيين إلا في نشرات الإعلام الموجه. و اليوم يأتي الفصل الأخير في فضح تلك الخدعة بعد أن اعترفت أكثر من جهة في تورطها في ذلك التزييف و ما صاحبه من تهييج.
و قد أظهرت هذه المقاطعة الواسعة زيف ما سماه الإعلام المصري المستأجر بثورة 30 يونيو التي ضخموا أعدادها بأساليب سينمائية قفزت بأعداد المشاركين و المفوِّضين للسيسي من مآت الآلاف إلى عشرات الملايين ! في مصادمة فاضحة لكل القياسات الرياضية و الحسابات الهندسية فميدان التحرير و الشوارع المجاورة له تمططت و تمددت في أحجامها عشرات الأضعاف لتَسَع الأعداد الخُرافية التي ضخموها. و أصبح لكل مصري و مصرية خرجت مؤيدة للسيسي عشرات الأبدال و القرناء الغير مرئيين إلا في نشرات الإعلام الموجه. و اليوم يأتي الفصل الأخير في فضح تلك الخدعة بعد أن اعترفت أكثر من جهة في تورطها في ذلك التزييف و ما صاحبه من تهييج.
فما هي معالم المرحلة القادمة؟
على ضوء كل هذا فإن المرحلة القادمة مرشحة أكثر لتوترات جديدة ستعرفها حركة الشد و الجذب بين سلطة الانقلاب و فصائل
المعارضة ذات التأييد الشعبي الواسع كما بينت المقاطعة. خصوصا و أن السيسي لم يقدم
أي برنامج سياسي معقول لقيادة مصر. فهو لا ينتمي لأي حزب عريق له تصوره و برنامجه
الديمقراطي للحكم. و لكنه عسكري لا يفصله عن عقلية العسكر إلا فترة خلعه للبذلة
العسكرية و استبدالها بأخرى مدنية. بل إن ما تسرب من تصوراته لقيادة دفة حكم مصر
يثير قلق غالبية المصريين فهو يتصور الحل في سياسة شد الأحزمة أكثر مما هي مربوطة أصلا على الجوع
و العوز. و الاستعداد لأيام أصعب حتى من الوضع الاقتصادي السيئ جدا لمصر اليوم ! و ضع ينقطع فيه الماء و
الكهرباء لساعات عدة كل يوم في مختلف مناطق مصر و خصوصا العاصمة مع ما يتسبب فيه
من عَنَت و صعوبة العيش بدون مكيفات في جو الصيف الحارق . و هذا الوضع الذي يبشر
به تصور السيسي لن يكون إلا كارثيا. فقد تسرب من كلامه مع العسكر كثير من العبارات
المقلقة. كقوله أنه يتمنى أن يرى كل مصري يستعمل الهاتف يدفع الفاتورة الثقيلة سواء
المرسل أو المستقبل. و عبر عن اغتياظه كثيرا من رؤية كل المصريين يستعملون الهواتف
النقالة و يعدونها من الحاجات الضرورية و الحقوق البديهية كباقي شعوب الأرض. و من
المتوقع أن تزداد النظرة السلبية للسيسي تجاه الشعب المصري أكثر في ظل ما قد رآه
من عزوف الغالبية عنه. مما يرشح الوضع إلى مزيد تأزم في ظل زيادة وتيرة القمع و
كبت المعارضة، و إطلاق يد العسكر المتوقع في مقدرات البلاد أكثر مما كان. كما أن
دول الجوار الداعمة للانقلاب العسكري يُنتظر أن يفتر تدفق المليارات منها حتى لو
ظلت أسعار النفط مستقرة فوق عتبة ال100 دولار. خصوصا و هي ترى أن التدفق الهائل
لمليارات الدولارات سجل فشلا ذريعا في خلق جماهير ثابتة يمكن التعويل عليها لدعم
خيار حكمهم في مصر. كما أن عدم الاستقرار التي يولده هذا الوضع لن يمَكِّن هذه
الدول من استرجاع بعض ما أنفقته بواسطة مشاريع اقتصادية تفضيلية تتيحها لها سلطات
الانقلاب. كما أن الاستثمارات الأجنبية و الحركة السياحية التي تراجعت إلى مستويات
خطيرة لا يُتوقع - في هذا الجو المكهرب بين غالبية الشعب المصري و سلطات الانقلاب -
أن تعرف إلا تراجعا و تدهورا. و بالتالي إعلان فوز السيسي بالنسبة التسعينية
المرتبطة في الغالب بالأنظمة الشمولية و الذي يؤشر إلى الارتداد إلى الوضع السابق
في عهد مبارك أو أسوأ، لن يساعد في تحسين الوضع في مصر على الإطلاق. فهل يعد فوز
السيسي المصنوع بعناية بداية فعلية لثورة مصرية شاملة قادمة؟